لماذا “همشت” السعودية الرئيس هادي وحكومته و”تجاوزته” في مفاوضات اتفاق مسقط لحل الازمة اليمنية؟
وماذا يعني لقاء كيري بالحوثيين دون غيرهم؟ وما هي فرص نجاح هذا الاتفاق او فشله؟ ولماذا يلتزم الرئيس صالح وحزبه الصمت تجاهه رغم تهميشه أيضا؟
القى جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية قنبلة شديدة الانفجار في بركة الازمة اليمنية الملتهبة، عندما اعلن في ختام مباحثاته مع وفد يمثل تيار “انصار الله” الحوثي التقاه في العاصمة العمانية مسقط عن التوصل الى اتفاق لإطلاق النار يوم غد الخميس، يمهد للعودة الى المفاوضات وتطبيق خريطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة، وتنص على حكومة وحدة وطنية، وانسحابات وتسليم الأسلحة للحكومة الجديدة.
هناك شكوك كبيرة حول فرص نجاح هذا الاتفاق خاصة في أوساط “حكومة الشرعية” في الرياض التي فوجئت به، وكانت مثل “الزوج المخدوع آخر من يعلم”، وهذا ما يفسر التصريحات الغاضبة جدا لوزير خارجيتها السيد عبد الملك المخلافي التي وصف فيها الاتفاق بأنه “فقاعة إعلامية” على حساب الشعب اليمني، وان حكومته غير معنية به و”يمثل رغبة في افشال مساعي السلام بالوصول الى اتفاق مع الحوثيين بعيدا عن الحكومة”.
رفض حكومة هادي التي تعرضت لابشع أنواع التهميش امر مفهوم، فلا يمكن لهذه الحكومة ان تقبل بإتفاق يؤدي الى إخراجها من السلطة، ويشكل انقلابا على اهداف “عاصفة الحزم” السعودية التي أدت، وبعد عشرين شهرا من انطلاقها تحت عنوان إعادة الشرعية، الى مقتل عشرة آلاف يمني، وتدمير البنى التحتية المتواضعة لليمن.
من الواضح، ومن خلال خريطة طريق كيري، ان المملكة العربية السعودية “تريد أي حل” للازمة اليمنية بوقف حرب الاستنزاف المالي والبشري التي تخوضها، خاصة على حدودها الجنوبية، مثلما يوقف أيضا اطلاق الصواريخ الباليستية على مدنها الكبرى التي باتت تشكل قلقا، ورعبا، للمواطن السعودي في ظل ظروف تقشف معيشي صعبة تفرضها عليه دولته للخروج او تخفيف ازمتها المالية.
القيادة السعودية استعانت بالوزير كيري وكلفته بإيجاد سلم لانزالها عن شجرة الازمة اليمنية، ولم تعد تأبه بحليفها هادي ولا حكومته، وتأكيد بيان وزارة الخارجية العمانية “ان الاتفاق ينص على تفعيل اتفاقية ظهران الموقع في نسيان (ابريل) الماضي وينص على وقف الاعمال القتالية”، يوحي بذلك التوجه ويعززه.
اتفاق “ظهران الجنوب” جرى توقيعه بعد مفاوضات بين الحكومة السعودية وتيار “انصار الله” الحوثي، ويتعلق بالعمليات القتالية على الجبهة الحدودية، ولم يصمد الا لايام معدودة، وانهار بعد ذلك، وتوغلت القوات الحوثية في مدن الجنوب السعودي مثل جيزان ونجران، وما زالت تسيطر على بعض الأراضي هناك، وتواصلت عملية اطلاق الصواريخ، ووصلت الى مدينتي جدة والطائف شمالا.
لقاء كيري مع الوفد الثلاثي الحوثي يشكل اعترافا أمريكيا مهما بتيار “انصار الله” كقوة رئيسية في اليمن، وهذا في حد ذاته انتصار سياسيا كبيرا له، أي للتيار الحوثي، وتأكيدا على استقلاليته وقوته على الارض، ورسالة الى القيادة السعودية بالسير على الطريق نفسه، وهذا ما يفسر في اعتقادنا تهميشها للرئيس هادي وحكومته، واستعدادها للتخلي عنه في المرحلة المقبلة اذا كان هذا التخلي يمكن ان يخرجها من هذه المصيدة اليمنية المكلفة والمحكمة الاغلاق التي وقعت فيها.
كان لافتا صمت حزب “المؤتمر” الذي يتزعمه الرئيس علي عبد الله صالح تجاه هذا الاتفاق، فلم يصدر عن الحزب أي بيان يؤيد الاتفاق او يعارضه، رغم ان ممثليه لم يشاركوا، ولم توجه الدعوة لهم اصلا للمشاركة في مفاوضات مسقط التي أدت اليه، واكتفى احد افراد الوفد المؤتمري المفاوض الى القول، وباقتضاب شديد لـ “راي اليوم” ان الحزب مع أي اتفاق يوقف الحرب، وان “المؤتمر” اطلع على وثيقة الاتفاق وبنودها كاملة، ولكنه لم يبد تفاؤلا كبيرا بنجاحه، وقال “ان هذا النجاح مرهون بوجود آليات للتطبيق والمراقبة”.
التحالف “العربي” الذي تقوده السعودية يواجه امتحانا صعبا في اليمن، و”عاصفته” بدأت تفقد زخمها، واطالة امد الحرب بات يحدث شروخا في صفوفه تتسع بمضي الوقت، وغياب المخارج السياسية من هذا المأزق، وهناك انباء عن خلاف سعودي اماراتي في اليمن حول مستقبل جنوبه خاصة، ولا نعتقد ان الوزير كيري يملك الوصفة الناجعة لايقاف الحرب، ليس لان أيامه في الخارجية الامريكية باتت معدودة، وانما أيضا لان الوقائع على الأرض ترجح كفة التحالف “الحوثي الصالحي”، وليس التحالف السعودي، او هكذا يعتقد الكثير من الخبراء والمراقبين.
الرئيس هادي وحكومته وانصاره ربما يواجهون المزيد من التهميش من قبل حاضنتهم السعودية في الأيام والاشهر المقبلة، واقامتهم في الرياض قد تتحول الى اقامة دائمة، والله اعلم.
“راي اليوم”