كيف تنجو دول الخليج من الحرب الباردة بين الصين وأمريكا؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1758
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

يسارع زعماء العالم لتحديد استراتيجيتهم في التعامل مع حرب باردة حتمية بين الولايات المتحدة والصين.
ولا يعتبر زعماء الخليج استثناء في هذا الصدد، إذ يدركون أن حدوث مثل هذه الحرب قد يجبرهم على الاختيار بين واشنطن وبكين، مما سيكون له تداعيات كبيرة على استقرار المنطقة.
وبما أن دول الخليج لديها اعتماد أمني على الولايات المتحدة واعتماد اقتصادي على بكين، فإنها تخشى أن يفرض عليها الانحياز لأحد الجانبين.

الأمن مقابل الاقتصاد
تهدد مخاطر الحرب الباردة الصينية الأمريكية دول مجلس التعاون الخليجي، أكثر من معظم المناطق الأخرى في جميع أنحاء العالم.
فقد كانت الولايات المتحدة الضامن الأمني ​​الرئيسي للمنطقة منذ حرب الخليج الأولى في الفترة 1990-1991 ويتجلى ذلك في وجودها العسكري الواسع، من مقر القيادة المركزية الإقليمية في قطر إلى مقر الأسطول الخامس في البحرين، وكذلك القواعد الأمريكية في الإمارات وعُمان والكويت والعراق والسعودية.
وتعني هذه البصمة العسكرية الأمريكية أن واشنطن لها تأثير سياسي وأمني ممتد في عواصم الخليج. 
وبالتوازي مع خطاب إدارة "ترامب" حول خفض القوات الأمريكية، فقد نجحت في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وكذلك تعزيز العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
كما نجحت إدارة "ترامب" في تحويل الحرب الباردة بين قطر والرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) إلى "سلام بارد".
أما الصين، فقد برزت كأهم مستورد للنفط من دول الخليج بشكل متزامن مع الاعتماد الأمني ​​للمنطقة على الولايات المتحدة، لدرجة أن دول الخليج قدمت نحو 28% من احتياجات الصين النفطية، قبل الوباء والتباطؤ الاقتصادي الذي أعقبه.
وقامت السعودية بتصدير ثلث نفطها إلى الصين في مايو/أيار 2020، بينما صدر العراق نصف نفطه إلى الصين في نفس الشهر.
وبالنظر إلى اعتمادية دول مجلس التعاون الخليجي على صادرات النفط، فإن ارتباطها الاقتصادي بالصين يتصاعد، خاصة في ضوء الوباء والتراجع الاقتصادي العالمي.
وتعتبر أحد النقاط التي يتجلى فيها الخلاف بين شركات التكنولوجيا الصينية والولايات المتحدة وحلفائها، هو شبكات الجيل الخامس.
ففي عهد إدارة "ترامب"، أطلقت واشنطن "مبادرة الشبكة النظيفة"، والتي التزم بموجبها أكثر من 53 حليفًا للولايات المتحدة بالتخلي عن التكنولوجيا الصينية - وخاصة هواوي و ZTE - من شبكات الجيل الخامس وسلاسل الإمداد الخاصة بها.
ولكن الانتقال من "دونالد ترامب" إلى "جو بايدن"، أعطى العواصم الخليجية مساحة لمعالجة سؤال الجيل الخامس والنظر في التحديات الأوسع التي تشكلها حرب مستقبلية باردة بين أمريكا والصين.

