اعتراف سعودي رسمي يعري واقع العبودية الحديثة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 185
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في اعتراف نادر يفضح فشل النظام السعودي في حماية حقوق العمال، أقرّت السلطات بانتشار واسع لجرائم العبودية الحديثة داخل “السعودية”، حيث كشف تقرير لصحيفة The Economic Times بتاريخ 28 أبريل/نيسان أن 80٪ من مكاتب الاستقدام التي خضعت للتفتيش ارتكبت انتهاكات جسيمة تتعلق بتوظيف العمالة. ورغم محاولات ما تسمى “وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية” التملّص من المسؤولية عبر تحميلها لشركات الاستقدام، فإن البيان الصادر عنها في 24 أبريل/نيسان أضاء على تورّط ممنهج في ممارسات تشمل التوظيف غير القانوني، عدم تعويض العملاء، وإجراء تحويلات مالية خارج المنصة الرسمية “مساند”، ما يشير إلى غياب الرقابة الرسمية الفعلية، إن لم يكن التواطؤ معها. ويُظهر هذا الاعتراف الرسمي حجم الأزمة التي ظل النظام يتجاهلها لسنوات، حيث تكدّس الانتهاكات تحت مظلة سياسات حكومية سمحت بنمو سوق استقدام غير منضبط، غالبًا ما ينطوي على استغلال صارخ للعمالة الأجنبية. ورغم الترويج لما سُمي “إصلاحات”، فإن تحويل أكثر من 200 مكتب استقدام إلى شركات منذ 2022 لم يكن سوى محاولة شكلية لإضفاء طابع قانوني على قطاع يعجّ بالتجاوزات. في المقابل، لم يتردد النظام السعودي في التضييق على أصحاب المكاتب الصغيرة الذين اشتكوا من ارتفاع التكاليف وشروط الامتثال المشددة، ما يكشف مفارقة فادحة: النظام يُحمل الأطراف الأضعف مسؤولية الفوضى التي صنعها بنفسه. يذكر أن صحيفة “نيويورك تايمز” أجرت في وقت سابق تحقيقاً يتناول قضية النساء المهاجرات من جنوب آسيا بقصد العمل في “السعودية”. بيّنت خلاله تعرضهن لظروف قاسية. إذ لقي ما لا يقل عن 274 كينياً حتفهم في “السعودية” خلال السنوات الخمس الماضية، معظمهم من النساء. وفي العام الماضي وحده، توفي 55 كينياً على الأقل، أي ضعف عدد الوفيات في العام الذي سبقه. تشريح جثث بعض من لقوا حتفهم خلال تواجدهم في “السعودية” أثار المزيد من التساؤلات، حيث ظهرت على جثة امرأة من أوغندا كدماتٌ واسعة وعلامات صعق كهربائي، ومع ذلك وُصفت وفاتها -في التقرير الطبي الصادر من “السعودية”، بأنها وفاة “طبيعية”. كما وجد التحقيق “عددًا مفاجئًا من النساء اللواتي سقطن من أسطح المنازل أو الشرفات، أو في إحدى الحالات، من فتحة مكيف هواء”. التحقيق يقول أنها لم تكن هذه “تجارة” غامضةً ينشط فيها أشخاصٌ غير معروفين: ولكن تُجنّد آلاف النساء من شرق أفريقيا، ويُدرَّبن في شركاتٍ عريقة، ثم يُرسَلن إلى “السعودية” عبر عمليةٍ مُنظَّمةٍ ومعتمدةٍ من قِبَل حكومات أوغندا وكينيا والسعودية. وإلى جانب قوانين العمل السعودية الظالمة، هناك تواطؤ مباشر من حكومات الأطراف المنضوية في عملية “التجارة” هذه. الصحيفة الأميركية أجرت مقابلات مع أكثر من 90 عاملاً وعائلاتهم، وقامت بتحليل عقود العمل بعناية، حتى تبيّن أن النساء من كينيا وأوغندا يتم إغراءهن بالقدوم إلى “السعودية” بوعود بأجور وفرص أفضل. تقدم وكالات التوظيف ووسطائها معلومات مضللة حول الأجور وتجبر العمال على توقيع عقود لا يستطيعون قراءتها. بعض الوكالات تُسوّق النساء كمنتجات: مواقع الوكالات الإلكترونية تعرض عاملات “للبيع” للعملاء السعوديين. رأينا إحداها تُتيح خيار “انقر للاستلام”. وهو بالفعل ما يتم معاملة العاملات وفقا له: “التملّك”. عند وصول النساء إلى “السعودية”، غالبًا ما يصادر أصحاب العمل جوازات سفرهن وممتلكاتهن. تعمل مدبرات المنازل الكينيات في السعودية مقابل حوالي 250 دولارًا أمريكيًا شهريًا. لكن العديد من النساء أخبرن أن رؤساءهن الجدد قللوا من أجورهن أو حرموهن منها، قائلين: “لقد اشتريتكِ”. وباستخدام عقود العمل، أو تقارير الشرطة أو الوثائق القانونية، للوقوف على الشركات التي تستفيد من هؤلاء النساء، تبيّن أن من يقف خلف هذه الشركات هم من كبار المسؤولين سواء في “السعودية” أم في كينيا وأوغندا، حيث ظهر أنهم وأسرهم يمتلكون حصصاً في وكالات التوظيف. في “السعودية”، كان أفراد “العائلة المالكة”، بمن فيهم أحفاد فيصل آل سعود، من كبار المستثمرين في وكالات توظيف العمالة المنزلية. كما يشغل كبار المسؤولين السعوديين مناصب رفيعة في وكالات التوظيف. العاملات أفدن بأصناف التعذيب والإهانة التي تعرّضن إليها خلال عملهن في شبه الجزيرة العربية، ومن الشهادات التي أفدن بها للصحيفة، كان الحرمان من الطعام، الاغتصاب، الاعتداء عليهم بأدوات التنظيف المؤذية، وحتى “الطعن”! وفي حين يدّعي النظام السعودي أن أجهزة إنفاذ القانون والمحاكم تحمي العمال من الإساءة وتساعدهم على طلب التعويض، إلا أن النساء أخبرن الصحيفة بأنهن لم يتمكنّ من الوصول إلى هذه الموارد، وأعادتهن الشرطة إلى أصحاب عمل مسيئين أو إلى منشآت حكومية تُشبه السجون. فيما يضطر العديد من العمال المعنفين إلى دفع تكاليف عودتهم إلى أوطانهم، رغم أن اللوائح تنص على عدم وجوب ذلك. وقد وجد التقرير أن العمال اليائسين غالبًا ما يعودون إلى أوطانهم مفلسين، ومعاقين، ومُفكّرين في الانتحار. وفي حالات الإصابات الخطيرة أو الوفاة، تضطر الأسر إلى التعامل مع شبكة من البيروقراطية واللامبالاة والإفلات من العقاب. أخبر زوج إحدى الضحايا الأوغنديات التي لقت حتفها في “السعودية”، أنه علم بوفاة زوجته من اتصال من صاحب العمل الذي أعطاه خيارًا: “جسدها أو أجرها البالغ 2800 دولار”.