بين ترامب ومحمد عبد الوهاب بن سليمان النجدي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3773
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بقلم: محسن حسن (خطي عربي)
نعود للإبحار معاً في شواطئ خطي عربي والماسونية الخبيثة ….. الشاطئ السادس المرحلة العاشرة…

المناهج السعودية… هكذا أنجبت التوحش (1)
“وإذا كنت تريد أن تعرف كيف لا تنجب مستقبلاً مثل هذه الوحوش (داعش)… لا بدّ أن تبدأ بإصلاح التعليم الذي تعطيه أطفالك برمّته.. هذه وسيلتك الوحيدة كي لا تُنجب مثل هذه الوحوش”.
في رسالته المفتوحة إلى العالم الإسلامي أواخر العام 2014، كتب عبد النور بيدار، أستاذ الفلسفة بجامعة صوفيا أنتيبوليس في نيس بفرنسا،: “وإذا كنت تريد أن تعرف كيف لا تنجب مستقبلاً مثل هذه الوحوش (داعش)… لا بدّ أن تبدأ بإصلاح التعليم الذي تعطيه أطفالك برمّته، أن تصلح كلّ مدرسة من مدارسك، وجميع أمكنة المعرفة والسلطة.. هذه وسيلتك الوحيدة كي لا تُنجب مثل هذه الوحوش”.
بكلماته الصادقة في مصارحة العالم الإسلامي تمكن بيدار،المفكر الفرنسي المسلم، من وضع يده على الجرح المفتوح. المشكلة تكمن هنا، في “التقهقر الوهابي المتعصّب والظلامي الذي ما يزال يعيث فساداً في كلّ مكان تقريباً داخل حدودك (العالم الاسلامي)، وهي وهابيّة تنشرها انطلاقاً من أماكنك المقدّسة في المملكة العربيّة السعوديّة كسرطان ينطلق من قلبك ذاته!”… المشكلة تكمن في التعليم الذي سمحت به وصاغت أسسه الوهابية.
عام 2014، قدّر موقع “Daily Paul” الأميركي المتخصص في الشؤون الأمنية عدد المقاتلين السعوديين في صفوف داعش بسبعة آلاف مقاتل ليحتلوا بذلك المرتبة الأولى في عدد المقاتلين لناحية الجنسية. وفي بداية العام 2015، نشر موقع “روسيا اليوم” إحصاءً أظهر احتلال السعوديين المرتبة الثانية في مقاتلي التنظيم.
صحيفة “الحياة” السعودية نفسها أقرت في تشرين الأول/اكتوبر 2014 أن المقاتلين السعودين نفذوا 60٪ من العمليات الانتحارية لداعش في العراق. وفي الفترة نفسها، ناقشت قناة “العربية” في أحد برامجها الحوارية الأسباب التي تجعل “السعوديين أكثر الانتحاريين في سوريا والعراق”.
ليست سورية والعراق فقط من كان انتحاريوها من السعوديين، التفجيرات والهجمات المسلحة في الإحساء والقطيف والدمام، وكذلك في الكويت نفذها سعوديون. فكيف تمكنت السعودية من صناعة الإرهاب؟
يحيل كلام المفكر الفرنسي عبد النور بيدار إلى أن جذور التكفير تكمن في التعليم. في المناهج التي تُقدم للأطفال، وينشأ عليها الجيل السعودي. وأبناء الدول التي تفتح على أراضيها مدراس سعودية من واشنطن إلى جاكرتا، مروراً بالرباط والجزائر ومدريد إلى باريس وروما وبرلين وبون الألمانيتين وفيينا موسكو، وصولاً إلى اسطنبول وأنقرة، ومن ثم إسلام أباد إلى كراتشي فنيودلهي وصولاً إلى بكين، حتى جيبوتي،. فيما قررت بريطانيا وإيرلندا إغلاق هذه المدارس.
تبدأ قصة المشكلة التعليمية منذ اليوم الأول لترسيم سياسة التعليم بالمملكة، حيث أخذت على عاتقها أن تعكس التصور الديني الرسمي الذي تتبناه سلطة الدولة باعتباره النموذج الوحيد والشرعي القابل للتعليم فيما تعتبر بقية المدارس العقائدية والفقهية مرفوضة وغير معترف بها رسميا، بل وينبغي محاربة “ضلالها وبدعها”.
