غياب سعودي متعمد.. لهذا يرفض بن سلمان التدخل في حرب غزة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 532
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سلط الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك، الضوء على ما وصفه بالغياب السعودي الغامض في مشهد الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، مشيرا إلى أن "السعوديين الجدد" يتصرفون منذ بدء الحرب قبل 3 أسابيع مثل "السعوديين القدامى" بشأن فلسطين.

وذكر كوك، في مقال نشره بمجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، التقى نجم كرة القدم العالمي، كريستيانو رونالدو، في 23 أكتوبر/تشرين الأول، وهو نفس الوقت الذي علم فيه العالم أن الحكومتين القطرية والمصرية نجحتا في إطلاق سراح امرأتين إسرائيليتين كانتا محتجزتين لدى حركة حماس.

وبينما انخرطت قطر ومصر في جهود الوساطة، ناقش بن سلمان مستقبل الرياضات الإلكترونية (ألعاب الفيديو) مع رونالدو، ما يؤشر إلى أن الأمر عندما يتعلق بالسياسة الخارجية وإدارة الأزمات، فإن السعوديين يبدون "عديمي الفائدة"، حسبما نقل كوك عن مسؤول كبير سابق في الإدارة الأمريكية.

 ويرجع كوك ذلك إلى أن السعوديين في مأزق: فهم ما زالوا يعتمدون في تحقيق الأمن على الولايات المتحدة، وهي نفس الدولة التي تساعد في تسهيل العدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة.

وبعد ساعات فقط من عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت وزارة الخارجية السعودية دعوة إلى "وقف فوري للتصعيد بين الجانبين".

 ومنذ ذلك الحين، أصدر السعوديون سلسلة من البيانات وأجروا اتصالات واجتماعات متعددة الأطراف، لكنها لا تساهم في إعادة الاستقرار الإقليمي.

وقبل لقاء بن سلمان بوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 15 أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً جاء فيه، جزئياً، أن الرياض "تؤكد رفضها القاطع لدعوات التهجير القسري" للفلسطينيين من غزة، وتكرر إدانتها للاستهداف المستمر للمدنيين العزل.

ويعلق كوك على ذلك قائلا: "إذا كان السعوديون هم الكلاب الكبيرة في المنطقة، كما يزعمون، فلا يمكنهم الجلوس في الرياض وعدم تقديم أي شيء أكثر من اعتراضات شديدة على الوضع المروع في غزة".

وأضاف: "لكي نكون منصفين، فإن السعوديين فعلوا شيئًا ما. ففي 18 أكتوبر/تشرين الأول، عقدوا (السعوديون) اجتماعًا للجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي، انتقد فيه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، تقاعس المجتمع الدولي ومعاييره المزدوجة رداً على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة".

كما كرر فيصل الدعم السعودي لمبادرة السلام العربية لعام 2002، التي قادها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير، عبدالله بن عبد العزيز، وألزمت الدول الإسلامية العربية وغير العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية.

خطة ميتة

ويصف كوك الخطة السعودية بأنها "ماتت منذ زمن طويل"، ومع ذلك، فمن خلال استحضاره، كان بن فرحان يسلط الضوء على إحدى المرات القليلة التي كان لدى السعوديين فيها شيء ملموس لتقديمه في عملية صنع السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ويؤكد التزام الرياض بالعدالة للفلسطينيين.

لكن على الرغم من كل الضجيج، يرى كوك أن الاجتماع لم يكن محاولة حقيقية من قبل الرياض للدبلوماسية البناءة بقدر ما كان تمرينًا للعلاقات العامة يهدف إلى توفير بعض الغطاء بعد أشهر من المفاوضات مع الولايات المتحدة حول صفقة تطبيع محتملة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

ويشير كوك إلى ما اعتبرها "ثغرة مثيرة للاهتمام" في النهج السعودي تجاه الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، ففي اليوم السابق لاجتماع منظمة التعاون الإسلامي، تحدث الأمير، تركي بن فيصل، مدير المخابرات السعودية السابق، وسفير الرياض السابق في كل من لندن وواشنطن، في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس في هيوستن، مهاجما إسرائيل والغرب بسبب إراقة الدماء في غزة، كما هاجم حماس أيضًا.

 وأعلن بن فيصل بوضوح أن قتل الأطفال والنساء وكبار السن يخالف المعتقدات الإسلامية، وشدد على أنه "لا يوجد أبطال" في الحرب الدائرة الآن.

ويعلق كوك على هذا الخطاب بقوله: "صحيح أن تركي أصبح الآن مواطنًا عاديًا ولم يعد مسؤولًا حكوميًا، لكنه أيضًا الشخص الذي قال أشياء علنية يريد أفراد العائلة المالكة السعودية قولها، ولكن لا يمكنهم ذلك".

