ماذا تستطيع السعودية أن تقدّم لإسرائيل؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2337
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عقيفة ايلدار
الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ماتي ستينبرغ، يقول إنه يجب القراءة بين سطور التوضيح الصادر عن وزارة الخارجية السعودية بشأن زيارة عشقي، والذي يرى فيه "إقراراً فاتراً" بأن الحكومة موافِقة على الزيارة، نظراً إلى أن وزارة الداخلية السعودية تحظر السفر إلى إسرائيل
الزيارة غير الرسمية التي قام بها لواء سعودي متقاعد إلى إسرائيل كانت خطوة هادئة نحو الانفتاح تؤشر إلى أن الرياض مستعدة للنظر في التطبيع مع إسرائيل في مقابل العمل على تطبيق مبادرة السلام العربية لعام 2002.
أوضحت وزارة الخارجية السعودية هذا الأسبوع أن الوفد الذي زار إسرائيل برئاسة اللواء المتقاعد أنور عشقي في 22 تموز/يوليو الجاري لا يمثّل آراء الحكومة في الرياض. وصرّحت الوزارة رداً على سؤال موجَّه من صحيفة "الحياة" الموالية للنظام السعودي، إنه ليست للحكومة السعودية "أي روابط مع عشقي وأمثاله".
المقصود بـ"أمثاله" الأمير تركي بن فيصل آل سعود الذي التقى علناً، في الأعوام الأخيرة، بالمسؤولَين الكبيرَين السابقين في الجيش الإسرائيلي، يعقوب عميدرور وعاموس يالدين، وكلاهما جنرالان متقاعدان.
ولم يبخل اللواء والأمير السعوديان بإجراء مقابلات مع وسائل إعلام إسرائيلية، كما أنهما يحافظان على علاقات مع منظمات سلام إسرائيلية، ويجلسان إلى جانب المندوبين الإسرائيليين في المؤتمرات الدولية حول العالم.
قال عشقي نفسه مؤخراً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية: "لم تطلب مني حكومتي إجراء مفاوضات، ولم يُكلَّف الجانب الإسرائيلي بمثل هذه المهمة أو يُمنَح مثل هذا التفويض... لا أحتاج إلى إذن لأنني لست مسؤولاً في الحكومة ولا أتمتّع بأي صفة رسمية. لو كنت أتمتع بصفة رسمية، لما حدث ذلك. كل اللقاءات التي عقدتها مع الإسرائيليين هي أحاديث خاصة وغير ملزمة".
لكن الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ماتي ستينبرغ، الذي يوثّق الخطوات الهادفة إلى تعزيز مبادرة السلام العربية لعام 2002 وتلك الساعية إلى تقويضها على السواء، يقول إنه يجب القراءة بين سطور التوضيح الصادر عن وزارة الخارجية السعودية، والذي يرى فيه "إقراراً فاتراً" بأن الحكومة موافِقة على الزيارة، نظراً إلى أن وزارة الداخلية السعودية تحظر السفر إلى إسرائيل (وكذلك إلى إيران والعراق وتايلاند).
قال ستينبرغ الذي كان يشغل سابقاً منصب مستشار خاص لرؤساء جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت): "لا شك في أن السعوديين منحوا الإذن للزيارة خلف الكواليس وعملوا بهدوء على حدوثها"، مضيفاً: "أعتقد أن مصر كانت أيضاً على علم بالزيارة، في إطار المبادرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي".
يمكن الافتراض أيضاً أن اللواء المتقاعد لم يكن ليلتقي في العلن بالمسؤول الأول في فريق موظّفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، دور غولد، الذي يشغل منصب مدير عام الوزارة، ومنسّق الأنشطة الحكومية في الأراضي، الميجور جنرال يوآف مردخاي، المسؤول الأعلى رتبة في الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، لولا حصوله على الضوء الأخضر.
سارع عشقي لينفض عنه ذيول الترحاب الشديد الذي استقبله به المعارضين السياسيين في القدس. فقد قال في مقابلة معه عبر "إذاعة الجيش" الإسرائيلية في 24 تموز/يوليو الجاري: "لن تتمكّن إسرائيل من بناء علاقات مع دول الخليج، لا سيما السعودية، قبل أن توقّع اتفاقاً دائماً مع السلطة الفلسطينية"، مضيفاً: "لن يكون هناك سلام مع الدول العربية أولاً، بل مع الإخوة الفلسطينيين أولاً".