في حقبة الستينات وإبان حكم فيصل بن عبدالعزيز، ازداد نفوذ جماعة الاخوان المسلمين في السعودية، بعد أن احتضنتهم المملكة السعودية في إطار صراعها مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر. لعب الاخوان الدور الأهم في تحديث مجال التعليم وصياغة البرامج التربوية، في ظل عجز المؤسسة الوهابية عن القيام بهذا الدور، وفق ما يوثق كتاب “زمن الصحوة.. الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية”، للباحث الفرنسي في العلوم السياسية ستيفان لاكروا. لعب الاخواني السوري محمد المبارك دوراً مهماً في ذلك، كما كان للاخواني المصري منّاع القطّان دور بارز في إقرار السياسة التعليمية في المملكة، والتي لاتزال قائمة إلى اليوم رغم “تنقيحات” العام 2003.
بعد أحداث أيلول/سبتمبر عام 2001، كُتب الكثير في الصحافة العربية والغربية عن ضغوط مارستها الإدارة الأميركية للدفع باتجاه تغيير المناهج التربوية، التي قيل يومها إنها تقف وراء العنف الذي يُمارس باسم الدين. صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية كتبت في 3 شباط/فبراير 2003 عن ذلك.
نقلت الصحيفة تصريحاً لوزير التعليم السعودي محمد الرشيد آنذاك: “يقول الناس ان النظام التعليمي هو السبب في المواقف العنيفة ضد البلدان والاديان الاخرى، ولكن هذا ليس صحيحاً. ولو كان صحيحاً فإن كل السعوديين الذين تلقوا تعليمهم تحت هذه المناهج كانوا سيشاركون في هذه الاعمال”. إلا أنها أوردت ما يرد على كلام الرشيد، فكتبت: “قامت السلطات السعودية بمراجعة كل الكتب الدراسية بحثا عن أية مظاهر للتطرف ووجدت ان 5 في المائة من المواد المقررة يجب حذفها”، إلا أن تنقيح المناهج التربوية لم يكن جدياً، لأن “الفريق الذي وضع منهج التعليم الديني في المدارس الحكومية هو نفسه من قام بالمراجعة.. مبقياً على المضمون ذاته”، وفق ما يذكر سعد الشريف في دراسة نشرتها مجلة “الحجاز”.
صورة تشكيل العقل التكفيري في السعودية تظهر من خلال البحث في مقرر التوحيد المعتمد في مناهجها، وتتضح أكثر ما إن عُرف أن المقرر نفسه، المستند إلى كتاب “التوحيد” لمحمد بن عبدالوهاب، يُدرس في المدارس التي أقامها تنظيم داعش في مدن كحلب والرقة.
ويعلق الباحث التاريخي السعودي عبدالله الشمري: “تنتشر داعش في المناطق التي تسيطر عليها العقيدة السلفية وكتب ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب ومشايخ الدعوة النجدية الوهابية وتدرسها.”
تؤكد وثيقة “سيـاسة التعليم بالمملكة العربية السعودية” أن “السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية تنبثق من الإسلام الذي تدين به الأمة عقيدة وعبادة وخلقا وشريعة وحكما ونظاما متكاملا للحياة ، وهي جزء أساسي من السياسة العامة للدولة”، والإسلام هنا يُقصد به الوهابية حصراً.
وفيما تؤكد الوثيقة الرسمية أن “العلوم الدينية أساسية في جميع سنوات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي بفروعه، والثقافة الإسلامية مادة أساسية في جميع سنوات التعليم العالي”.
وتؤكد على ضرورة “توجيه العلوم والمعارف بمختلف أنواعها وموادها منهجاً وتأليفا وتدريسا وجهة إسلامية في معالجة قضاياها والحكم على نظرياتها وطرق استثمارها، حتى تكون منبثقة من الإسلام، متناسقة مع التفكير الإسلامي السديد”، والذي يُقصد به فكر محمد بن عبدالوهاب الذي يكفر مختلف الفرق الإسلامية الأخرى، ويخرجهم من دائرة الاسلام. وهو المقصود بعبارة “تنمية روح الولاء… بالبراءة من كل نظام أو مبدأ يخالف هذه الشريعة”.
