وقف إطلاق النار الهش في اليمن.. إلى أين تتجه الأزمة؟
من المقرر أن تنتهي الهدنة التي استمرت شهرين في الصراع اليمني الطويل بنهاية مايو/أيار، وهناك عدة أسباب للأمل في أن تمدد الأطراف المتحاربة الاتفاق؛ ليس أقلها انخفاض العنف في البلاد مؤخرًا واستئناف الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء.
ومع ذلك، فإن الوضع هش ولا يزال هناك خطر من احتمال انهيار الهدنة، خاصة إذا كان الحوثيون غير مستعدين للرد بالمثل على التنازلات التي قدمها خصومهم. ازداد الزخم السياسي وراء الهدنة مع إعلان الحكومة السعودية في 10 أبريل/نيسان 2022 عن استقالة الرئيس "عبد ربه منصور هادي" وتشكيل مجلس رئاسي من 8 أعضاء.
لطالما اعتبر المجتمع الدولي "هادي"، الذي يخضع الآن للإقامة الجبرية في الرياض، الممثل الشرعي لليمن، حتى لو كان بعيدًا بشكل متزايد عن التطورات على الأرض؛ لكن عزله كان أحد شروط الحوثيين المسبقة لمحادثات السلام.
ويترأس "رشاد العليمي"، وزير الداخلية السابق في حكومة "علي عبدالله صالح"، المجلس الجديد، وقد أقر علناً بأن التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن فشل في تحقيق أهدافه الرئيسية، ووعد بإحلال السلام في البلاد من خلال عملية أكثر شمولاً.
وهذا يشير إلى أن الحكومة اليمنية وداعميها في الخليج قد غيروا بشكل ملحوظ نهجهم في عملية السلام، مما يعكس رغبة السعودية في الانسحاب من الصراع.
نهج جديد
إن أحد العناصر الرئيسية لهذا النهج الجديد هو محاولة توحيد التحالف طويل الانقسام المناهض للحوثيين على المستوى العسكري والاستراتيجي. ويخلق تشكيل المجلس الرئاسي دورًا أكثر بروزًا في حكومة الدولة المعترف بها دوليًا لشخصيات من الحزب الحاكم السابق "المؤتمر الشعبي العام"، المقربين من الإمارات.
بالرغم من أن الإمارات شاركت بشكل كبير في التدخل العسكري في اليمن، إلا أن القادة الإماراتيين كانوا مترددين في دعم الحكومة التي يقودها "هادي"؛ لأنها عملت عن كثب مع "حزب الإصلاح"، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الفرع اليمني لـ"جماعة الإخوان المسلمين".
وتسبب هذا في انقسام عميق بالتحالف، حيث دعمت الرياض الحكومة المعترف بها دوليًا، بينما دعمت الإمارات الجماعات المسلحة غير الحكومية التي حاولت السيطرة على الأراضي وحكمها، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي.
من المؤكد أن الانقسامات ستستمر داخل الحكومة، لا سيما بين أعضاء المؤتمر الشعبي العام الذي يهيمن عليه الشمال، والمجموعات الجنوبية المرتبطة بالمجلس الانتقالي الجنوبي. ومع ذلك، مع تهميش حزب الإصلاح، من المرجح أن تنحاز الإمارات إلى السعودية من خلال إلقاء ثقلها وراء الحكومة اليمنية.
وقد يسمح هذا بمقاربة أكثر واقعية وفعالية لإنهاء التدخل العسكري الخليجي.
في ظل هذه التطورات وهجمات الحوثيين عبر الحدود على البنية التحتية الحيوية لصناعة النفط في السعودية والإمارات، في وقت سابق من العام، قدم التحالف العربي الآن سلسلة من التنازلات للحوثيين في إطار الهدنة؛ وهي خطوات لم يكن مستعدا في السابق للقيام بها.
نفذ التحالف العربي العديد من إجراءات بناء الثقة الرئيسية التي يمكن أن تضع الأساس لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وتشمل هذه الإجراءات السماح للعديد من ناقلات النفط بالرسو في ميناء الحديدة، مما سمح بإمدادات الطاقة التي تشتد الحاجة إليها بدخول الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
في 6 مايو/أيار، أطلقت الحكومة السعودية سراح 163 سجينًا حوثيًا، بعد 10 أيام، لبى التحالف مطلبًا آخر للحوثيين طال أمده: إعادة فتح مطار صنعاء أمام الرحلات الجوية التجارية بعد 6 سنوات.
