الشحن الطائفي
د. شملان يوسف العيسى
الأحداث الدموية في مدينة حلب السورية، وما أفرزته من حالات قتل وتشويه وملاحقة مئات الآلاف من السكان الأبرياء المسالمين وإجبارهم على النزوح والهجرة من ديارهم.. خلّفت موجة قوية من الاحتجاج وعدم الرضا على ما يحدث في سوريا. وقد عبّر الكثير من المواطنين في الكويت عن سخطهم وعدم رضاهم، وذلك بالتظاهر أمام السفارة الروسية في الكويت خلال الأسبوع الماضي.
الأمر المحزن والخطير ما يحدث من حملات مسعورة يقودها بعض مشايخ الدين في الخليج، بإلقاء خطب دينية مؤدلجة ضد فئة من المواطنين الشيعة في الخليج. حركات الإسلام السياسي، من «إخوان مسلمين» أو حركة سلفية.. استغلوا المشاعر الحزينة عند الأغلبية السنية حيال أحداث حلب القاسية، وبدأوا بتكثيف حملة قوية ضد الأقلية الشيعية، وذلك عبر الرمي باتهامات جزافية بالعمالة لإيران المجوسية، وغير ذلك من العبارات الجارحة ضد أخوتهم في الوطن والعروبة.
والخطورة الكامنة في مثل هذا الموضوع، تنبع من استعمال وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، مثل موقع التغريدات القصيرة «تويتر)»، وفيس بوك» و«واتس آب».. وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، لنشر رسائل الفتنة والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، بتحريض من بعض مشايخ الدين الذين تنتشر خطبهم وفتاواهم حالياً على هذه الوسائل التواصلية.
والخطير في الأمر أن هذه الوسائل سريعة الانتشار بين الشباب في بلداننا، مما قد يمهد الطريق لخلق فتنة طائفية في المجتمع الواحد.
والسؤال الآن هو: لماذا ازدادت وتيرة الشحن الطائفي الآن في أحداث حلب في سوريا والموصل في العراق؟ وكيف يمكن لدول الخليج العربية حماية نفسها من آفة الحروب الطائفية التي انتشرت في هذين البلدين (العراق وسوريا)، إلى جانب لبنان وربما بلدان عربية أخرى بدرجة أقل حدة.
ليس من السهل التصدي لقضية الفتنة الطائفية بدون خلق وعي مجتمعي قوي يتصدى لمثل هذه الأطروحات التي تثيرها جماعات الإسلام السياسي المتطرفة؛ سنية وشيعية.
هذه الأحزاب المؤدلجة لا تؤمن بالوطن أو الوطنية، بل همها الرئيس تحقيق الوحدة الإسلامية تحت لواء دولة الخلافة بالنسبة للحركات السنية، أما بالنسبة لنظيرتها الشيعية فهي تريد تحقيق دولة ولاية الفقيه الشيعية.
إن النزاعات الطائفية ومَن يروج لها، تدل دلالة قاطعة على ضعف اللحمة الوطنية لحساب العصبية الدينية أو الطائفية. وهذا بدوره يؤدي إلى إضعاف الدولة وربما إسقاطها تدريجياً بواسطة خلق الانقسامات والولاءات الجانبية.
الدولة الوطنية التي نؤمن بها هي الدولة المدنية التي تساوي بين جميع مواطنيها وتعاملهم معاملة متساوية أمام القانون.
يخطئ من يظن بأن التعددية الدينية في أي مجتمع هي عنصر إضعاف للدولة الوطنية. الدول الغربية والهند، رغم تعدد الطوائف والمذاهب والديانات والقوميات.. نجحت بامتياز لأن الدولة مدنية علمانية يؤمن قادتها بأن الوطن للجميع والدين لله، ومعنى ذلك أنه يجوز لأي إنسان أن يمارس عقيدته بحرية شريطة أن لا يعتدي على عقائد الآخرين. وهذا واحد من المبادئ الأصيلة للدين الإسلامي الذي يؤمن بحرية العقيدة مهما تعددت العبادات.