وتشدد الوثيقة السعودية على أن “الجهاد في سبيل اللّه فريضة محكمة، وسنة متبعة، وضرورة قائمة، وهو ماض إلى يوم القيامة”، مضيفة أن من أهدافها ” إيقاظ روح الجهاد الإسلامي لمقاومة أعدائنا… والقيام بواجب رسالة الإسلام”.
فكيف ترسم المناهج التربوية في المملكة صورة العدو؟ وكيف تحدد هذه المناهج مسار “مجاهدته” الذي يأخذه إلى ساحات قتل المسلمين تحت عنوان الشرك والتكفير، ويبرر له غيابه عن ساحات مجاهدة الإحتلال والاستكبار بدواعي “طاعة ولي الأمر؟
أسئلة يجيب عليها الجزء الثاني من التقرير /|\
المناهج #السعودية: جئناكم بالذبح (2)
“مناهجنا خرّجت إرهابيين فجروا أنفسهم” اعتراف أدلى به محمد العبدالله الفيصل بن عبدالعزيز في مقابلة مع قناة العربية عام 2008.
ورغم هذا الاعتراف الذي أراد فيه ركوب الموجة الأميركية الداعية إلى “إصلاح” المناهج التربوية في المملكة، قال الأمير السعودي، الذي عمل في وزارة المعارف السعودية حتى عام 1983: “ذات يوم ذهبت لوزير المعارف الشيخ حسن آل الشيخ، وقلت إن الكتب الدينية التي ندرسها هي كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا يجب تغيير مضمونها، ولكن يجب تغيير اللهجة “.
المضمون الذي خرج إرهابيين من المملكة لم يتغيّر، بالفعل كانت اللهجة وحدها ما تغيّر… ولذلك فإن المضمون الذي خرّج 15 انتحارياً من 19 سعودياً شاركوا في هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، هو نفسه من الذي خرّج مقاتلين وانتحاريين التحقوا بصفوف داعش والقاعدة وأخواتهما.
كيف رسمت المناهج التربوية في المملكة صورة العدو؟ وكيف حددت مسار “مجاهدته” الذي يأخذ إلى ساحات قتل المسلمين تحت عنوان الشرك والتكفير، ويبرر الغياب عن ساحات مقارعة الاحتلال والاستكبار بدواعي “طاعة ولي الأمر”؟
تطبع وزارة التربية والتعليم مقررات “التوحيد” على نفقتها، وتوزعها مجاناً، كما مختلف الكتب الدراسية. يستمد المقرر اسمه كما مضمونه من كتاب “التوحيد” الذي صاغه محمد بن عبدالوهاب، وينطلق من مسألة التوحيد، التي تفتح له الباب على مفاهيم كالشرك والتكفير، لتصل به إلى الولاء والبراء، وأخيراً طاعة الحاكم. ووفق المضامين المطروحة، يتبيّن أن التوحيد المحددة أطره ومواصفاته على مقاس الوهابية، يدفع إلى رمي مختلف الفرق الاسلامية المخالفة بالشرك والكفر تماماً كما أتباع الديانات السماوية. ليكون الولاء لهذا النوع من التوحيد واجب، والبراء المقرون بالكراهية لمختلف الفرق الإسلامية الأخرى وأهل الديانات متمم للإيمان.
في السنوات الدراسية الأولى من المرحلة الابتدائية، ينشأ الطفل السعودي على عبارات مشرك وكافر ومبتدع. في مقرر التوحيد الذي اعتمد عام (2005-2006)، يدرس الطفل (دون 7 سنوات) أن “غربة الإسلام” تتجلى “بمظاهر كثيرة منها: كثرة البدع والشركيات كالقباب والمشاهد والقبور… وتقديس الأشخاص والأحياء والموتى”، علماً أن التقديس المرفوض هنا سيُفرض في سنوات لاحقة على الطالب إلا أنه سيكون محصوراً بـ “ولي الأمر”.
وفي المقرر المعتمد لطلاب الصف الثالث ابتدائي (صفحة 22) تصف المناهج الدينية احتفال المسلمين بذكرى الإسراء والمعراج بأنه “بدعة”، بالقول: “كبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج، وعيد الأم”، منسجماً بذلك مع تحريم الوهابية للاحتفال بالمولد النبوي أيضاً.

