هل خسرت أمريكا حرب الخليج الأولى؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 15617
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ناشونال انتريست – التقرير
كاتب المقال: دانيل إل ديفيس، وهو عقيد متقاعد في الجيش الأمريكي والذي خدم بجولات في أفغانستان
في الأيام العنيفة التي تلت الانتصار المذهل لأمريكا على فرق مدرعة الحرس الجمهوري الخاصة بـ”صدام حسين”، في عملية “عاصفة الصحراء”، احتفل الخبراء العسكريون في واشنطن بحقيقة أن الجيش الأمريكي كان يتفوق على كل قوى عسكرية في العالم، حتى الخبراء في روسيا والصين اعترفوا بهذا الادعاء، وأوضح الرئيس جورج دبليو بوش أن “شبح فيتنام” كسر بفعل الفوز العسكري في الكويت، ولكن بعد خمسة وعشرين عامًا يبدو أن مَن هزم كان التحليل الموضوعي، فالفوز العسكري الذي لا لبس فيه ربما تسبب في هزيمة استراتيجية خطيرة للولايات المتحدة الأمريكية .
في هذا التاريخ في 1990، كنتُ ملازم ثاني في فوج الفرسان المدرع الثاني الأمريكي في المدينة الساحلية السعودية “الجبيل”، وتم تجهيز الفوج للحملة البرية المقبلة ضد القوات العراقية لغزو الكويت في أغسطس من نفس العام، وتم تعيين الكتيبة لتكون في مقدمة سلاح المدرعات الأمريكية، وأمرت بقيادة وتوجيه مدرعه قائد المسرح العام جنرال “نورمانشوارزكوف”، في مواجهة أقوى فرقة قتالية لصدام حسين والحرس الجمهوري في شمال الكويت، وكنتُ حينها ضابط بالجيش من ما يقرب العام.
وفي بداية يناير 1991، غادرت القوات الأمريكية المنطقة الودية في “الجبيل” إلى الصحراء القريبة بالحدود مع الكويت، وبدأنا سلسة من المناورات واسعه النطاق بما في ذلك من آلاف القوات ومئات من الدبابات من النوع “إبرامز”، وعربات قتال “برادلي”، وعربات مقاتلة أخرى التي انتشرت على مدى عشرات الأميال المربعة، وقبل رحيل فوج الفرسان المدرع الثاني قاعدتها في أمريكا، علمنا أن مجلس الأمن أصدر القرار 678 والذي وجه إنذار لصدام.
وطالب مجلس الأمن بانسحاب العراق من الكويت بحلول يوم 15 يناير 1991، أو ستقوم الدول الحليفة للعراق باستخدام الوسائل الضرورية لدعم وتنفيذ القرار، والذي يطالب بأن تسحب العراق كل قواتها فورًا بدون أي شروط، وفي 12 يناير أعطى الكونجرس السلطة للرئيس بوش لشن الحرب ضد العراق إذا لم تنسحب في الموعد المحدد، وفي هذه الأثناء وعلى بُعد ستة آلاف ميل من الكابيتول، انفجر محرك المدرعة الخاصة بي، وكان لابد من استبداله.
بمعرفة أن الموعد المحدد من قبل الكونجرس ومجلس الأمن قد مضى، كان يجب عليَّ سحب مدرعتي لعدة كيلو مترات في 16 يناير، وأنهى فريق الصيانة استبدال المحرك في الساعة 2:30 فجرًا، وبدأت في العودة إلى مركز القيادة، ولكن في حوالي الثالثة اكتشفت أن الطاقم فشل في استبدال المحرك بشكل صحيح، وتوقفت في منتصف الطريق وتواصلت مع طاقم الصيانة لسحبي مرة أخرى.
وأثناء انتظاري، جلست أعلى مدرعتي مع النظارة الليلية في انتظار الطاقم الذي كان سيصل في الظلام، وأثناء ذلك سمعت صوت لا يتوقف لطائرة نفاثة، وبعد لحظات لاحظت آثار إطلاق نار يأتي من الأفق الشمالي ويتبعه ومضات لامعة بدأت معها الحرب الجوية.
وفي اليوم التالي، انضممت لوحدتي “قوات النسر، السرب الثاني” في فوج الفرسان المدرع بعد أن تم إصلاح المدرعة، وفي ذلك الوقت لم نكن نعلم إلى أي وقت سيستمر القصف الجوي قبل إعطاء الأوامر للقوات على الأرض، ولكننا ظننا أن الأمر لن يستغرق سوى أيام قليلة، وصدر الأمر للفوج للانتقال إلى موقع متقارب مع الحدود السعودية الكويتية في انتظار أمر الهجوم، ولم تكن القوات حينها في حالة خوف أو عصبية أو يأملون أن يستسلم صدام، ولكنهم كانوا حريصين على عبور خط الانطلاق.
