استراتيجية مشيخات الخليج لإنهاء الوجود الإيراني
أحمد الشرقاوي
ما أن بدأت تقارير المخابرات الغربية تتقاطر على عواصم مشيخات الخليج معلنة أنه بـ “سقوط حلب” سقط مشروع “إسقاط الأسد” و”تقسيم سورية”، حتى هرع كبار القوم لعقد اجتماع عاجل على هامش “المنتدى الإستراتيجي العربي” الذي عقد بدبي الأربعاء الماضي، لتدارس تداعيات انتصار سورية المدوي على أمن الخليج، من منطلق قناعة تقول، بأن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة انتقام محور المقاومة ممّن تآمروا على سورية ودعموا الإرهاب لقتل شعبها وتدميرها..
ولأنهم كالدواب لهم أدمغة لا يفكرون بها، وقلوب مظلمة لا يفقهون بها، وعيون قاصرة لا ينظرون بها لما هو أبعد من أرنبة أنوفهم، فقد كان لزاما عليهم أن يستدعوا خبيرا أمريكيا كبيرا في الإستراتيجيا ليساعدهم على تلمس الحل لمأزقهم ويقول لهم كيف يمكنهم الخروج من الورطة القاتلة التي سقطوا فيها حين اعتقدوا أنه بالمال يستطيعون تحقيق أوهامهم في سورية.
الضيف هذه المرة كان وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات الأمريكية الأسبق ‘ليون بانيتا’، لما يتمتع به الرجل من دراية عسكرية واسعة، وخبرة مخابراتية كبيرة، واطلاع واسع بقضايا الأمن في المنطقة والعالم، ومعرفة عميقة بسياسات الويلات المتحدة وآليات صناعة القرارات الإستراتيجية.
*** / ***
وبعد أن عرض المجتمعون في دبي نتائج اجتماع مجلس التعاون الخليجي بحضور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الذي عقد الأربعاء 7 من الجاري في المنامة، وقولها إن أمن الخليج من أمن بريطانيا، وأن إيران تشكل خطرا واضحا على منطقة الخليج ولا بد من التصدي له عن طريق بذل الجهود المشتركة، متعهدة بدعم بلادها لأنظمة الخليج المتداعية في حربها ضد إيران..
وبعد عرض تطورات الحرب في وعلى سورية ونتائجها الحاسمة، وصل الأعراب إلى خلاصة مفادها:
– أن مشيخات الخليج أنفقت أكثر من 200 مليار دولار على تدمير سورية ذهبت كلها أدراج الرياح، وأن أمريكا وحدها ضخت 700 ألف طن من السلاح، والحرب خلفت دمارا بقيمة تتجاوز 200 مليار دولار لإعادة البناء، ناهيك عن الخسائر البشرية التي لا تقدر بثمن، هذا في ما روسيا لم تكلفها الحرب سوى أقل من 5 مليون دولار في اليوم فحسمت الحرب لصالح سورية ومحورها ما دعم نفوذ إيران أكثر في المنطقة.
– أن استراتيجية توظيف الإرهاب لم تنجح في “إسقاط سورية” وهزيمة إيران ومحورها للحد من نفوذها برغم تجنيد أكثر من 360 ألف إرهابي استقدموا من مختلف أصقاع الأرض، بسبب الصراع التركي – السعودي على النفوذ الذي انعكس سلبا على وحدة الجماعات التكفيرية التي أصبحت تتقاتل في ما بينها بدل قتال الجيش العربي السوري وحلفائه.
– أن كل المحاولات لإشعال حرب دينية بين السنة والشيعة لم تفلح في تأليب الرأي العام السني ضد إيران الشيعية وحلفائها، بسبب عدم قناعة الشارع العربي والإسلامي بأن للحرب طبيعة دينية في دولة علمانية، كما لم تنجح الدعاية التي تقول أن الجيش السوري هو جيش “طائفي” يدافع عن الأسد “العلوي”، لأن الناس كانت تتساءل باستغراب، كيف يمكن لجيش يضم أكثر من 80 % من المكون “السني” أن ينحاز للدفاع عن نظام “نصيري” ضد الطائفة “السنية” المظلومة في سورية؟.
– أن كل المحاولات لإقامة تحالفات تحت مسميات عربية وإسلامية لم تقنع الحكومات العربية والإسلامية في مصر وباكستان وغيرهما بالانخراط فيها لتشكيكهم في أهدافها الحقيقية واعتبار ما تسعى إليه الأنظمة الخليجية هو مشروع فتنة لتخريب الإسلام وتفكيك الأمة عن آخرها.