ولذا يرى كوك أن تعليقات تركي في هيوستن كانت مهمة، مضيفا: "لكن إذا أخذناها مجتمعة، فإن التصريحات القادمة من السعوديين لا تعدو أن تكون أكثر من مجرد ضجيج في الخلفية في الصراع الإقليمي المختمر".

ويتابع كوك: "ما يجعل التقاعس السعودي أكثر غرابة هو مدى حذر السعوديين عندما يتعلق الأمر بالإيرانيين. ويمكن فهم القراءة السعودية لمكالمة محمد بن سلمان مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حول الحرب بين إسرائيل وحماس على أنها نقد ضمني لإيران، لا سيما الجزء الذي قيل إن الزعيم السعودي أكد فيه معارضة المملكة لأي شكل من أشكال قتل المدنيين".

وشدد بن سلمان على التزامه بـ "السلام الشامل والعادل"، ما يعني دعم حل الدولتين، وهو ما تشاركه فيه إيران، وهو ما يراه كوك مقصودا من الجانب السعودي باعتبار أن حماس فجرت بعملية "طوفان الأقصى" استراتيجية بن سلمان الإقليمية بمساعدة إيرانية.

 فنجاح رؤية محمد بن سلمان 2030، وهي خريطة الطريق الطموحة لتحقيق "فرص جديدة للنمو والاستثمار، وزيادة المشاركة العالمية، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين"، يعتمد جزئياً على الاستقرار والتكامل الأكبر مع الاقتصادات الكبرى في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.

وكان من المفترض أن يؤدي اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران، في مارس/آذار الماضي، إلى تهدئة التوتر في المنطقة، لكن كوك يصفه بأنه كان اتفاقا ناتجا عن "الضعف السعودي، ولم يؤد إلا إلى إنهاء المواجهة السعودية الإيرانية".

غضب إيران

ويضيف: "من الواضح أن ولي العهد لا يريد التصرف في صراع غزة بطريقة تثير غضب الإيرانيين، بحيث يبدأ الحوثيون، وكلاء طهران في اليمن، في استهداف المراكز السكانية السعودية مرة أخرى بالطائرات المسيرة والصواريخ".

وبعد اندلاع الحرب الأهلية بالسودان، في أبريل/نيسان، كانت العلاقات الأمريكية السعودية "في أفضل حالاتها على الإطلاق"، وفقًا لمسؤولين من الحكومتين الذين تحدثوا معي في محادثات خاصة في ذلك الوقت، وذلك لأن السعوديين تمكنوا من جعل أنفسهم مفيدين للولايات المتحدة في التعامل مع هذا الصراع، عبر التوسط في محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة، وتوفير 100 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للسودان، والمساعدة في إجلاء آلاف الأشخاص من البلاد.

وتحتاج واشنطن مرة أخرى إلى المساعدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة الآن بعد أن اندلعت حرب في غزة، لكن يبدو أن السعوديين غير قادرين أو غير راغبين في المساعدة هذه المرة، حسبما يرى كوك.

 ويلفت الخبير في شؤون الشرق الأوسط إلى أن بن سلمان يعتمد على واشنطن لأمن بلاده، إلا أنه في ظل الظروف الحالية فإن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تشكل نقطة ضعف بالنسبة له، وربما يكون قد عزز سلطته، لكنه يحتاج إلى توخي الحذر.

فقضية فلسطين لاتزال ذات رمزية مهمة في السعودية، وسيكون من الصعب على بن سلمان العمل بشكل وثيق مع إدارة بايدن في الوقت الحالي، والمرجح أن الطريقة الحازمة التي تحركت بها واشنطن لدعم إسرائيل قد تركت انطباعًا قويًا وسلبيًا على الجمهور السعودي.

ويرى كون أنه لكي يكون بن سلمان أكثر إيجابية في صراع غزة، فإن ذلك يعني التعامل بشكل أكبر مع كل من واشنطن وإسرائيل، وأن يكون أكثر وضوحاً في انتقاداته لحماس، وأن يقدم ملاذاً آمناً للفلسطينيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية، ومع ذلك، فمن الواضح أن ولي العهد السعودي قد خلص إلى أنه من الأفضل عدم الكشف عن هويته بهذه الطريقة.

ويخلص كوك في مقاله إلى أن بن سلمان يرى، من وجهة نظره، أن "إصدار البيانات، وانتقاد المجتمع الدولي، والاتصال بنظرائه، والدردشة مع نجوم كرة القدم، استراتيجية أفضل، ما يكشف السعودية على حقيقتها الحالية الضعيفة".

 

المصدر | فورين بوليسي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد