هل بَدَأ الأمير بن سلمان في تَنفيذِ تَهديداتِه بنَقلِ الحَرب إلى العُمُق الإيرانيّ بالنَّظرِ إلى الهُجوم الدَّمَويّ في الأهواز؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2523
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ولماذا نَجْزِم أنّ “التَّغريدة” الإماراتيّة التي “تُشَرِّعُه” رِسالةٌ يَجِب أخذها وما خَلفَها بِكُل جَدِّيَّة؟ وكيفَ سَيكون الرَّد إذا حَدَثَ فِعْلًا؟
عبد الباري عطوان
 عِندما يَصِف الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب إيران بأنّها تَقِف خلفَ مُعظَم، إن لم يَكُن جميع، الهَجَمات الإرهابيّة في العالم، ويَتعَّهَد الأمير محمد بن سلمان، وليّ العَهد السعوديّ، قبل عام بأنّه لن يَنتَظِر حتّى تُصبِح المَعرَكة مع إيران على الأرضِ السعوديّة، وسيُصَدّرها إلى عُمُقِها، وتُؤكِّد دولة الاحتلال الإسرائيليّ بأنّها ستُواصِل غاراتِها في العُمُق السوريّ لمَنعِ إيران وأذرُعِها العسكريّة من إقامَة قواعِد صاروخيّة فيه، فإنّ الهُجوم الدَّمويّ الذي استهدَف عَرضًا عَسكريًّا إيرانيًّا يوم السبت في الأهواز، جنوب غَرب البِلاد، وأسفَر عن مقتل 29 شخصًا بينهم أطفال ونِساء ليس مُفاجِئًا، بل نَعتقِد أنّه جاءَ مُتأخِّرًا، وأنّ هَجَماتٍ أُخرَى ربّما تكون أكثَر دَمويّةً في الطَّريق، فالمِنطَقة تَقِف على أعتابِ حَربٍ استخباريّة إرهابيّة غير مَسبوقة ومُدَمِّرة لجَميعِ أطرافِها.
الرئيس ترامب يَفْرِض حِصارًا اقتصاديًّا خانِقًا على إيران ربّما يَبلُغ ذروته في تِشرين ثاني (نوفمبر) المُقبِل عِندما يبدأ تطبيق الشَّق الأهَم مِنه، أي حَظْر تَصدير النِّفط، والهَدف الأساسيّ هو إنهاكُ النِّظام الإيرانيّ، وزَعزَعة استقراره كمُقَدِّمة لتَغييرِه عَسكريًّا في نِهايَة المَطاف، وعَلَّمتنا التَّجارِب أنّ حُروب أمريكا فِي مِنطَقتنا ليسَت فُجائِيّةً، وإنّما ثِمارٌ سَوداء لاستراتيجيّات مَوضوعَة ومُتَّفَق عليها وتتهَيأ أسبابها مُنذ سَنوات.
الرئيس ترامب يُدرِك جيّدًا أنّ الحِصار الاقتصاديّ لا يُمكِن أن ينجَح وحده في تغييرِ أنظمة، وإلا لسَقَط النِّظام الكوريّ الشماليّ، وقَبله النِّظام الكوبيّ، وقَبل الاثنين النِّظام العِراقيّ بقِيادَة الرئيس صدام حسين، وحُكومَة حركة “حماس” في قِطاع غزّة، فالحِصارات التي لا تتلوها أعمال تَدخُّل عَسكريّ تُعطِي نتائِج عكسيّة، ولهذا بَدأ التَّخطيط لإقامَة “ناتو” عربي ضِد إيران يَضُم الدُّوَل الخليجيّة السِّت، عَلاوَةً على مِصر والأُردن والمَغرب، استِعدادًا لهذا التَّدخُّل إذا ما تَقَرَّر، والغارات الجَويّة والصاروخيّة الإسرائيليّة في العُمُقِ السوريّ أحَد فُصولِه.
***
إيران دَولةٌ قويّةٌ، تَمْلُك مَشروعًا استراتيجيًّا، تُريد تعزيزه بقُدرةٍ عسكريّةٍ محليّةٍ وإقليميّةٍ نُواتها قُدرَة صاروخيّة قادِرَة على حَسم الأُمور على الأرض، وتَفريغِ الهَيمنة الجويّة الغربيّة مِن أقوى أسلِحَتها، أي فرض الرُّعب، وبالتَّالي الاستسلام على الطَّرفِ الآخَر مُبكِرًا، وانتقَلت من تَصديرِ الثَّورة، إلى تصدير القُوّة الصاروخيّة، والمِيليشيات العسكريّة المُوازِيَة، الأمر الذي باتَ يُشَكِّل قلقًا “وجوديًّا” لمُعظَم خُصومِها، وخاصَّةً إسرائيل والمملكة العربيّة السعوديّة.