هدم القبور… والشرك الأكبر
تُركز مقررات التوحيد على مسألة القبور، فتعتبر أن تشييد القباب على قبور الصالحين “بدعة” موجبة للشرك والكفر، وترى بأن عبادة الله على هذه القبور مخرج من الملة، وأن التقرب إلى الله بطلب الشفاعة من الصالحين الموتى من نواقض الدين. تشدد المناهج الدينية على ضرورة مواجهة هذه “البدع” و”الضلالات”.
ينقل كتاب الصف الثالث الابتدائي للعام الدراسي (2014-2015) صوراً لمسلمين يزورون أحد الأضرحة المقدسة، واضعاً إياه تحت خانة الشرك في الألوهية.
كما يذكر كتاب الصف السادس الابتدائي (2007-2008) أن “طلب الشفاعة من… أصحاب القبور بالتوجه إليهم بالدعاء وطلب الشفاعة باطل، وهو من الشرك بالله”.
وجاء في كتاب الصف الأول المتوسط ( 2007-2008)، صفحة 52، أن من بين “من لا تنفعهم كلمة لا اله الا الله: من عبد الله، ولم يعتقد أن عبادة القبور باطلة”، وفي تناقض صريح مع حديث نبوي يجمع عليه المسلمون: فمن قال لا إله إلا الله عصم مني دمه وماله إلا بحقه وحسابه على الله”. وعبادة القبور وفق ما يتضح يُفهم منها تقديس أهل هذه القبور وزيارتهم، وهذا يتضح فيما ذُكر بكتاب الصف الثاني المتوسط (2007-2008)، صفحة 28، أن “عبادة الله عند قبر رجل صالح وسيلة الى الشرك الأكبر”، الذي يخرج من ملة الإسلام، ويبيح الدم والمال بحسب المقرر المخصص للصف الثالث ثانوي، صفحة 16.
ويأتي كتاب الثالث ثانوي، صفحة 127، ليؤكد أنّ “ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً الى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم”.
هكذا صارت التربية وفق منهج توحيد محمد ابن عبدالوهاب، تربية مهمومة بالحرب على معتقدات الغير، لا بتنقية النفس، تبحث في اعتقادات الآخر عما تعتبره بدعاً وضلالاً وترى اكتمال إيمانها يتحقق بملاحقة ما تعتبره أخطاء إيمان الآخرين، مستبسلة في حربها ضد هؤلاء، تتقن رسم مواصفات البدعة بإبداع يُظهره التلاعب بالكلام، تدمر ولا تعمر، تتخلص من الآخرين تكفيرا عن ذنوبها ولا تخلص نفسها من مآزقها من أجل الآخرين.
نصوص التوحش هذه التي تربى عليها أجيال من السعوديين، تفسر إحراق وتدمير الأضرحة المقدسة، من الجماعات التي تتبنى العقائد نفسها والتي التحق بها آلاف السعوديين الذين هيأتهم المدارس السعودية للالتحاق بهذه الجماعات. في الموصل عمدت هذه الجماعات إلى تدمير ضريح النبي يونس(ع) وغيره من المراقد. في ليبيا دمرت الجماعات نفسها بصيف العام 2013 ضريحاً صوفياً يعود لـ سيدي محمد الاندلسي والذي يعود إلى القرن الخامس عشر، وفي العام نفسه دمرت الجماعات التكفيرية في سوريا كنيسة معلولا والمعهد الآرامي وسرقوا محتوياتهما. عام 2013 أيضاً تم تخريب ضريح الصحابي صُعصعة بن صُوحان في البحرين. وفي عامنا هذا أقدمت القوات السعودية على استهداف المساجد التاريخية في صنعاء ومنها ضريح الإمام الهادي إلى الحق التاريخي، بعد تدمير ضريح الشهيد حسين الحوثي في إطار حربها ضد اليمن.
في ما كتبه حول المناهج الدينية بالسعودية، يقول الباحث السوداني بابكر فيصل بابكر : “وهذا يعني أنّ مئات الملايين من المسلمين في العالم… علمائهم هم من الجهلة والمضلين، وأنّه لا تحل زيارتهم ومجالستهم وهو ما يكرّس لنهج التعالي والعزلة الذي يؤدي في نهاية المطاف لاستخدام العنف ضدّهم”.
ويتوقف بابكر عند قصة قتل خالد القسري للجعد بن درهم الذي يرد في المقررات السعودية، وفق بحثه: “قام بنحره في المسجد يوم عيد الأضحية، وذلك بعد أن خطب في الناس وقال في خطبته تلك: أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم…ثم نزل فذبحه في أصل المنبر”. يستدرك بابكر بالقول: وهو الأمر الذي رأينا صداه في مشاهد الذبح المرّوعة التي قام بها تنظيم القاعدة وأبومصعب الزرقاوي في العراق. ثم يتساءل: “فهل يصلح أن يدرّس التلاميذ تصفية الخصوم بالقتل والذبح؟”
لم تعد قصة خالد القسري مجرد قصة تاريخية، أحالتها المناهج الدينية في السعودية إلى نموذج استرشادي، يقاس عليه ويهتدى به ويتربى عليه، وقد تجسد هذا النموذج في جرائم الذبح التي نُفذت في العراق وسوريا ونيجيريا. وتكرست تحت شعار: “جئناكم بالذبح”.