– أن التحالف الدولي الستيني الذي أقامته واشنطن لمحاربة “داعش” لم ينجح في دعم هؤلاء المرتزقة لإسقاط سورية بعد العراق بسبب اهتمامهم في المقام الأول بالنهب والسلب وتجارة النفط والأعضاء البشرية مع تركيا، ما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بـ”جهاديين” حقيقيين، بل بمرتزقة وعصابات مافيوية تشتغل على طريقة المنظمات الإجرامية الدولية بدعم من الغرب الأطلسي.
– أن أمريكا لم تفلح في استصدار قرار دولي من مجلس الأمن يسمح لها بالتدخل عسكريا لحسم الحرب في سورية بسبب معارضة روسيا والصين، وأن الخلاف الخليجي – الخليجي أثر بشكل كبير على التضامن في مواجهة الأخطار المحدقة بمنطقة الخليج، وأصبح عائقا أمام مشروع إقامة اتحاد خليجي بسبب رفض مكوناته الخضوع لإملاءات “السعودية” وسياساتها العدوانية.
– أن التقارير الغربية عموما والبريطانية خصوصا تتحدث اليوم عن حتمية انتقام إيران وحزب الله من “السعودية” والإمارات في اليمن، وهي تقارير مدروسة بأهداف مشبوهة تسعى لصب مزيد من النار لتأجيج الخلاف العربي – الإيراني خوفا من جنوح العرب نحو السلام مع إيران التي تسعى إليه روسيا، وهو الأمر الذي عكسه العاهر سلمان في خطابه الأخير من خلال التركيز على قضية اليمن بشكل خاص دون الإشارة إلى سورية بكلمة واحدة، في إشارة ضمنية إلى أن الانتقام سيكون في اليمن.
وبالتالي، فالمطلوب اليوم وبإلحاح، وضع استراتيجية جديدة لمرحلة ما بعد انتصار حلب، لأن محور المقاومة سيقرر لا محالة الانتقام من مشيخات الخليج وعلى رأسها “السعودية” على ما حصل في سورية والعراق، وأن الانتقام لتصفية الحسابات المعلقة سيكون في الخاصرة الضعيفة للخليج، والخوف هو أن تنضم مصر إلى المشروع الإيراني، خصوصا بعد أن تبين أنها قامت بتوريد أسلحة وزوارق إيرانية إلى الحوثيين، والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح قام بزيارة سرية ليومين إلى القاهرة برغم الحضر الدولي على تحركاته، ما ينذر أن شيئا ما خطيرا يحضر في الأفق.
وفي ما له علاقة بمصر، وبغض النظر عن موقفنا من نظامها سلبا أم إيجابا، فالأمر بالنهاية شأن يهم الشعب المصري الذي من حقه وحده دون سواه أن يقرر مصيره ويختار من يحكمه، لكننا جميعا مدركون للخطر الذي يهدد مصر اليوم من “السعودية” وقطر وتركيا، بحيث يراد بعد سورية ضرب الاستقرار في المحروسة لتفتيت جيشها وتمزيق شعبها وتقسيم جغرافيتها من خلال الإرهاب المتنقل وافتعال فتنة إسلامية مسيحية بأداة إخوان إسرائيل وخدام الأطلسي..
وبالتالي، نعتقد أنه من حق مصر الدفاع عن نفسها لأنها مهددة في وجودها، وسقوط مصر هو سقوط للأمة، والدفاع عن النفس في الحالة المصرية لا يقتصر على مواجهة الإرهاب في الداخل، هذه حرب عبثية تشبه مطاردة الساحرات وقد تستمر لسنوات وربما عقود دون جدوى، بدليل أنها مستمرة منذ أربعينيات القرن الماضي ولا تزال، وأن حماية الأمن القومي المصري يفرض على مصر ضرب من يمول الإرهاب ويحرض عليه، وتجفيف منابع الإرهاب وحدها كفيلة بإنهاء هذا الشر، والنظام المصري يدرك هذه المعادلة بالعمق المطلوب، ولا نستغرب إن أقدمت القاهرة على دعم الشعب اليمني المجاهد كما تفعل إيران، لأنه الوحيد القادر في هذه المرحلة على إنهاء هذا الشر المسمى بالوهابية في شبه الجزيرة العربية لإنقاذ الأمة من خطر الزوال، وحرب الشعب اليمني البطل حرب مشروعة لأنها دفاع عن النفس في شرعة السماء، ولأنه لا يعقل أن يعتبر تجار الحروب كتيريزا ماي وأوباما وأولاند حرب “السعودية” على اليمن عدوانا مشروعا لتبرير بيع أدوات القتل والدمار ولا يكون دفاع الشعب اليمني على أرضه وعرضه ووطنه مشروعا.
