زيارة الوفد السعودي الى صنعاء تبدو بجزءٍ من صورتها بأنها تعبر عن انتصارا للحوثيين وهي صادقة بذلك إلى حدٍ كبير فحركةالحوثيين أنصار الله وحلفاؤها أثبتوا صلابة وتماسكا يستعصي إنكاره طية ثماني سنوات حرب إلّا أنها أي الزيارة بشقها الآخر تمثل دليلاً صريحا على صدق السعودية و على ما كانت تقوله -منذ السنة الثانية للحرب على الاقل- عن رغبتها بوقف هذه الحرب ورفع المعاناة الانسانية,وتحديدا بعد أن أدركت المملكة باستحالة بلوغ صنعاء وخيبتها المريرة من شركائها على الجبهات ومن الخلافات العميقة التي تفترسهم. …
أتفقنا أو اختلفنا عن قرار زيارة صنعاء إلا أنه قرارا شجاعا يحسب للرياض بصرف النظر عن أية اعتبارات أو مآخذ.. فالسعودية لم تر في هذه الزيارة أية غضاضة أو انتقاص من هيبتها ومكانتها أمام الداخل السعودي وأمام المحتمع الدولي كدولة رائدة بالمنطقة…وقطعا أنها اتخذت قرارها بالسلام وبزيارة صنعاء إعمالاً بالقول: يجب أن نعلن الحرب على الحرب لتكون النتيجة سلامًا على سلام.
وبعيدا عن هذه الزيارة… فأنا إزاء حرب مدهشة بكثير من صورها ومفارقاتها .. وجه الدهشة أنها :
الحرب الوحيدة بالتاريخ الذي يعاني فيه الطرف القوي دون الضعيف… كما انها الحرب الوحيدة التي ينزح فيها القيادات الى الخارج دونا عن الجموع المتضررة من لهيب هذه الحرب كما وانها الحرب التي ينزح فيها المواطن من الخارج الى الداخل( الآلاف من اليمييين منذ بداية الحرب تم ترحيلهم من السعودية تحت وطأة الاجرءات الاقتصادية والقانونية ولدواع أمنية سعودية) -.
وهي الحرب التي طيلة أعوامها يتدفق النازحون الأجانب( وبالذات من القرن الافريقي) الى ساحات ومدن ومنافذ الصراع والاقتتال وهو البلد (اليمن )الذي يعاني العوز والفقر وتردي الخدمات يستحيل أن يكون بلدٌ مُغرٌ لأحد أن يقصده.
السعودية عقدت العزم على الخروج من دوامة هذه الحرب ولو عبر باب الطوارىء الخلفي بعد أن أثقلت كاهلها واصابت سمعتها الأخلاقية ومكانتها الدينية بالصميم.. وها هي اليوم تنسل خلسة من هذه الحرب مُخلفة ورائها كما هائلا من الملفات المعقدة على الداخل اليمني شمالا وجنوبا وعلى كل الصُعد الاقتصادي والاجتماعي والأمني …الخ … ولكن هذا لا يعني أن المملكة خرجت خالية الوفاض من حرب الثمان سنوات فهي وأن أخفقت بتحقيق أهدافها المُعلنة المتمثلة بهزيمة الحركةالحوثية وتحجيم نفوذ إيران باليمن وإعادة الرئيس السابق هادي وحكومته الى صنعاء إلا ان سحق القوات العسكرية اليمنية بما فيها الموالية لها وتدمير بنية ومقومات الدولة القوية باليمن شمالا وجنوبا يُـعد هدفا سعوديا ظل كامن الى حين…فالمملكة ظلت تخشى من صعود دولة قوية على تخوم جبهتها الجنوبية على غرار جبهتا الشمالية ( الدولة العراقية بعهد الرئيس السابق صدام حسين).. فاليمن بثروات جنوبه وطاقاته البشرية شمالا وإرثه وحضارته العريقة وموقعه الجغرافي الاستراتيجي مؤهلا لأن يكون دولة -ولو حتى في جزء منه – لها قوة ومنعة وشأن فكل أسباب القوة والنماء موجودة لا ينقصها سوى التوظيف…وبالتالي كان وسيظل اليمن شماله وجنوبه مصدر قلق وتوجس سعودي يجب معالجته والتخلص من صداعه المزمن ولو بآخر العلاج: الـ( الحرب ),و للاسف كان للمملكة ما أردتْ.