ولكن مرت الأيام وتبعتها أسابيع ولم تصدر أي أوامر للهجوم، وتحول هذا الحرص إلى إزعاج، في منتصف فبراير 1991 قيل لنا إن وقت الهجوم اقترب، ثم في 21 فبراير تلقينا عبر المذياع أن “ميخائيل غورباتشوف”، رئيس الوزراء للاتحاد السوفيتي، قام بعمل مبادرة دبلوماسية مع صدام حسين، توصلت إلى أنه بالتشاور مع بوش يمكن أن تسحب العراق قواتها من الكويت.
وانتظرنا في بؤس نتيجة هذه المفاوضات، في خوف من قبول العراق هذا العرض، وكان تفكيرنا أنه من السيء بعد أن سافرنا نصف العالم وتدربنا لشهرين في الصحراء السعودية، واستعددنا على الحدود العراقية للهجوم، يمكن أن يقال لنا أن نتنحى، وقام صدام حسين بنفسه بإلغاء هذه المخاوف.
وكان “بوش” على استعداد لإعطاء فرصة لهذه المفاوضات، ولكنه وضع موعد نهائي صارم بأنه إذا لم يتم التوصل لاتفاق بحلول 23 فبراير سيأمر بالهجوم، ولم يكن صدام على استعداد للاستسلام لشروط “غورباتشوف”، وتوقع أنه بإلحاق الجيش الأمريكي خسائر كبيرة يمكنه الحفاظ على الكويت، وفي اليوم التالي اكتشف خطأ هذا التصور.
في 24 فبراير، أجرى القائد “اتش أر ماكماستر” اتصالًا لقواعد الحرب الخاصة بـ”قوات النسر”، قائلاً إن اللحظة التي انتظروها قد حانت، وقد تم إصدار أوامر بالهجوم.
وأثبت الاختراق المبدئي لدفاع الحدود انحدارها؛ حيث كشفت الجرافات التي كانت تعمل لإسقاط الستائر الترابية أنه لا يوجد أي قوات دفاعية على الجانب الآخر، وأمضينا باقي اليوم ثم الليلة التي تليها في المسيرات لنصل إلى الجزء الشمالي من الكويت، وكان هناك بعض المناوشات التي لا تُذكر مع الدوريات العراقية، ولكن يوم 26 فبراير أثبت أنه لحظة تحول للمعركة بأكملها.
وكانت الخطة أن يجد فوج الفرسان المدرع قوات الحرس الجمهوري، ويقوموا بمناوشات مبدئية معهم ثم تمرير المعركة الرئيسية للقوات الأقوى، وبسبب عاصفة الصحراء القوية التي قللت من رؤيتنا لحوالي 50 ياردة، لم نستطع استخدام القوات الجوية للتعرف على مكان وجود خط العدو الرئيسي، وأن يجب على “قوات النسر” اكتشاف ذلك بالطريقة القديمة عن طريق القيادة حتى نراهم.
في الرابعه عصرًا بتوقيت الكويت في 26 فبراير، وصلت “قوات النسر” إلى هضبة في الصحراء المفتوحة وكانت الرؤية مازالت محدودة بسبب العاصفة، ولكن عندما وصلت دبابة القائد إلى الجانب الآخر من الهضبة كان وجهًا لوجه مع ثمانية من دبابات العدو، وكان لديه أربعة دبابات أمريكية على يمينه وأربعة آخرين على يساره، ولكنهم كانوا على الجانب الآخر من الهضبة ولم يتمكنوا من تحديد القوات العراقية، وأستطيع تذكر سماع القائد عبر الراديو كما لو كان بالأمس؛ حيث قال إن دبابات العدو أمامنا مباشرة وكأنه يأمر أن تتقدم دبابة من يمينه والأخرى من يساره، وكان هو يطلق على ثلاث دبابات في آن واحد، وخلال أول عشر ثواني من المعركة كان هناك ثلاث دبابات للعدو تحترق في أرض المعركة، وجاءت باقي قوات النسر بعد ثواني لتحطيم الخمسة الآخرين، وتحولت المعركة لأكثر شراسة حيث تشابكت الدبابات والعربات الحربية مع جسر من الفريق “توكلنا” من القوات العراقية.