تشكيل سياسة "بايدن" الخارجية
من المرجح أن تحافظ واشنطن على وجود كبير في منطقة الخليج، ولكنها ستجري إعادة معايرة للوجود العسكري العالمي في عهد إدارة "بايدن"، وفقا لاحتياجاتها الاستراتيجية الجديدة، خاصة تركيزها المتزايد على منطقة المحيط الهادئ والهندي.
وعلاوة على ذلك، فإن الانتقال من "ترامب" إلى "بايدن" لا يعني إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث يوجد إجماع متنامي من الحزبين حول تحدي الصين، وكذلك الدعم للعديد من السياسات ذات الصلة، التي شجعتها إدارة "ترامب".
وستكون منافسة القوى العظمى، خاصة مع الصين، العدسة الأساسية التي ستقوم من خلالها الولايات المتحدة بتقييم تحالفاتها في كل مناطق العالم.
منذ حملته الرئاسية، دعا "بايدن" لاستضافة قمة تجمع الدول الديموقراطية لمواجهة التحديات التي تمثلها الأنظمة الاستبدادية مثل الصين.
ويخشى زعماء الخليج من أن التحالف الجديد في واشنطن لن يقتصر على الدول الديموقراطية، وإنما سيمتد في نهاية المطاف إلى مجموعة واسعة من الدول في محاولة لجعل ميزان القوى يميل لصالح الولايات المتحدة.
ومن المرجح أن تتردد دول الخليج في أن تكون جزءا من تحالف الولايات المتحدة ضد الصين، لأن مثل هذه الخطوة لن يكون لها عواقب اقتصادية واضحة فحسب، وإنما ستؤثر على الحسابات الاستراتيجية في المنطقة.
وبالرغم من الطموحات الأمريكية؛ فإن هناك اعتقادًا واسعا في الخليج بحتمية الصعود الصيني، وقد تعاقب بكين الدول التي تنحاز إلى واشنطن لعرقلة هذا الصعود.

النجاة على المدى القصير
وبالنظر إلى الحاجة العاجلة لضمانات أمنية أمريكية ضد إيران ووكلائها، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ليست لديها فرص كبيرة للمناورة والنأي بنفسها عن الحرب الباردة الأمريكية الصينية.
لذلك، ستحتاج عواصم الخليج إلى إيجاد منطقة وسط بين الولايات المتحدة والصين إذا كان هناك ضغوط أمريكية مستمرة على الحلفاء الإقليميين لمنع أو حظر "هواوي" من شبكاتها للجيل الخامس.
وقد تحاكي دول الخليج النموذج الفرنسي من خلال فرض حظر على تجديد تراخيص معدات "هواوي"، لكن مثل هذه الخطوة ستمنع أيضا شركات الاتصالات من الحصول على تكنولوجيا "هواوي" الجديدة وإنشاء جدول زمني في نهاية المطاف لإزالة تدريجية لمنتجات "هواوي" الحالية.
ومع ذلك، فإن هناك مخاوف خليجية من أن هذه الخطوة ستحفز قيام بكين برد قاسي مماثل للحرب التجارية المستمرة بين الصين وأستراليا.
ويرى البعض أن التهديد بالحظر غير الرسمي لـ"هواوي" قد يكون حافزًا كافيًا لبكين كي تغير استراتيجيتها الخليجية، مما يدفعها للابتعاد عن إيران لصالح علاقة استراتيجية أكثر مع الخليج، تتجاوز النفط.

النجاة على المدى الطويل
تدرك دول الخليج أنها بحاجة في نهاية المطاف إلى تعزيز وضعها الاستراتيجي، من خلال تجنب الانحياز الانحياز لأحد الجانبين في المنافسة الجيوستراتيجية طويلة الأجل بين الولايات المتحدة والصين.
ولتحقيق الاستقلالية التي تسعى إليها دول الخليج، تإن ذلك سيتطلب التركيز على بناء القدرات العسكرية حتى تتمكن من الوقوف ضد منافسيها – وخاصة إيران - وتنويع تحالفاتها فيما يتجاوز الولايات المتحدة، بحيث تتضمن المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والهند واليونان وإسرائيل.
وسيستغرق تحقيق الاستقلال الاستراتيجي عدة سنوات وموارد كبيرة، لكنه سيكون ضرورة في مواجهة الديناميات الجيوسياسية المتغيرة في المنطقة.

المصدر | محمد سليمان/ معهد الشرق الأوسط. - ترجمة وتحرير الخليج الجديد