*** / ***
والسؤال الذي طرحه المجتمعون على هامش “المنتدى الإستراتيجي العربي” بعد دراسة نتائج الحرب في وعلى سورية هو:
– إذا كانت الويلات المتحدة في عهد ترامب ستتجه نحو الانكفاء الداخلي، والتقارب مع روسيا، والتصالح مع سورية، ودفن عقيدة أوباما التي تقوم على نشر الفوضى لفكيك الدول وصناعة الأمم من خلال إدارة الحروب من الخلف.. فما العمل إذن؟..
وزير الشؤون الخارجية لمشيخة الإمارات المدعو أنور قراقش، وفق ما نقلته صحيفة “رأي اليوم” التي أوردت خبر الاجتماع، سأل الضيف الأمريكي عن الإستراتيجية الناجعة التي يمكن لمشيخات الخليج اعتمادها في مواجهة الخطر الإيراني الداهم (؟)..
بانيتا الذي كان قد أعدّ الجواب بشكل مسبق، قال بنبرة الواثق الحريص على أمن واستقرار منطقة الخليج: “الحل يكمن في تحالفكم مع إسرائيل”.. وأضاف: “إن هذا التحالف هو الذي سينهي الوجود الإيراني”.. (الله أكبر).
وعندما سألوه عن إمكانية انخراط روسيا مع إيران للانتقام من “السعودية” في اليمن ردا على ما قامت به المهلكة في سورية لتحويلها إلى أفغانستان ثانية بهدف استنزاف روسيا وإفشالها (؟).. قال بانيتا مطمئنا الجمع، أن لا خوف من روسيا لأنها لن تدعم إيران في اليمن، ذلك أن أمريكا من موقع قوة هذه المرة سترسم خطوطا حمراء للرئيس بوتين كي لا يتجاوزها في المرحلة القادمة.. فبلع الأعراب الطعم وسقطوا مرة أخرى في الفخ.
*** / ***
والأسئلة الحقيقية التي نطرحها من جهتنا اليوم عقب ما دار وجرى في هذا الإجتماع المسمى زورا وبهتانا بـ”المنتدى العربي الإستراتيجي” هي:
– هل لا زالت مشيخات الخليج الغبية لم تدرك بعد أن آخر هم تيريزا ماي كما ليون بانيتا وغيره من سماسرة الحروب وتجار السلاح هو أمن مشيخات الخليج، وأن ما يسعون إليه هو العزف على وثر الخوف والتلاعب بهواجس الأنظمة الرجعية الأعرابية بهدف ابتزازها حتى آخر قطرة نفط لصالح مجمعات الصناعات العسكرية في الغرب في محاولة مستميتة لإنقاذ اقتصادياتهم المتداعية؟..
– ثم كيف يمكن لـ”إسرائيل” أن تكون حليفا استراتيجيا لمشيخات الخليج لمحاربة دولة إسلامية لم تعتدي على دولة خليجية من قبل ولن تفعل اليوم أو غدا مهما بلغت حدة الخلافات لأسباب دينية وأخلاقية؟.. وكيف يمكن لهكذا تحالف أن يتم من دون أن تفقد أنظمة الخليج عروبتها ودينها وشرعيتها أمام شعوبها وكرامتها وتتهم بالخيانة من قبل شعوب الأمة قاطبة؟..
– وهل سيكون مقبولا من الناحية العقلانية البحثة ولا أقول الأخلاقية، إقامة تحالف علني مع “إسرائيل” المحتلة للأرض الفلسطينية والعربية ومقدسات المسلمين والمسيحيين، قبل حتى أن يتحقق وهم السلام مع الفلسطينيين وتطوى القضية بصفة نهائية؟..
– وهل بعد هزيمة أمريكا في العراق وخروجها هاربة تجر أذيال الخيبة بليل دون قمر، وبعد هزيمتها المذلة اليوم في سورية باعتبارها صاحبة المشروع وقائدة أوركسترا التآمر الدولي والإقليمي على جغرافية الأمة ودينها وكياناتها الوطنية باعتراف أوباما نفسه أمس.. هل بعد هذه النتائج الواضحة الجلية لا زال هناك في ربوع صحراء الخليج من يصدق أن امبراطورية روما الجديدة المتداعية قادرة على النيل من إيران وحلفائها؟..
