لماذا نُطالب أمريكا بالكفّ فورًا عن تِكرارِ “أكاذيبها” حول هُجومٍ إيرانيٍّ وشيك على السعوديّة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 659
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

يتصرّف بريت ماكغورك مُنسّق مجلس الأمن القومي الأمريكي في الشّرق الأوسط كما لو أنّه المندوب السّامي لبلاده في مِنطقة الشّرق الأوسط، ومِنطقة الخليج تحديدًا، يُصدِر الإملاءات، ويُحَدّد السّياسيات الخارجيّة، بل ووصل الأمر به إلى التّهديد علانيّةً بمُعاقبة أيّ من هذه الدّول إذا ما دخلت في علاقاتٍ تجاريّةٍ مع الصين في بعض الحالات.

ماكغورك كشف في كلمةٍ ألقاها من على منبرِ “حوار المنامة” السّنوي أمس أن “القوّات الأمريكيّة كشفت، ومنعت، وردعت، تهديدات عسكريّة إيرانيّة وشيكة بشنّ هُجومٍ على المملكة العربيّة السعوديّة”، ورجّح “أنّ هذا الهُجوم لم يَحدُث بسبب التّعاون الأمني الوثيق بين الولايات المتّحدة والسعوديّة، وهو أمْرٌ مُتواصل”.

تصريحات المندوب السّامي الأمريكي هذه الهدف منها “ابتزاز” الدّول الخليجيّة، واستِخدام “البُعبُع” الإيراني مجددًا “كفزّاعة” لإرهابها، ودفعها للعودة إلى الحظيرة الأمريكيّة، وتجديد العلاقات معها، بعد تمرّدها، أيّ الدّول الخليجيّة، على الهيمنة الأمريكيّة، بالتمسّك باتّفاق “أوبك بلس” مع روسيا، وإنقاذ اقتصاديّاتها من الانهيار.

لا نعرف كيف عرف ماكغورك ودولته بهذا الهُجوم الإيراني على السعوديّة، ولم يَقُل لنا ما هي الأدلّة التي استند إليها، وكيف تمّ إحباطه، ولماذا لم نسمع عنه من أيّ دولة أوروبيّة أُخرى، خاصَّةً أنّ سماء مِنطقة الخليج والجزيرة العربيّة مُزدحمةٌ هذه الأيّام بالأقمار الصناعيّة الدّقيقة التي تُصَوّر النّملة على الأرض.

كُلّ القصّة تتلخّص في “ترهيب” المملكة العربيّة السعوديّة الدّولة التي لم “تُطبّع” رسميًّا حتّى الآن على الأقل مع دولة الاحتِلال الاسرائيلي، ودفعها إلى الانضِمام إلى منظومة “سلام أبراهام”، خاصَّةً بعد عودة بنيامين نِتنياهو مُهندس هذه الاتّفاقات إلى السّلطة في دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وبيعها صفقات أسلحة بعشَرات المِليارات للتصدّي لهذا الخطر.

نُدرِك جيّدًا أن العلاقات بين إيران والسعوديّة تعيش حالةً من التوتّر بين الحين والآخر، ولكنّ هذا التوتّر لا يرتقي لدرجة إرسال الصّواريخ والمُسيّرات الإيرانيّة لقصف البُنَى التحتيّة وآبار النفط السعوديّة، وتُعطي قِيادَتا البلدان الأوّليّة للحِوار، وليس المُواجهة، لحلّ الخِلافات مثلما حصل في مُفاوضات بغداد.

“إسرائيل” هي التي تعيش رُعبًا وجوديًّا هذه الأيّام من جرّاء التّهديد الإيراني وامتِلاك إيران منظومات ومُسيّرات وصواريخ مُتطوّرة جدًّا كان آخِرها صاروخ أسرع من الصّوت خمس مرّات، مثلما باتت إيران دولة حافّة نوويّة تملك الخبرة واليورانيوم المُخصّب بنسب عالية (أكثر من 60 بالمئة) وبِما يُؤهّلها لإنتاجِ رؤوسٍ نوويّة في بضعة أشهر، وتُحاول “إسرائيل” إحياء طُموحاتها بدَعمٍ أمريكيٍّ لتوريط دول الخليج في تحالفٍ عسكريٍّ معها قد يتطوّر إلى حربٍ إقليميّةٍ تُدَمّر المِنطقة.

ماكغورك يكذب في وَضَحِ النّهار، ومن المُؤسف أن هُناك من يشتري أكاذيبه هذه في مِنطقة الخليج، فنَحنُ لا يُمكن أن ننسى أن بلاده لم تنجح في حماية أشرف غني وحُكمه في أفغانستان، وهو رئيسٌ مُنتخب، الذي يُقيم حاليًّا مُتَخَفّيًا في أبو ظبي على بُعد عدّة كيلومترات من المنامة، كما أنها لم تصمد (أمريكا) أمام حركة طالبان، ولم تُرسِل جُنديًّا واحِدًا إلى أوكرانيا لمنع الغزو الروسي قبل ثمانية أشهر، أو حِمايتها من القصف الروسي الذي قطع الكهرباء والماء عن أكثر من عشرة ملايين أوكراني، والرّقم في ارتفاعٍ مُتسارع.

القِيادة الإيرانيّة ليست على هذه الدّرجة من الغباء التي يتَصوّرها الأمريكان، بحيث تُقدِم على شنّ هُجومٍ على المملكة العربيّة السعوديّة، وتُوَفّر الذّرائع لأمريكا و”إسرائيل” لغزوها وقصفها، وحتّى لو أرادت هذا الخِيار، فإنّها وبحُكم مُتابعتنا لسُلوكها طِوال الأربعين عامًا الماضية، قد تلجأ إلى الأذرُع العسكريّة المُوالية لها في لبنان والعِراق واليمن للقِيام بهذه المَهمّة نيابةً عنها، تمامًا مثلما فعلت في حرب السّفن ضدّ النّاقلات الإسرائيليّة في البحر الأحمر وخليج عُمان، فهذه الأذرع تملك من المُسيّرات والصّواريخ المُتطوّرة، ومِئات الآلاف من المُقاتلين العقائديين القادرين بِما يُؤهّلها للقِيام بهذه المَهمّة على أكملِ وجْه إذا ما أعطت الضّوء الأخضر.

من المُستَبعد أن تُقدم القِيادة الإيرانيّة على مِثل هذا الهُجوم، لأنّ السعوديّة ودول الخليج الأُخرى، لا تُشَكّل أيّ تهديدٍ مُباشرٍ لها في الوقتِ الرّاهن، بل دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ونتمنّى على هذه الدّول أن تضع حَدًّا لهذا الابتِزاز الأمريكي العسكري فورًا، مثلما وضعت حدًّا للابتِزاز النّفطي الأمريكي الذي استمرّ لأكثر من سبعين عامًا بالاتّجاه شِمالًا وشرقًا إلى الصين وروسيا والنّظام العالمي الجديد الذي يُهندسانه سَوِيًّا، وأوشك على الإطاحة بأمريكا كقُوّةٍ عُظمى ويقوم على تعدّديّةِ الرّؤوس.

“رأي اليوم”