الالتزام الحوثي
ومع وقف التحالف لجميع الضربات الجوية على مواقع الحوثيين، امتنع الحوثيون عن شن المزيد من الهجمات الصاروخية أو الطائرات بدون طيار عبر الحدود اليمنية. لكن، في حين أشار التحالف والحكومة اليمنية إلى استعدادهما لتغيير مسار عملية السلام، لم يستجب الحوثيون بنفس المستوى من التسوية.
ولم ينفذ الحوثيون بعد بعض مكونات الهدنة؛ مثل التزامهم بإعادة فتح الطرق، خاصة تلك الموجودة في تعز، حيث أن هذا المركز الصناعي والتجاري محاصر من قبل الحوثيين، وهو معزول إلى حد كبير عن خطوط النقل عبر البلاد، مما يقيد بشدة الحركة التجارية والخاصة.
في السنوات القليلة الماضية، كانت هناك العديد من المبادرات الفاشلة لإعادة فتح الطرق في تعز، وبعد استئناف الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء، عيّن الحوثيون مفاوضين لإجراء محادثات بشأن إعادة فتح الطرق، وسيكون الانخراط الحقيقي للحوثيين في هذه القضية إشارة مهمة على التزامهم بتمديد الهدنة.
ومع ذلك، فقد واصلوا محاربة قوات الحكومة المعترف بها دوليًا على خطوط المواجهة الرئيسية، بما في ذلك في مأرب، وهي محافظة غنية بالنفط تقع شرقي صنعاء والتي كان الحوثيون يحاولون منذ فترة طويلة السيطرة عليها.
طالما أن الحوثيين متناقضون بشأن عملية السلام، فسيكون هناك خطر من أن تؤدي تنازلات التحالف العربي ومناوراته السياسية إلى نتائج عكسية؛ مما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد العسكري.
ذكّرت الحرب الجناح العسكري المهيمن للحوثيين بالمقدار الذي يمكن أن يكسبوه من خلال العنف، وتركت مفاوضات السلام مجرد جزء من استراتيجية لتحقيق المزيد من المكاسب بدلاً من التنازل.
على سبيل المثال، استخدم الحوثيون أحيانًا الهدنة كفرصة لإعادة التسلح مع الاستفادة اقتصاديًا من شحنات النفط عبر الموانئ أو فرض الضرائب على السكان في المناطق التي يسيطرون عليها. لذلك، سيراقب التحالف بعناية ليرى ما إذا كان الحوثيون على استعداد لتقديم تنازلات متبادلة.
إذا كان الحوثيون مستعدين، فقد يخلق ذلك فرصة للأطراف المتحاربة لبدء محادثات بناءة حول وقف إطلاق نار أوسع وأكثر استدامة، فضلاً عن تسوية سياسية طويلة الأجل.
تُظهر الهدنة أن جهود السلام الأكثر فاعلية ستأتي من القوى الإقليمية مثل المملكة السعودية والإمارات. وعليه، من الضروري أن تدعم إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، والدول الأخرى التي تحافظ على الحوار معهم جهود التحرك نحو مفاوضات السلام. ومع ذلك، بعد ما يقرب من 8 سنوات من الصراع، من الواضح أنه لا الأطراف اليمنية المتحاربة ولا داعميهم الإقليميين لديهم مصلحة كبيرة في حماية مصالح الشعب اليمني.
إذا كان وقف إطلاق النار سيستمر ويتسع، فستحتاج المفاوضات بين المتحاربين إلى إشراك ممثلين عن المجتمع المدني اليمني والمجتمعات التي تم استبعادها من المحادثات لفترة طويلة.
وسيحتاج المبعوث الخاص للأمم المتحدة "هانز جروندبرج"، أيضًا، إلى التركيز على هذا المجال، وهو جهد يستحق الدعم الكامل من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه.
المصدر | ماريك ترانسفيلد/ المجلس الأوروبي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد