النووي السعودي.. المستقبل مرهون بمدى القدرة على مواجهة التحديات الأكبر من الإمكانيات
"الطموحات النووية للسعودية ليست وليدة اللحظة، وإنما يعود تاريخها إلى وقت الكشف عن البرنامج النووي الإيراني، إلا أن هذه الطموحات تسارعت بسبب الدوافع المختلفة، ولكن يبدو أنَّ مستقبل البرنامج مرهون بمدى قدرة السعودية على التعامل مع هذه التحديات.
هكذا تحدث تقدير موقف لمركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، لافتا إلى أنه "مع هذه الدوافع، فإن لتحقيق السعودية طموحاتها النووية عدداً من الشروط والتحديات الداخلية والخارجية، التي يظهر أنها أكبر من الدوافع والإمكانيات".
ففي العام 2010، أعلنت حكومة السعودية تأسيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، بهدف ضمان مستقبل مستدام للطاقة في المملكة، وإضافة الطاقة الذرية والمتجددة إلى مصادر الطاقة المعتمدة من قبل المملكة.
وفي العام 2011، أعلنت السعودية عزمها الاستثمار في بناء 16 مفاعلاً نووياً على مدار عقدين مقبلين بمبلغ قدره 80 مليار دولار.
وظلت هذه الطموحات تراوح مكانها حتى منتصف 2016.
وفي 2017، وقعت المؤسسة النووية الوطنية الصينية مذكرة تفاهم مع هيئة المسح الجيولوجي السعودية، وذلك بهدف إجراء مسح عن رواسب اليورانيوم، وتبع ذلك تعاون سعودي/صيني في التنقيب عن اليورانيوم في 8 مواقع داخل المملكة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، دشن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أول مفاعل نووي بحثي منخفض الطاقة في المملكة، وذلك ضمن خطط المملكة في تطوير صناعة المفاعلات النووية، وتأهيل الكوادر البشرية لتشغيل تلك المفاعلات، بالإضافة إلى تأهيل الشركات الوطنية في تصنيع بعض أجزاء من المفاعلات.
وفي العام 2020 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريراً مصوراً عن جهود سعودية لبناء مفاعلها النووي الأول في موقع بالقرب من الرياض، وقد أثارت هذه الصور مخاوف أمريكية لما يُعتقد بأنه تعاون سعودي-صيني لبناء قدرة صناعية على إنتاج الوقود النووي، ومن ثم البدء بإنتاج الأسلحة النووية.
وفي أواخر 2022، أعلنت السعودية مناقصة لبناء أول محطة نووية تتكون من وحدتي إنتاج الكهرباء، وذلك ضمن خططها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية من خلال الوصول إلى17 غيغاوات من الطاقة النووية بحلول عام 2040.
وبحسب تصريحات رسمية، فإن السعودية تمتلك أكثر من 90 ألف طن من اليورانيوم على أراضيها، وتسعى إلى استغلال ذلك بالشكل الأمثل، وهو ما قد يشير إلى إمكانية تطور الطموحات السعودية في البرنامج النووي.
لكن في المقابل، أشار تقرير لوكالة الطاقة النووية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 2020، إلى أن السعودية أنفقت أكثر من 37 مليون دولار منذ عام 2017 بهدف البحث عن اليورانيوم، لكن الكميات التي تم تحديدها كاحتياطي لا تكفي للتعدين اللازم لإنتاج الطاقة النووية، إذا ما قُورنت بالكميات المتوفرة في مناطق أخرى حول العالم.
ووفق تقدير الموقف، "يبدو أنَّ لدى السعودية توجهات رسمية لتطوير برنامجها النووي مدفوعة بجملة من العوامل المختلفة، ويبدو أنَّ العامل الاقتصادي هو الأبرز حالياً، يليه الأمني ثم السياسي".
وتشير التصريحات السعودية إلى أن المساعي النووية تستهدف بشكل أساسي تنويع مصادر الطاقة، وإيجاد بديل للنمو الاقتصادي بما ينسجم مع طموحات المملكة لرؤية 2030، المتمثلة في تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ولما كانت الطاقة النووية وتقنياتها تدخل في مختلف القطاعات، مثل القطاع الزراعي والطبي والفضائي والكهربائي وغير ذلك، فإن الاستثمار في البرنامج النووي السعودي قد يخلق تطوراً بارزاً في المجالات المرتبطة به، ويساهم في تطوير الأنشطة الاقتصادية والخدماتية المختلفة.
وفيما يتعلق بالجانب الأمني، ففي ظل الانسداد السياسي في الملف النووي الإيراني، واستمرار طهران في تطوير برنامجها النووي، يبدو أن هناك خشية سعودية من عدم وفاء إيران بالتزاماتها، وقد دعت الرياض في عدة مناسبات إلى تشديد الإجراءات ضد إيران لمنعها من إنتاج قنبلة نووية.
كما عملت الرياض على إرسال رسائل دولية بطموحاتها السلمية، وبأنها قادرة في الوقت نفسه على منافسة طهران في الأغراض العسكرية للنشاط النووي.
وهذا قد لا يتعارض مع الاتفاق الذي رعته الصين مؤخراً بين الرياض وطهران، فتهدئة التنافس بين البلدين في عدد من الجهات في المنطقة لا تعني تسوية الجانبين للملف النووي الإيراني، نظراً لكونه أحد أهم العقبات بينهما، وربما لن تكون هناك تسوية حقيقية للملف النووي الإيراني إلا بحدوث حالة من التوازن في ملفات الضغط بين السعودية وإيران.
ولأن السياسة السعودية اتجهت إلى تنويع الشراكات الأمنية الاستراتيجية، وتقديم مصالحها القومية الخاصة، فإن التمكن من تحقيق برنامج نووي ربما يدعم مصالحها في الاكتفاء الأمني الذي تسعى إلى تحقيقه.
