لماذا هدد احد خطباء “داعش” فجأة دول الخليج..
وتوعد اردوغان بحمام دماء؟ وما هي فرص نجاحه في اقامة عشر ولايات خليجية؟ واين.. وكيف؟ ولماذا لا نستبعد ان يكون العام الجديد عامها وليس عام ترامب فقط؟
عبد الباري عطوان
اصبح تنظيم “الدولة الاسلامية” هو الاقوى بين نظرائه، والمستفيد الاكبر من استعادة الجيش السوري بدعم روسي ايراني مدينة حلب بالكامل، ليس لانه لم يهزم فيها، فوجوده كان محدودا في المدينة، وانما لان خصومه، مثل جبهة النصرة وفصائل تابعة للجيش السوري الحر خرجت مهزومة منها، ولان هذه الهزيمة وفرت له ذخيرة دعائية “فتاكة” ضد امريكا وتركيا والدول الخليجية الداعمة للمعارضة السورية المسلحة التي اعتبرت حلب خطا احمر، واتهامها بعدم التدخل لحماية حلفائهم المحاصرين، مما سيسهل عمليات تجنبده لمقاتلين جدد، وتوسيع قاعدة انصاره.
العام المقبل، اي 2017، قد يكون عام “الدولة الاسلامية” بالدرجة الاولى، ايا كانت نتائجه، ايجابيا او سلبيا عليها، لانها ستحتل العناوين الرئيسية، فنجاح الهجمات التي تستهدفها واجتثاثها في الموصل والرقة والباب سيكون الحدث الابرز، اما فشل هذه الهجمات، او تعثرها سيجعل منها قوة اقليمية من الصعب هزيمتها، ويبدو انها، وفق معظم المؤشرات ستظل معنا على الارجح في المشهد الشرق اوسطي” ولن تختف بسهولة، احب البعض ذلك ام كره البعض الآخر.
علينا ان نعترف بأن خمسة اشهر من الهجوم الذي يشارك فيه اكثر من 150 الف جندي عراقي بدعم من قوات البشمرغة الكردية، والحشد الشعبي، وغطاء جوي وحوالي خمسة آلاف مستشار امريكي، لم تنجح في تحقيق الهدف منه، وهو استعادة مدينة الموصل والقضاء على “الدولة الاسلامية” قضاء مبرما في آخر معاقلها العراقية قبل نهاية هذا العام، فتقدم هذا التحالف تعثر بسبب المقاومة الشديدة، وتعاظم الخسائر البشرية في صفوف المهاجمين.
***
والاكثر من ذلك ان تنظيم “الدولة الاسلامية” استغل انشغال القوات السورية والروسية في استعادة مدينة حلب، لشن هجوم مضاد مفاجيء على مدينة تدمر، ونجح في اعادة السيطرة عليها مرة ثانية، وافشل حتى الآن تقدما للجيش التركي وحلفائه في المعارضة السورية في مدينة الباب الاستراتيجية، وكبد القوات التركية خسائر بشرية كبيرة.
ولعل الهجمات الارهابية اللافتة التي شنها التنظيم على جبهات متعددة في اوروبا والاردن مؤخرا كانت احد ابرز فصول العالم الحالي الدموية، فقد شنت احدى خلاياه هجوما على مدينة الكرك جنوب الاردن، وانخرطت في معركة مع رجال الامن لاكثر من اربعة ايام اسفرت عن مقتل عشرة اشخاص، بينهم سبعة من رجال الامن، كما هاجم شاب تونسي سوقا في برلين بشاحنة ادى الى مقتل 12 شخصا واصابة العشرات، واعلنت “الدولة الاسلامية” مسؤوليتها عن العملية.
اذا صحت التهديدات التي اطلقها احد خطباء الجمعة في احد مساجد غرب الموصل التابعة لـ”الدولة الاسلامية”، بأن التنظيم يخطط لتأسيس عشرة ولايات في منطقة الخليج العربي، متوعدا المنطقة وحكامها بالتمدد فيها، فان هذا امر في قمة الخطورة، ويعني انه بات يضع المنطقة في رادار هجماته للاشهر المقبلة.
التنظيم ايضا، وعلى لسان الخطيب نفسه، توعد حاكم اسطنبول، اي رجب طيب اردوغان، بمزيد من الدماء ليس في مدينة الباب نفسها، التي قال انها ستكون جحيما للقوات التركية المهاجمة، وانما ايضا في العمق التركي، مما قد يعني المزيد من التفجيرات الانتحارية في المدن والمصائف التركية الكبرى.
خطورة تنظيم “الدولة الاسلامية” تتمثل في انه اذا هدد فعل، ولعل اقدامه على حرق جنديين تركيين في قفص، وبثه على الملأ مصورا على طريقة اعدام الطيار الاردني معاذ الكساسبة، وبعد ان اعتقدنا ضعف آلته الدعائية الاعلامية، وربما انتهائها، اراد ان يوجه رسالة دموية الى الرئيس التركي الذي اعلن الحرب عليه في وقت يواجه فيه الرئيس اردوغان صعوبات امنية، وحالة من عدم الاستقرار والانهيار الاقتصادي المتسارع.
لهجة التهديد التي وجهها خطيب الجمعة لدول الخليج يجب ان تبعث على القلق، لسبب بسيط وهو ان التنظيم بات يتواجد بقوة في فنائها الخارجي، واليمني على وجه الخصوص، ونجاح هجومه الانتحاري قبل اسبوع في مدينة عدن على قاعدة عسكرية ادى الى مقتل 50 شخصا يوكد جديته، ويحتم اخذه في الحسبان، لانه من غير المستبعد نجاحه في العامين الماضيين في زرع خلايا نائمة يمكن ان يفعلها في اي لحظة يشاء.
لا نعرف اين ستكون الولايات الخليجية العشر، وكيف ستقوم، ولكن ما نعرفه ان الولايات الاخرى المماثلة مثل سرت، وسيناء، وخراسان، والموصل، والرقة، تأسست بالهجمات العسكرية المباغته، وزرع الخلايا “الجهادية” “النائمة” و”الصاحية”، فهل سيتبع التنظيم الارهابي النهج نفسه؟
***
القاعدة العسكرية والسياسية التي يتجاهلها الكثيرون الذين ينخرطون في الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية” هي نفسها المتبعة حاليا في حرب اليمن، مع بعض الفوارق، وتتلخص في انه كلما طال امد هذا الهجوم على التنظيم لاجتثاثه من حواضنه المدنية والاسمنتية، كلما ازدادت صعوبة هذه المهمة، وازدادت ثقته، اي التنظيم في البقاء، لانه يبدأ في التكيف مع الهجوم، وامتصاص “الصدمة”، واكتساب المزيد من الثقة في القدرة على الصمود، والاستفادة من الخلافات في صفوف اعدائه الذين ينقسمون الى معسكرين، واحد بزعامة امريكا، والثاني روسيا، وعدة معسكرات اقليمية تتوزع بين تركيا وايران والاكراد والعرب بشقيهم السني والشيعي، وما حدث في حلب هو احد الادلة في هذا المضمار.
ربما يعتقد الكثيرون، ان العام المقبل هو عام الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب، وربما يكون الحال كذلك، لكننا لا نستبعد ان يكون العام الجديد هو عام “الدولة الاسلامية”، او “داعش” مثلما يفضل البعض تسميتها.. والايام بيننا.