– وهل بعد هزيمة “إسرائيل” المذلة في حرب تموز 2006 أمام حزب الله الجبار، لا زالت الرجعية العربية لم تستوعب الدرس الذي يقول، إن النصر من عند الله يهبه لمن يشاء من عباده المخلصين، وأن “إسرائيل” لم تعد تلك القوة التي لا تقهر، وأنها كانت مجرد كذبة اخترعها الصهاينة وصدقها الأغبياء العرب، فكيف بالله يمكن تصديق قول هذا الصهيوني المغبون والفاشل المسمى ليون بنيتا، بأن تحالف الرجعية العربية مع الكيان الصهيوني الجبان الدخيل على جغرافيا المنطقة، سيكون قادرا، ليس على احتواء نفوذ إيران فحسب، بل على إنهاء وجودها لينعم الأعراب الأغبياء بالأحلام اللذيذة تحت وهج شمس الصحراء الحارقة؟..
حقيقة، وأنا العبد المتواضع الفقير إلى ربي، لا أجد خطرا داهما يهدد أمن الخليج ووجود الأمة العربية والإسلامية أكبر من غباء حكام مشيخات الخليج.. هذا هو الخطر الحقيقي الذي لا أعرف كيف يمكن مواجهته، ولا أستطيع فهم إن كان الأمر يتعلق بفتنة من الله لاختبار إيماننا وصبرنا وصدق مقاومتنا، أم أن الأمر هو نتيجة لحرارة الصحراء المفرطة التي أذابت أدمغة القوم فحولتها إلى جبن سائح في الجمجمة لدرجة اختلطت عليهم البوصلة فأصبحوا يرون طهران في تل أبيب.
لكن، ماذا لو كانت استثمرت مشيخات الخليج ما أنفقته في الحرب العراقية الإيرانية، وفي حروب العراق وأفغانستان، وفي حرب لبنان و ليبيا والحرب السورية اليوم، وما استثمرته في السلاح خلال العقود الماضية والذي فاق 2 تريليون دولار، على مشاريع التنمية بما يخدم مصالح شعوبها وشعوب الأمة، لتشمل التعليم والبحث العلمي وتطوير الزراعة والصناعة المدنية والعسكرية والتكنولوجيا الدقيقة والمتطورة، لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في كل المجالات.. هل كانت مشيخات الخليج ستحتاج لحماية الغرب وهي تتمتع بدعم شعوبها وشعوب الأمة بأسرها؟..
ثم ماذا لو كانت مشيخات الخليج هي من دعمت المقاومة ضد الكيان الصهيوني في المنطقة، هل كانت إيران ستكسب ثقة شعوب وشرفاء الأمة كما هو الحال اليوم؟.. نقول هذا لأن طهران نفسها أعلنت أكثر من مرة، أنه لو دعمت “السعودية” المقاومة في فلسطين فلن يسع إيران وحزب الله وسورية وغيرها سوى الاصطفاف وراء ‘آل سعود’ لقيادة الأمة نحو التحرر والتحرير..
فأين المشكلة ما دام باب الجهاد في سبيل الله يسع الجميع؟.. الم يكن أولى بمن يدعي أنه خادم الحرمين الشريفين وزعيم الأمة العربية والإسلامية أن يرفع راية الجهاد في سبيل الله لتتبعه كل شعوب الأمة؟..
ما من مواطن عربي يفكر بعقل سليم إلا ويقول اليوم، أن إيران لا يمكن أن تكون عدوا في ما “إسرائيل” تتحول إلى صديق، هذا منطق الجهّال والخونة الأغبياء، وأن أعراب الخليج لو تحالفوا مع إيران لتغير حالهم وأصبحوا محصّنين ضد كل تهديد، وأصبحت أمريكا والغرب الأطلسي يخشونهم ويحترمونهم ويسعون صغارا أذلاء لنيل رضاهم والتعاون معهم في حدود ما يسمحون لهم به من فتات، ولما كان لـ”إسرائيل” من مكان في جسد الأمة، وهذا هو الطريق نحو العزة والكرامة وبناء الأمة العربية والإسلامية قوية كما أرادها الله أن تكون.
لقد وهب الله أمة محمد من الخيرات ما لم يهبه لأمم غيرها، وحباها بكل مقومات القوة لتعيش عزيزة كريمة فتعود كما كانت أحسن أمة أخرجت للناس، لكن معضلتها الجوهرية تكمن في العقل العربي الكسول المتشبث بالماضي السحيق والرافض للتطور والتغيير، برغم نور الله الكريم الذي وضعه بين يدي العرب بلغتهم لينير لهم ظلمات الطريق.
لذلك، لا أستبعد شخصيا أن تكون نهاية العربان بسبب غبائكم بالتحديد.. وهذا أمر لا علاج له، لأنه بقضاء وقدر من الله العليم الحكيم لحكمة لا يدركها إلا هو.
بانوراما الشرق الأوسط