الاتصالات الامريكية لإقامة “ناتو عربي سني” من دول الخليج تدخل مرحلة جدية والاعلان الرسمي سيكون في قمة واشنطن في شهر أكتوبر..
هل ستقبل مصر والأردن الانضمام اليه تحت غطاء محاربة النفوذ الإيراني؟ وهل توسيع قاعدة العيديد القطرية والضجة السعودية حول أمن البحر الأحمر التمهيد له؟
عبد الباري عطوان
تتزامن حرب التهديدات الكلامية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الامريكية وايران مع توارد تقارير، وتسريبات صحافية، تؤكد ان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجري اتصالات مكثفة هذه الأيام لتشكيل تحالف امني عسكري جديد مع دول الخليج العربية، الى جانب مصر والأردن، بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة، وانشاء شبكة دفاع صاروخية، ووضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب.
القمة التي من المقرر ان تُعقد في واشنطن يومي 12 و13 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل بطلب من الرئيس ترامب، وحضور زعماء الدول الثمانية المدعوة، تهدف الى تأسيس “حلف ناتو” عربي سني الطابع، ومقتصر على الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة.
اللافت ان هذا الحراك يتزامن مع تقرير استرالي تنبأ بعمل عسكري ضد ايران في المستقبل المنظور، ونقل عن مسؤولين استراليين قولهم ان واشنطن مستعدة لقصف منشآت نووية في ايران ربما في الشهر المقبل.
الضجة الاعلامية التي نجمت عن اتهام سعودي لحركة “انصار الله” الحوثية بمهاجمة ناقلتي نفط في البحر الأحمر يوم الأربعاء الماضي، واصابة احداها إصابات خفيفة، واتخاذ قرار بوقف شحن النفط السعودي عبر بوابة باب المندب حتى يتحقق الامن فيه، ربما تصب في مصلحة التمهيد لتأسيس هذا الحلف الجديد بإشراف امريكي، لان السعودية ودولة الامارات تريدان تدخلا دوليا لتأمين هذا المضيق الاستراتيجي الذي تمر عبره 5 بالمئة من التجارة العالمية، واكثر من 5 ملايين برميل من النفط يوميا، واجهاض التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز الأكثر أهمية أيضا.
***
هناك عدة نقاط رئيسية لا بد من التوقف عندها في اطار أي محاولة لقراءة ما بين سطور هذه الخطة الامريكية:
ـ الأولى: ما هو موقف مصر والأردن على وجه التحديد من هذا التحالف، وهل ستنضمان اليه في حال اعلان قيامه؟ وهل سيشارك البلدان في قمة تشرين الأول (أكتوبر) القادمة في واشنطن؟
ـ الثانية: ما هي علاقة إسرائيل بهذا الحلف الجديد، وهل ستكون عضوا فيه؟ وكيف سيكون طابع هذه العضوية، سريا ام علنيا؟
ـ الثالثة: كيف سيتم ازالة عقبة الازمة الخليجية التي قد تقف حجر عثرة في طريق هذا الحلف، وهل ستتخلى دولة قطر عن علاقتها المتميزة مع ايران، وتقطع كل أواصر تحالفها معها تلبية لشروط أمريكية سعودية إماراتية في هذا الشأن.
ـ الرابعة: هل جاء الإعلان رسميا عن تخصيص مبلغ مليار ونصف المليار دولار لتوسيع قاعدة العيديد العسكرية الامريكية في قطر بهدف جعلها احد المرتكزات الرئيسية للحلف العربي الأمريكي الجديد؟ ورسم دور رئيسي لها في أي حرب قادمة ضد ايران؟
ربما يكون من السابق لأوانه، بالنسبة الينا، طرح أي إجابات حول معظم هذه الأسئلة في ظل حالة التكتم على التفاصيل المتعلقة بالمخطط الأمريكي في هذا المضمار، ولكننا لا نستبعد ان تكون حرب التهديدات الامريكية الإيرانية المتبادلة تهدف الى اثارة حالة من الذعر والرعب في أوساط الشعوب العربية، والخليجية منها بالذات، تبرر الانخراط في هذا الحلف الجديد، ودفع تكاليف العضوية كاملة.
المسألة الأخرى التي تستحق التوقف عندها، مستلزمات الانخراط في هذا الحلف، تنفيذ برامجه العسكرية والسياسية، العسكرية من حيث البرامج التدريبية، والدرع الصاروخية التي سيتم بناؤها، والسياسية المتعلقة بالانخراط في حصار اقتصادي غير مسبوق من المتوقع فرضه على ايران في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وابرز اعمدته منع تصدير النفط الإيراني، ووقف كل اشكال التبادل التجاري مع طهران.
هذا “الناتو العربي السني” المقترح الذي ستكون إسرائيل طرفا رئيسيا فيه، سواء بشكل علني او سري، سيكرس حالة الانقسام الحالية، والفرز الطائفي في المنطقة، وتعبئة “السنة” لخوض حرب ضد ايران “الشيعية” وحلفائها في المنطقة، وحركات المقاومة بالذات، في لبنان وفلسطين المحتلة، لمصلحة إسرائيلية بحته، وتهدئة مخاوف مستوطنيها.
***
لا نستبعد ان يكون هذا الحلف الطائفي الجديد وسيلة جديدة لحلب مئات المليارات من الدول الخليجية تحت ذريعة تعزيز قدراتها الدفاعية استعدادا للحرب ضد ايران، فهذه الدول التي لا تستطيع رفض طلب ترامب، وربما تخرج من اجتماع قمة واشنطن المقبل بخزائن فارغة، او مثقلة بالديون، بسبب ضخامة الفاتورة العسكرية الامريكية المطلوب منها تسديدها دون نقاش.
الاشقاء في الخليج يساقون الى حرب إقليمية عظمى سيكونون حطبها، والممولين لها، وهي حرب غير مضمونة النتائج، وحتى لو انتصرت فيها أمريكا، فان انتصارها سيكون دمارا للمنطقة ونهضتها الاقتصادية، ومدنها المزدهرة، وقتل مئات الآلاف من أبنائها، فإيران سترد حتما، ولن تقف مكتوفة الصواريخ.. والأيام بيننا.