أسئلة يجيب عليها الجزء الثالث من التقرير /|\
المناهج #السعودية والتكفير: التطابق مع #داعش (3)
في مقابلتها الأخيرة على قناة الجزيرة الانكليزية سألت الصحفية الإيطالية من أصول فلسطينية، رولا جبريل، الجنرال السعودي أنور عشقي: “لماذا داعش في الرقة تدرس المناهج السعودية؟”. لم تنتظر جبريل الرد مبادرة للإجابة: “لأنكم تتطابقون مع داعش أكثر من أي جماعات أخرى في المنطقة”.
المناهج نفسها كان هاجمها مدير معهد شؤون الخليج بواشنطن،علي أحمد، في إحدى المقابلات التلفزيونية. وصفها أحمد بأنّها “مليئة بالألفاظ الصريحة التي تكفّر غالبية المسلمين وأيضاً وتعادي وتحارب الآخر… هي مناهج تعبوية تكفيرية طائفية تصور للطالب أننا نعيش في حالة حرب مع المسلم الآخر ومع المواطن الآخر”… مع المسلم “من غير مَن الذي يتبع الوهابية كتفسير للإسلام ومع المختلف المسيحي واليهودي وغيره”.
تحت عنوان “الشرك الأكبر” تُخرج المناهج السعودية فرقاً إسلامية بكاملها من دائرة الاسلام كالصوفية والإمامية والاسماعيلية والمعتزلة، ويجري ذكر ذلك بشكل صريح في المناهج. هنا يذكر كتاب التوحيد للصف الثالث ثانوي، للعام الدراسي (2006-2007) أن “ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً لأصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة…”، أو كالمذاهب الباطنية والفلاسفة، بحسب مقرر الصف الثالث ثانوي (2013-2014)، صفحة 33. ويطال التكفير أيضاً أتباع الديانات السماوية.
يشتغل مصطلح (الكفر الصراح) في خطاب المناهج السعودية، كحكم فقهي يربي في نفوس الطلبة الشعور بالمسؤولية تجاه معتقدات الآخرين، وهو شعور يحملهم واجب (البراء) الذي يوجب عليهم القيام بعمل يستبدل الكفر الصراح بالإيمان الصراح، وهذا يفضي إلى إباحة التدمير والقتل، اذ لا يمكن أن يتعايش الكفر والإيمان.
بكلمة آخرى، (الكفر الصراح) هو تحريض على القتل يتربى عليه الطفل في السعودية منذ نعومة أظافره حتى لحظة تمكن هذه الأظافر من الضغط على زر التفجير المدمر.
“الإنسان إما أن يكون كافراً أصلياً كاليهود والنصارى والوثنيين… فتكفير هؤلاء واجب بل إن من لم يكفرهم أو شك في كفرهم فهو كافر”، هكذا يكفر مقرر “التوحيد” للصف الثالث ثانوي (العام الدراسي 2013-2014) صفحة 30، كل المذاهب والأديان من غير ملة الإسلام، بعد اعتبار مختلف الفرق الإسلامية من غير الوهابية مرتبكة لشرك أكبر يقتضي التكفير وهدر الدم.
تقول مديرة مركز الحريات الدينية في مؤسسة فريدوم هاوس نينا شي: “إننا قلقون لأن مناهجهم تدعو لعدم التسامح مع الأديان والثقافات الأخرى بما في ذلك المذاهب والتفسيرات الإسلامية المغايرة”… مازالت هذه المناهج “مليئة بأفكار الكراهية ضد المسيحيين واليهود والمسلمين الآخرين بدءاً من مناهج السنة الابتدائية الأولى وصعوداً إلى السنة الثانية عشرة بلغة أكثر عنفاً”.
وفي مقال بعنوان “المدارس الممولة من السعودية تدرس الكراهية الدينية”، كتب كارولين ديفيز وغرايم باتون مقالاً في 6 شباط/فبراير 2007 مقالاً في صحيفة “دايلي تلغراف” عن المدراس الموجودة في المملكة المتحدة. ونقلا عن “أستاذ اللغة الانجليزية في أكاديمية الملك فهد في منطقة أكتون، غرب لندن، كولين كوك، 62 عاماً، أن الكتب المدرسية التي يتم استخدامها من قبل الاطفال في الأكاديمية تصف اليهود بأنهم قردة (ممسوخون) والنصارى أي المسيحيون بأنهم (خنازير)… ويُسأل الطلبة، حسب إفادته، بـ (ذكر بعض خصائص مسخ اليهود)”.

