هل سادت رؤيّــة 2030 ثم بادت؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2190
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عاش الشعب السعودي أحلام زاهية وأحداث وردية مع إنطلاق رؤيـة 2030 في ٢٥ إبريل من هذا العام ولمدة شهرين فقط. اليوم لم نعد نسمع بالرؤيـة أو ملحقاتها أو برامجها وفي مقدمتها “برنامج التحوّل الوطني” أو التحوّل الحكومي كما نسميه. صمت الجميع: فريق الرؤية؛ وفريق التحوّل؛ وفريق المصفقين؛ وفريق المنتقدين، وإنتقل الإعلام بكل طاقمه إلى قضايا الخارج التي أرهقتنا وشتت أفكارنا وجهدنا ووقتنا وأموالنا. كانت الـرؤيـة بألوانها ومكعباتها حلماً جميلاً فرح به الشعب، ومع توقف الصوت المجلجل المصاحب للرؤية ذهبت الصورة وخلفت وراءها المئات من الإسئلة التي تحتاج إلى توضيح وأجوبة. لكن الصيف، على ما يبدو، ضيّعت اللبن.
كتب أستاذنا عبدالعزيز السويّد، صاحب القلم الرشيق، مقالاً بعنوان “الـرؤيـة تفاعلياً” نشرته صحيفة الحياة يوم السبت ٣٠ يوليو ٢٠١٦م يذكر فيه: “حصد إعلان رؤيـة 2030, والتحوّل الوطني أكبر تغطية إعلامية فاقت كل ما عداها محلياً… لكن المسألة توقفت عند هذا الحد!” يمضي الكاتب السويد ليقول: وبمقارنة بما سبق من حال التفاعل الرسمي مع الشعبي والإعلامي يمكن القول أن التفاعل الإيجابي مع ماكان يطرح سابقاً في الإعلام كان أفضل وأكثر حضوراً من حيث الكم والنوع منه الآن.” ليصل أستاذنا السويد إلى توصيف يعتبر الأكثر دقّة إذ يجادل بأن ” الوضع بهذه الصورة مثل من دعى لمناسبة كبيرة ضخمة أعرض ما فيها رقاع الدعوة ثم جلس ينتظر وينتظر”.
أحدثت الرؤية هزة في أوساط المجتمع المحلي السعودي وأحيت الأمل وخلقت حراكاً لدى أجيال مختلفة يمكن تقسيمهم إلى أربعة أصناف: (١) مجموعة من المطبلين والمصفقين لأمير الـرؤيـة، وليس للرؤيـة ومضمونها، ظناً منهم أن التطبيل والتصفيق يشكل قمة الوطنية والولاء والإنتماء؛ (٢) جيل من الشباب وجد في الرؤية جزء من متطلباته وتحقيق لطموحاته وبدء في رسم المستقبل مع بعض التساؤلات لكي تكتمل صورة السعودية الجديدة في أذهانهم؛ (٣) جيل مخضرم خبر خطط التنمية منذ السبعينات ووجد في الرؤيّـة تغيراً نوعياً وأهداف محددة بخلاف الماضي فتعلق بالأمل وتبقى لديه بعض الأسئلة؛ أما الصنف (٤) فخليط من كل الأجيال يرى أن تحقيق الرؤية مستحيلاً مالم يسبقها أو يصاحبها تحوّل سياسي وإجتماعي، يعمل على تأصيل المشاركة السياسية لكافة فئات وأطياف المجتمع.
شكلت الرؤية، من جانب آخر، فرصة عظيمة لتقديم السعودية للخارج بحلة شابة جديدة تتفق مع المستقبل، فهنا أمير شاب في الثلاثينات من عمره يقدم رؤيته المستقبلية ويصحب جيله الذي يشكل أكثر من (٧٠٪‏) من الشعب السعودي لخوض غمار الحياة بوسائل وأساليب وموارد جديدة. فرح الشباب بهذا الأمير الذي هو من جيلهم، كما فرح بهم الأمير. لكن، “يا فرحة ما تمت”، كما يقول المثل الشعبي. غاب الأمير، وإنشغل بعشرات المسئوليات التي ضمها تحت جناحيه، وطغت الحروب السياسية والعسكرية في اليمن وسوريا والعراق وإيران ولبنان على فكر وإهتمام الأمير الشاب. بمعنى أخر، إختطفت السياسة الخارجية وهمومها وتعقيداتها وتسارعها الأمير الشاب، وبقي جيل من الشباب السعودي “ينتظر وينتظر” كما يقول أستاذنا السويد.
بقي وزراء التحوّل الوطني في الحكومة في الخفاء، وإستطابوا الإختباء، ينعمون بأفضل حالاتهم مما ساعدهم على التهرب والتنصل من أي تفاعل مع المجتمع، كل ذلك بحجة الـرؤيـة وبرنامج التحوّل وإختبأوا جميعاً خلف أمير الـرؤيـة. وبدلاً من أن يساعدوه ويحملوا جزء من المسئولية للتفاعل مع المواطن وأسئلته وإستشكالاته، إستطابوا الظل ليس من حرارة الطقس بل من لهيب الأسئلة الحائرة لدى المواطن حول حياته ومعاشه ومستقبله. كان المتوقع والمأمول من “درزينة” من الوزراء في العمل، والتنمية الإجتماعية، والإسكان، والصحة، والتعليم، والخدمة المدنية، والتجارة، والصناعة، والإستثمار، والطاقة، والمياه، والكهرباء، أن يملأوا الفضاء والفراغ بُعيد إطلاق الـرؤيـة 2030 وذلك المؤتمر الصحفي حول برنامج التحوّل، الذين تكدسوا فيه لثلاثة أيام متتالية مع (١٠) دقائق فقط لكل وزير، وأثار مزيد من الأسئلة أكثر من الأجوبة. نقول كان حرياً بأولئك الوزراء إقامة العشرات من اللقاءات في وزاراتهم للتفاعل مع المواطن وأسئلته المشروعة التي لن تنتهي، أو لمساعدة الأمير الشاب في حمل جزء من عبئه الثقيل، على الأقل.
أخيراً، نجزم بأن الـرؤيـة 2030 وجدت لتبقى، ولتستمر، وليتم تنفيذها، بالرغم من كل الملاحظات والنواقص، لكن ممارسات وزراء التحوّل وإختبائهم خلف عباءة الأمير، وإختفاءهم في مكاتبهم المغلقة عن الإعلام، وسوء قراءتهم لنبض الشارع السعودي، زاد من الشكوك في قدرتهم على التنفيذ، وزرعت تلك الممارسات، أيضاً، مفهوم سلبي بأن الـرؤيـة ليست سوى فقاعة إعلامية يقصد بها إشغال الرأي العام. ختاماً، الإنشغال بالداخل الإيجابي في الرؤيـة ومئالاتها وملاحظاتها ونواقصها، أفضل ألف مرة من الإنشغال بقضايا الخارج الذي إختطفنا من حيث نعلم أو لا نعلم. حفظ الله الوطن.

كاتب، ومحلل إستراتيجي