اختلال معادلة القوة في السعودية
خليل العناني
بات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عبئاً على المملكة، وعلى العائلة المالكة في بلاده. وهو أمر لا تخطئه العين، في ظل تصاعد الضغوط الدولية على الأمير الشاب، على خلفية كارثة حرب اليمن وجريمة اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية في إسطنبول.
وتبدو المشكلة أكثر تعقيداً في ظل اختلال موازين القوة داخل المملكة وداخل العائلة الحاكمة، فمنذ صعوده إلى السلطة، قام بن سلمان بما يطلق عليها في العلوم السياسية عملية "تركيز القوة" power consolidation في يديه.
وذلك من دون أن يكون هناك أي توزيع لها كما كانت هي الحال منذ نشأة الدولة السعودية الثالثة أوائل القرن العشرين، حيث قام بتفكيك المؤسسات التقليدية للحكم التي كانت تحفظ توازن النظام الملكي العائلي، وتحميه من أية قلاقل داخلية أو خارجية.
ولعل أهم هذه المؤسسات هي المؤسسة الملكية التي كانت تدار بقدر من التوافق بين أبناء الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، بشكل ضمن استقرار الحكم داخل العائلة، من دون قلق أو هزّات كبيرة.
فمنذ جاء بن سلمان إلى السلطة، قام بتفريغ المؤسسة الملكية من مضمونها، وبات هو المسيطر والمتحكم الفعلي في كل الأمور، حيث أعاد هيكلة الأجهزة الرئيسية في الدولة، مثل الجيش والحرس الوطني ووزارة الداخلية بشكل غير مسبوق.
كما تخلص من منافسيه على العرش، وأقصاهم عن السلطة، وأهمهم الأميران، متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف، كما تخلص من مؤيديهم ومواليهم داخل مؤسسات الدولة.
كذلك سيطر بن سلمان على الاقتصاد السعودي، من خلال السيطرة على إنتاج النفط، عبر رئاسة المجلس الأعلى لشركة أرامكو، ورئاسته مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
من جهة أخرى، بدأ بن سلمان عملية تفكيك تدريجية للمؤسسة الدينية، والتي كانت بمثابة القدم الثانية لنظام الحكم في السعودية، والتي وفّرت للعائلة المالكة الدعم والشرعية اللازمة للبقاء في السلطة من دون منافسة أو شريك طوال القرون الثلاثة الماضية.
وتجري الآن عملية تطهير وإعادة تأهيل لهذه المؤسسة، ليس نتيجة قناعات واجتهادات دينية وفقهية، وإنما مجرد رغبة "تحديثاوية"، بغرض نيل الرضا الخارجي وشراء شرعية دولية.
وهو ما يجري من خلال عملية متسرعة وغير مدروسة، سوف تكون لها آثار وخيمة في المستقبل، خصوصا مع تآكل شرعية النظام السعودي داخلياً وخارجياً.
من جهة ثالثة، قام بن سلمان بتفكيك المجمّع المالي والاقتصادي القوي، سواء لرجال الأعمال من أبناء العائلة المالكة، مثل الوليد بن طلال، أو من هم خارجها ممن استفادوا من علاقاتهم بملوك وأمراء، من أجل تكوين ثروات هائلة طوال العقود الماضية.
وهو هنا لا يعبأ بحنق هؤلاء أو غضبهم، بل يعتبرهم مجموعة لصوص، يجب تأديبهم وتهذيبهم والاستيلاء على ثرواتهم، بذريعة محاربة الفساد، وفق منطق "علي بابا".
لذا عندما جاءت عملية اغتيال خاشقجي، وما نجم عنها من أزمة دولية غير مسبوقة تواجهها السعودية الآن، يبدو الأمر كما لو كان بن سلمان قد جعل بلاده رهينة له، وذلك مثلما يفعل السلطويون العرب في جمهورياتهم التي تُحكم بأسلوب "إما أنا أو الفوضى".
فولي العهد لا يتصور نفسه خارج السلطة، خصوصا بعدما دخل في مواجهةٍ مع كثيرين، بسبب غروره وسلوكه المتهور، ولا يعتقد أن في مقدور أحد أن ينهي مستقبله السياسي بهذه السرعة.
لذلك، فأغلب الظن أنه لن يتخلى عن منصبه، مهما كلفه ذلك، كما أنه لن يتوانى عن التضحية بالمملكة وسمعتها من أجل البقاء في السلطة.
* د. خليل العناني أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا الزائر بجامعة جونزهوبكنز الأميركية
المصدر | العربي الجديد