وبحسب المقال نفسه فقد “سلّطت مجموعة فريدوم هاوس الحقوقية الاميركية على بعض الكتب المدرسية… في تقريرها الصادر العام 2006 والتي وصفت (مناهج الكراهية السعودية) ونقلت عن أحد الكتب التي توجّه الطلبة لاعلان الجهاد ضد الكفار من أجل نشر العقيدة”.

تفسر هذه النصوص كيف يمكن لـ 19 سعودياً أن يشارك في هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي استهدفت مدنيين، والعديد من الجرائم التي ارتكبت في بلدان العالم الاسلامي من قبل التكفيريين ضد أقليات غير مسلمة تماماً كتلك التي جزرت بالمسلمين.

تحت عنوان الولاء والبراء أيضاً، يحدد مقرر التوحيد المخصص للصف الثالث ثانوي لعام (2013-2014)، في صفحة 107 أن جواز موالاة “الكفار” لا يكون إلا في حالات الخوف والاضطرار والضعف والإكراه، مع الإبقاء على العداوة لهم وإخفائها.

وفيما تشدد هذه النقاط على فكرة وجوب الإبقاء على العداء للكفار (المسلمين المحكوم بكفرهم، والنصارى واليهود الذين يُعدون من أهل الكتاب)، فإنها تجيز لولي الأمر، أي الحاكم أو الملك، أن يتعاطى معهم ويعقد الاتفاقات تحت عنوان المصلحة، وذلك لإيجاد مخرج لأزمة لطالما واجهها ملوك السعودية في تبرير علاقاتهم مع الأنظمة الغربية.

فيذكرالمقرر نفسه صفحة 108: “الظن بأن الدخول في معاهدات مع الكفار من أنواع الولاء المحرم ومن الركون إلى الذين ظلموا الموجب للخروج من الإسلام، وهذا الكلام ليس على إطلاقه فقد يرى ولي أمر المسلمين في معاهدة الكفار في بعض الأحوال والأزمنة ما يحقق مصلحة المسلمين أو يدرأ عنهم شراً، وقد تكون هذه المعاهدة مشتملة على نوع من التنازل والغضاضة على المسلمين لكن فيها مراعاة لمصلحة أعظم او دفع لمفسدة أكبر”.
بهذا الرأي واجه حكام السعودية الانتقادات التي وُجهت لهم في السماح للقوات الفرنسية بقصف الحرم المكي والتصدي لحركة جهيمان العتيبي (1979). كما استندت إلى الرأي نفسه عندما خرج تيار الصحوة في المملكة تحالف السعودية مع الولايات المتحدة الأميركية في حرب الخليج الثانية عام 1991، أو انتقاد الدور الذي لعبته السعودية في الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

طاعة ولي الأمر

وفيما تطلق المناهج السعودية العنان أمام تكفير المسلم وغير المسلم، فإنها تبقي على ما من شأنه ضبط التكفير ويمكنها من التحكم به، والسر هنا يكمن في عنوان “طاعة ولي الأمر” الذي تجب “مبايعته والاجتماع عليه”.

يأتي في “التوحيد” للصف الثالث ثانوي (2013-2014)، صفحة 99، أن طاعة ولي الأمر (الحاكم) هي “من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها”، ولذلك يأتي التشديد على “تحريم الخروج على ولي الأمر، وتحريم منازعته حتى ولو كان عنده جور وظلم ومعصية”… “لما يسببه الخروج من فتن وفساد وشرور وإختلال للأمن وإراقة الدماء”، تقديس “ولي الأمر” ولو كان ظالماً تقره المناهج السعودية في وقت تكفر فيه المسلمين الذين يقدسون الأولياء الصالحين سواء من الأحياء أو الموتى.

في سنوات دراسته الأولى، يجري تعليم الطفل السعودي على مصطلحات: البدع والشرك والتوحيد، في سنواته الأخيرة يتمكن الطالب السعودي من تحديد هذه المصطلحات وتطبيقها واقعياً ليكفر الكل، راسماً بذلك صورة غير مكتملة للعدو بانتظار رأي ولي الأمر…

هكذا تُرسم صورة العدو في المناهج الدينية في السعودية، وهكذا يُبرأ الاستكبار والاحتلال وتُخلى ساحات مواجهته ومجاهدته تحت عنوان “طاعة ولي الأمر”.