الأمير محمد بن سلمان، وليّ العَهد السعوديّ، والحَليف الأوثَق للرئيس ترامب في المِنطَقة، والعَمود الفِقَري لاستراتيجيّته في زعزعة أمن واستقرار إيران مِن الداخل، ما كانَ سيُدلِي بهَذهِ التَّصريحات قبلَ عامٍ التي هَدَّد فيها بنَقل الحَربِ إليها، لولا اطّلاعِه على الخُطَط الأمريكيّة والإسرائيليّة المُشتَركة لتَغييرِ النِّظام الإيرانيّ، ومَراحِلها المُتعدِّدة، فهَذهِ هِي المَرَّة الأُولى في تاريخ الصِّراع السعوديّ الإيرانيّ التي يَتجَرّأ فيها مَسؤولٌ سُعوديٌّ على الحَديث عَلنًا عن “نوايا” بتَثوير الأقليّات الطائفيّة والعِرقيّة في الدَّاخِل الإيرانيّ، فجَميع المُلوك السُّعوديين لم يُجاهِروا مُطلَقًا ورَسميًّا بالتَّدخُّل الرسميّ في دُوَلٍ أُخرَى، واتِّخاذ زِمام المُبادَرة بنَقلِ الحَربِ إليها إلا في العَهد الحاليّ، مِثلَما شاهَدنا في اليمن، وسَنُشاهِد في إيران.
مِن هذا المُنطَلق كان لافِتًا أنّ الحَرس الثوريّ الإيرانيّ الذي أصابته عمليّة الأهواز هَذهِ في مَقْتَل، وجَرَحَت كِبريائه، في وَقتٍ تتوالى انتصاراته وحُلفاؤه المُباشِرة وغَير المُباشِرة في العِراق وسورية واليمن، سارَع باتِّهام “مجموعة انفصاليّة” عربيّة تدعمها المملكة العربيّة السعوديّة بالوُقوف خلف هُجوم الأهواز، وتَوعَّد بانتِقامٍ حاسِم، وكَرَّر التَّهديد نفسه السيِّد علي خامنئي، المُرشَد الأعلى، وحسن روحاني، رئيس الدَّولة، ومَسؤولون آخرون.
لا نَعتَقِد أنّ “التَّغريدة” اللَّافِتة التي أطلَقها الدكتور عبد الخالق عبد الله الذي يُوصَف بأنّه أحَد أبرز مُستشاري الشيخ محمد بن زايد، وليّ عهد أبو ظبي، ونَفَى فيها صِفَة الإرهاب عن هُجومِ العَرض العسكريّ، وأضفَى عليه صفة المشروعيّة، جاءَت زلّة لِسان، وإنّما بتَوجيهٍ مُباشِرٍ ومَدروسٍ من قِيادَتِه بالتَّنسيق مع نَظيرَتها السعوديّة، وإلا يَتِم حذفها بسُرعة كوَسيلةٍ للتَّبرُّؤ مِنها، وزَجْ صاحِبها في السِّجن، ولكن هذا لم يَحْدُث.
نَشْرَح أكثَر ونقول بأنّ الحديث في المَجالات العسكريّة ليسَت مَيدانًا مَفتوحًا للاجتهاد أمام المُغرِّدين العَرب والخليجيين تحديدًا، وكُل كَلِمة محسوبة بدقّة وعِناية فائِقة، ومُوحىً بِها، لإيصال رسالة مُحَدَّدة إلى أكثَر مِن جِهَة، فالدكتور عبد الله أكاديمي سياسي، وليس ناطِقًا عَسكريًّا، ليَقول بأنّ “نقل المعركة إلى العُمُق الإيرانيّ خِيارٌ مُعلَنٌ وسيَزداد خِلال المَرحلةِ المُقبِلة”، انْطِلاقًا مِن تقديراتٍ شَخصيّةٍ بحْتَةٍ.
بالنَّظَر إلى ما تَقدَّم، نستطيع أن نَجْزِم بأنّنا نَقِف الآن أمام حَرب أجهزة استخباريّة تَستهدِف العُمُق الإيرانيّ، تأتِي في إطارِ خُطَّةٍ مُحكَمةٍ تُرَكِّز على تَجنيدِ بعض الأقليّات العربيّة والعِرقيّات السنيّة والأذريّة والبلوشيّة (تقع مُعظَمها في جَنوبِ شَرق إيران بمُحاذاة باكِستان وأفغانستان وتُمَثِّلها مُنَظَّمة جُند الله السنيّة المُتَشدِّدة)، على غِرار ما حَدَث في أفغانستان إبّان الحِقبَةِ السُّوفييتيّة، والتي انتَهت بانهيارِ نِظام محمد نجيب الله الشيوعيّ.