على الرغم من أن المعركة – والتي سميت فيما بعد بـ”شرق 73″ استنادًا إلى موقعها – استمرت حتى الواحدة صباحًا، إلا أن أكثر جزء شراسة من المعركة استمر حوالي ثلاثًا وعشرين دقيقة من الرعب، وتمركزنا مع طاقم إطلاق النار أمكننا من خلالها رؤية معركة الدبابات الدائرة، ودمر فريق الهاون الأمريكي والدبابات كل شيء في أرض المعركة؛ حيث دمروا ما يقرب من 50 عربة حربية، وما يقرب من 200 من قوات العدو، ولم تتكبد أمريكا خسائر كبيرة سواء من جرحى أو قتلى في المعركة، حيث أنه بأي مقياس فازت أمريكا فوزًا كبيرًا على الجيش العراقي في معركة عسكرية غير متكافئة، إذًا كيف بعد حوالي ربع قرن أدعي أن هذه الحرب مثلت خسارة لأمريكا؟
السبب في ذلك أننا تعلمنا درس خاطئ، وعدد من الصحفيين والقادة العسكريين الأمريكيين انهالوا بالثناء غير المستحق على القوات الأمريكية، وأتذكر حدثًا معينًا تم فيه منح قائد سرية الميدالية الفضية لكياسته في أرض المعركة، في الوقت الذي كانت تكتيكاته سيئة؛ حيث أنه بمثل هذه التكتيكات أمام عدو قوي كان يمكن أن يتسبب في خسائر كبيرة بين جنوده، وربما كانت ستفشل المهمة بدلاً من ذلك لم يصاب أحد وتمت الإشادة به كبطل.
وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية كانت مدربة على درجة عالية وإذا واجهت السوفيت كانت ستفوز، ولكن كان تكلفة ذلك ستكون عالية، ولكننا واجهنا عدوًا كان مجهزًا تجهيزًا لائقًا بالمعدات، ولكن بقيادة ضعيفة وتدريب ضعيف، بينما بسبب التدريب القوي للجنود الأمريكيين والجودة العالية للعربات الحربية والأسلحة، كان يمكن للقادة التكتيكيين استخدام أكثر تكتيك حماقة ويفوزوا رغم ذلك.
وتعد المشكلة أن القليل من الضباط والباحثين والصحفيين أدركوا ذلك، وكانت الرواية بعد الحرب أن أمريكا لديها أقوى وأعظم قوات عسكرية في العالم، ومازال الناس يعتقدون أن الثناء الذي حدث للولايات المتحدة في التسعينات صحيحة حتى اليوم، وأن الجيش الأمريكي إذا دخل في أي معركة يمكنه الانتصار بسهولة، وذلك لا يعد صحيحًا.
إذا كانت روسيا والصين أضعف من أمريكا في 1991، فإن الوضع الآن ليس كذلك؛ حيث أن الفجوة تم تقليلها بشكل كبير وفي بعض الأمور لم تعد هناك فروق، واليوم تستمر روسيا في تحسين المعدات الرئيسية للحروب، وأعادت تنظيم قواتها إلى نحو أكثر فعالية وتستمر في تدريب قواتها لقتال القوات الأمريكية بفعالية، ونفس الحال في الصين التي أمضت عقدين كاملين في تحديث جيشها، وفرض الإصلاح الكبير وتستمر في إجراء تدريبات صعبة ومحاكاة للمعارك، فهذه القوات أدركت أنها إذا أرادت أن تواجه أمريكا ستواجهها بحياتهم ويركزوا ويتدربوا وفقًا لذلك.
ويعتقد كبار القادة العسكريين وقادة الرأي أن أمريكا بالتأكيد ستهزم أي قوات تواجهها، والسؤال الوحيد هو مدى سرعة أو بطئ هذا النصر، وفكرة أننا قد نخسر معركة يتم إعطاؤها أهمية من قبل قلة نادرة، فهذه الغطرسة الخاطئة تؤدي إلى تدريب أقل فاعلية وتركيز غير كافٍ، والخلل بين ما يحدث من تدريب للقوات الأمريكية ونظرائها في الصين وروسيا؛ يمكنها أن تعطي نتائج كارثية لأمريكا في أرض المعركة مستقبلاً.
وكتب “دوغلاسماكجريجور”، الذي كان قائد عمليات في السرب الثاني خلال معركة “شرق 73″، في أحدث كتبه هامش النصر، أنه على الرغم من الفوز التكتيكي المحقق، ولكنه تذكير آخر بأنه بدون توجيه استراتيجي فعال، فإن معارك مثل شرق 73 يمكن كسبها على مستوى تكتيكي وخسارتها على مستوى استراتيجي، وإذا لم يتذكر أفراد العسكرية ما حدث ويتعلموا منه الدروس الصحيحة من عاصفة الصحراء، يمكن أن تخسر أمريكا معركة مستقبلية كان يمكن أن تفوز بها.