أما الدوافع السياسية للبرنامج النووي السعودي، فترى المملكة أنه في ظل عالم متعدد الأقطاب، وصعود قوى إقليمية ودولية في المنطقة، فإنه لا بد لها من امتلاك عناصر قوة في سياستها الخارجية، بما يؤمن لها تحقيق أهدافها في المنطقة والعالم دون أن تكون رهناً لقوى أخرى.
ولأن الرياض أظهرت خلال الأشهر الأخيرة سياسة خارجية أكثر استقلالية عبر تنويع شراكاتها الخارجية، وتخفيض بؤر التنافس المباشر مع عدد من القوى الإقليمية، فإنها ربما تحرص على تدعيم قوتها العسكرية والأمنية بمختلف الوسائل لما يمكنها من الاستمرار في السياسة الخارجية المستقلة.
إلا أن هذه الدوافع المختلفة لتطوير البرنامج النووي، تواجه جملة من التحديات الداخلية والخارجية، أبرزها أن الخطط السعودية لتطوير برنامجها النووي قد تتعرقل بالنظر إلى كمية رواسب اليورانيوم التي يتم تحديدها.
كما أن السعودية في الفترة الحالية تعمل على تنفيذ المشاريع المتعلقة برؤية 2030، ولما كان البرنامج النووي قد يحتاج إلى بنى تحتية ضخمة قد تتعارض مع أولوية المشاريع الأخرى للدولة، أو كفاية المواد في تغطية متطلبات هذا المشروع في هذه الفترة، فهذا قد يشكل تحدياً حقيقياً للدولة السعودية.
أما التحديات الخارجية، فيتلخص أبرزها في الموقف الأمريكي من البرنامج النووي السعودي، الرلفض التجاوب مع المشروع النووي السعودي، والذي طرح شروطاً شديدة الصرامة لمنع الرياض من إمكانية تطوير أسلحة نووية، وذلك بهدف منع سباق التسلح النووي في المنطقة.
وسلط تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، نُشر في مارس/آذار الماضي، الضوء على العرض الذي قدمته الرياض لواشنطن بإمكانية تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي مقابل منح واشنطن الضوء الأخضر للسعودية لتطوير برنامج نووي مدني، وزيادة في الضمانات الدفاعية الأمريكية لصالح الرياض، وذلك ضمن عدة مواضيع طرحتها الرياض على إدارة بايدن خلال محادثات العام الماضي.
كما أن من التحديات الخارجية للبرنامج السعودي، هيمنة إسرائيل على المجال النووي والتعاون الإماراتي الإسرائيلي في مجال الطاقة، وهذا الاحتكار من المرجح أن يؤدي إلى التضييق الإسرائيلي، ومن خلفه الغربي، على مشاريع الطاقة النووية المستقلة في المنطقة.
كما تواجه السعودية تحدي البحث عن الشريك الأنسب للبرنامج النووي، حيث سعت خلال السنوات الماضية إلى تطوير خبراتها في مجال البرنامج النووي من خلال الدخول في شراكات متعددة مع دول نووية حول العالم.
وباشرت الرياض مفاوضاتها مع شركات روسية وفرنسية وصينية وكورية لتحقيق شراكة كفيلة بالاستثمار في البرنامج النووي، إلا أن الأمر ليس بالسهل على الرياض، فالمفاوضات مع فرنسا أو كوريا الجنوبية- حليفتَي الولايات المتحدة- قد تعرقل الرياض، بسبب التأثير الأمريكي على باريس وسيئول.
في حين أن بيئة العمل مع روسيا قد يشوبها عدد من الصعوبات نتيجة للعقوبات الأمريكية والأوروبية عليها. أما الصين فقد تكون شريكاً “يُتعامل معه بحذر” نتيجة علاقاتها الوطيدة مع إيران.
ويتحدث تقدير الموقف، عن محددات مستقبل البرنامج النووي السعودي، مشيرا إلى الموقف الأمريكي من البرنامج النووي السعودي، خاصة أنه رغم بحث الرياض عن شركاء بديلين، فإنها لا تزال ترى أن التكنولوجية النووية الأمريكية ستظل الخيار الأمثل لها.
ويقول التقرير: "في حال تغير الموقف الأمريكي القلِق من سباق التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط، وتماهى مع استمرار السعودية في المضي في طموحاتها النووية، فإن ذلك قد يمكن الرياض من تطوير طاقتها النووية، ولو لأغراض سلمية في بداية الأمر".
ويضيف: "كما يعد الملف النووي الإيراني من أكثر القضايا المستعصية في العلاقات السعودية الإيرانية، فالسعودية لم تحصل إلى الآن رغم التوصل لاتفاق مع إيران لتطبيع العلاقات على أي ضمانات تؤكد خلو الأنشطة الإيرانية من الأغراض العسكرية، ما قد يدفعها إلى تسريع استراتيجيات تطوير البرنامج النووي الخاص بها".
ويبقى تحدي التنافس في المنطقة على إنتاج الطاقة النووية، بين إسرائيل صاحبة اليد العليا في تطوير الأنشطة النووية في المنطقة، ومساعي الإمارات في تشغيل أول محطة نووية لها قبل عامين، مؤشرا على أن المنطقة ربما تدخل في سباق حقيقي من حيث التنافس على إنتاج الطاقة النووية.
وهذا الأمر يدفع السعودية إلى المضي قدماً في هذا المشروع، خصوصاً أن هذا الأمر يرتبط بالمحافظة على ثقل مركزها الإقليمي في المنطقة.
المصدر | الخليج الجديد