بعد ذلك، كتب عشقي على صفحته على موقع "فايسبوك": "لم أذهب إلى فلسطين إلا بدعوة كريمة من المسؤولين في السلطة الفلسطينية، ووجدتها محاصَرة من الأعداء الذين يضايقون أبناءها"، غامزاً في الوقت نفسه من قناة "الأصدقاء الذين يمتنعون عن زيارتها"، في إشارة إلى الشخصيات العربية التي تدعم القضية الفلسطينية عن بعد وتكتفي بعقد المؤتمرات وإلقاء الخطب الحماسية – مثل أمير الكويت.
ففي 25 تموز/يوليو الجاري، تعهّد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمام المشاركين في القمة العربية في موريتانيا بأن بلاده ستعمل من أجل عقد مؤتمر دولي لمناقشة "الضرر الذي يسبّبه الإسرائيليون للأطفال الفلسطينيين".
أعلن رئيس وزراء البحرين، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، في القمة: "القضية الفلسطينية هي في صدارة أولويات الجامعة العربية". بيد أن مستوى المشاركة المتدنّي، وقرار اختصار القمة بيومٍ واحد، والكلام الذي جاء على لسان المتحدّثين تؤشر إلى أن أجندة القادة العرب مختلفة تماماً. فالغالبية الكبرى من القادة العرب، منهم السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لم تشارك في القمة.
ركّزت الكلمات والقرارات على سبل محاربة التنظيمات الإرهابية التي تهدّد المنظومة القائمة في الدول العربية. فخلف زيارة عشقي غير الرسمية والزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى إسرائيل في العاشر من تموز/يوليو الجاري هناك أعداء مشتركون في المعركة من أجل الهيمنة الإقليمية، وعلى رأسهم إيران وتنظيم داعش.
تحدّث عشقي بصراحة في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الشهر الماضي خلال مؤتمر في الدوحة، قائلاً: "تغيّرت الظروف"، و"اليوم يمكننا بسهولة تحديد الأعداء المشتركين".
الظروف الداخلية في المملكة تغيّرت أيضاً. فقد أشار اللواء المتقاعد إلى أنه في عهد الملك السابق، الذي أطلق مبادرة السلام العربية، لم تكن هناك حظوظ بالتوصّل إلى سلام حقيقي وشامل، مضيفاً أن هذا ممكن في عهد سلمان "بالاستناد إلى معلوماتي الشخصية".
تابع عشقي: "أعلم أنه لدى إسرائيل تحفظات حول خطة السلام. لقد تلقّينا تعليقات وطلبات لإعادة النظر في بعض النقاط. بعضها يمكن تسويته. ... اليوم يمكننا إجراء مباحثات ونقاشات والنظر في طلباتكم". لقد ناقض بكلامه هذا مزاعم معارضي المبادرة من الإسرائيليين الذين يدّعون أن الوثيقة مفروضة على إسرائيل ولا يمكن إدخال تعديلات عليها.
إن الاستعداد العربي لمنح إسرائيل سلفةً في شكل تطبيع علاقات العالم العربي معها من دون الحصول على شيء في المقابل على الجبهة الفلسطينية يؤشّر إلى حدوث تغيير في استراتيجية الجامعة العربية. عُرِضَت ورقة التطبيع بمثابة ضمانة على أن يتم استردادها عندما تعلن إسرائيل تبنّيها لمبادرة السلام العربية لعام 2002.
تصوِّر الحكومة اليمينية في إسرائيل الديبلوماسية العامة التي تقودها مصر والسعودية بأنها تُقدّم إثباتاً على مفهومها القائل بمبدأ "السلام في مقابل السلام".
تُبدي دول عربية مهمة استعدادها لاحتضاننا في العلن على الرغم من أننا لم نتخلَّ عن شبر واحد من الضفة الغربية وحتى فيما نستمر في السيطرة على المسجد الأقصى، متناسين عن قصد، خدمةً لمصالحنا، تخلّي إسرائيل عن السيطرة على شبه جزيرة سيناء.
نظراً إلى التركيبة الحالية للحكومة الإسرائيلية، توازي مستوطنة واحدة في تلال الخليل الجنوبية العلاقات الديبلوماسية مع الدول العربية مجتمعة. من أجل دفع مبادرة السلام العربية نحو الأمام وتغيير مكانتها على الخريطة الإقليمية، ينبغي على إسرائيل أولاً تغيير خريطتها السياسية الداخلية.
المصدر: المونيتور