رُبّما مِن السَّابِق لأوانِه القَول بأنّ فُرَص هذا المُخَطَّط مِن النَّجاح كبيرة، فالمُقارَنة بين سُلطَة الثَّورة الإسلاميّة في إيران والنظام الشيوعي الأفغاني غير جائِزَة، وفي غير محلّها، رغم أنّ الوِلايات المتحدة هِي رأس حِربَة في المُخَطَّطَين، والسعوديّة هِي أحَد أبرَز اللَّاعِبين في دَعْمِها ماليًّا وعَسكريًّا وطائِفيًّا وأيديولوجيًّا، فالفَوارِق هُنا كَبيرةٌ جِدًّا، مُضافًا إلى ذلِك أنّ الزَّمَن تَغيَّر أيضًا.
إيران تَمْلُك خِبرَةً أكثَر عُمْقًا في الحُروب “الاستخباريّة” بالمُقارَنةِ مع المملكة العربيّة السعوديّة وبَعضِ حُلفائِها في مِنطَقَة الخليج (الكويت وقطر وسَلطَنة عُمان أدانَت الهُجوم الدموي على العَرض العسكريّ ووصفته بالإرهاب)، وازدادَت هذه الخبرة “عَمليّاتيًّا” مِن خِلال خوض الأذرعة الاستخباريّة الإيرانيّة ثَلاث حُروب بشَكلٍ مُباشِر، في ثلاثَة ميادين قِتاليّة هي سورية والعِراق واليمن ضِد الدولة الإسلاميّة خُصوصًا، وبصُورةٍ غير مُباشِرةٍ في جنوب لبنان وقِطاع غزّة، أمّا الخِبرة الاستخباريّة السعوديّة، فلم تُختَبر عَمليًّا إلا في دولتين هُما اليمن وسورية، وجاءَت الإنجازات “مُتواضِعةً” حتّى الآن على الأقَل، بالنَّظرِ إلى النَّتائِج.
إيران تُواجِه، ومُنذ ثلاثين عامًا، تدخُّلاتٍ خارجيّةٍ، وثَوَراتٍ داخليّة، وحَركات انفصاليّة مع الجارِ العراقيّ، وكان لافِتًا أنّ الانهيار لم يَكُن أحَد الأخطار التي تُهَدِّد نِظامها في أيِّ يومٍ مِن الأيّام، بل إنّها تُصبِح أكثَرَ قُوَّةً وصَلابَةً، وتَخرُج من إنجازٍ عَسكَريٍّ لتَدخُلَ في آخَر.
***
الرئيس ترامب يُريد تَوريط المملكة العربيّة السعوديٍة وحُلفائها الخَليجيين، وبعض السُّنّة العَرب، في حَربِ “إرهابٍ” استخباريّةٍ خَطِرة ضِد إيران، تَستَنزِفها ماليًّا أوّلاً، وقد تُهَدِّد أمْنَها الداخليّ ثانِيًا، فيه، أي السعوديّة، وقَد تحتاج فيه إلى الاستقرار بالنَّظرِ إلى المَرحلةِ الانتقاليّة “الحادّة” التي تَمُر بِها حاليًّا في العَهدِ السلمانيّ، فمِثلما هُناك أدوات يُمكِن أن تُوظِّفها المملكة بتَحريضٍ أمريكيٍّ لزَعزَعة استقرار إيران، فإنّ هُناك أدوات وطُرق أُخرى يُمكِن أن تَستخدِمها إيران أيضًا، ويَكفِي إلقاء نظرة سريعة على ما حَقَّقته الأذرُع الثوريّة والسياسيّة والعَسكريّة الإيرانيّة في الجِوارَين العِراقيّ والسوريّ، بالإضافةِ إلى الجارِ اليمنيّ البَعيد، الذي يتصدَّى لحَربٍ ربّما تَكون الأطوَل في تاريخه.
المُشْكِلة في تَقديرِنا لا تَكمُن في وَصفِ الهُجوم على العَرض العسكريّ في الأهواز بالإرهاب أو عَدمِه، وإنّما في التَّبِعات التي يُمكِن أن تترتَّب عليه، إذا بَدأنا نَدخُل مرحلة التَّورُّط في “الحَرب الاستخباريّة” التي أبرَز عناوينها “الإرهاب” والإرهاب المُضاد، في وَقتٍ تَلْجَأ الدُّوَل إلى الحِوار لحَل أزماتِها فها هُما زعيما الكوريتين الشماليّة والجنوبيّة يتفاوَضان لإنهاءِ حَربٍ استمرّت سَبعين عامًا تقريبًا، وكادَت أن تتحوَّل إلى حَربٍ نوويّةٍ.
أمريكا تَلعَب بالنَّار في حُروبِها الاستخباريّة والاقتصاديّة التي أشْعَلَت فَتيلَها في المِنطَقة وبتَحريضّ إسرائيليٍّ، ولكن المُفارَقة أنّ أصابِع السعوديّة، وربّما دُوَلٌ أُخرَى هِي الأكثَر عُرضَةً للاحتراق.. ورُبَّما التَّفَحُّم.. واللهُ أعْلَم.