“اقتِحام الحرم المكّي” بعُيونٍ سعوديّة: مُصادرة البيعة ومُبايعة المهدي وتطرّف السلفيّة وغياب المُساندة الفرنسيّة الأردنيّة..
“العاصوف” يُعيد “جهيمان العتيبي” إلى الواجهة ويُذكّر بفترة السبعينات “الغزليّة”.. كيف تُطوّع المملكة الدراما والإعلام في حربها على الإسلام السياسي وإيران وخدمة مشروعها الانفتاحيّ؟
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
تبدو الدراما السعوديّة، أكثر انفِتاحاً هي الأُخرى، على شاكِلة مسيرة الانفتاح والتّغيير التي يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان وليّ العهد في البِلاد، بالأمس القريب كانت المحظورات السياسيّة والدينيّة مفروضةً على الإعلام، وإنتاجه المحلّي، وكان “النّقد” في السياق المُتاح المُباح، لا يتعدّى مشهداً “كوميديّاً” من دراما المملكة الأشهر “طاش ما طاش” لرجل دين يُطيل لحيته بشكلٍ ساخر، ويرفع ثوبه في إطار فُكاهي، ويتبع لهيئة الأمر بالمعروف، والنّهي عن المُنكر.
اليوم، تصِل الدراما السعوديّة، إلى نطاقٍ أوسع، وتتناول حد الحديث في “بيعة” العائلة الحاكمة “آل سعود”، بطل العمل هو ذاته المُتّهم بالليبراليّة الفنان ناصر القصبي، اليوم فيما يبدو أنّ الرجل بات اليد الضّاربة للمشروع الانفتاحي الذي تُريده الدولة، وطالما كان يحلم به الرجل في بلاده، فهو فنّان طالما قدّم نفسه في الضفّة المُقابلة للمُتشدّدين السلفيين، أو الإسلاميين، الذين تداعت “قواهم الخارقة” في البِلاد، على حد توصيف صحافي سعودي لكاتب هذه السطور.
“العاصوف”، هو الجزء الجديد من رحلةٍ طويلةٍ سار بها القصبي، وجيله الحالم بالانفتاح، الدولة السعوديّة بلا شك تبحث عن أصحاب ذلك التطلّع، فهي تزج بالإسلاميين، خلف القُضبان، وتُريد أو يُريد وليّ عهدها الأمير بن سلمان كما يقول، عدم قضاء المُتبقّي من عُمره، وهو يُحارب التطرّف الإسلامي، فهو اليوم كما يُقدّم نفسه، زعيم الإسلام الوسطي المُعتدل، لكن ثمّة نُشطاء، وناشطين من غير الإسلاميين، يتساءل نُشطاء يخضعون للمُحاكمات أيضاً، والتي تقول السلطات إنها عادلة، وتسير حسب القانون في سِياق الاتّهامات بالتّعامل والتآمر مع “جهاتٍ أجنبيّةٍ مشبوهةٍ”.
مسلسل “العاصوف” جاء مثالاً واقعيّاً، للفكرة التي يجرى ترويجها في العربيّة السعوديّة، فالأخيرة كانت في السبعينات، مُنفتحة، وشأنها شأن المُجتمعات العربيّة الأخرى، لكن أهل الصحوة، ومن قبلهم السلفيين، “اختطفوا” البلاد ثلاثين عاماً، وأضاعوها، المسلسل المذكور يعود لفترة الانفتاح في تلك الفترة السابقة، ويُسقط عليها ربّما يقول مُنتقدون له إرادةً سياسيّة أكثر منها دراميّةً بحتة.
العمل يُصوّر السعودي، بأنه كان مُغازلاً من الدرجة الأولى، بل إن ذلك المجتمع كان فيه من علاقات الزنا، وتبادل الرسائل الغراميّة، بل والإنجاب من العلاقات المُحرّمة، التي تنص عُقوبات المملكة، على جلد غير المُحصن، والرجم حتى الموت للمُحصن المُتزوّج، وهي أحكام كانت تقول السلطات السعوديّة أنها مُستمدّةٌ من الشريعة الإسلاميّة، لكنها وللمُفارقة كانت دارجةً في فترة السبعينات.
المسلسل الذي يتصدّر الدراما الخليجيّة تفاعُلاً على منصّات التواصل وتحديداً “تويتر”، كما نقل برنامج “المشهديّة” على شاشة “الميادين” في تقريرٍ اعتمد على نسبة وصول العمل للمُشاهدين، فغابت عنه الأرقام المُوثّقة، وفي مُقارنةٍ غابت عنها الدراما الكويتيّة الأكثر حُضوراً وأسبقيّةً، لكنّه ثبُتَ تصدّره سعوديّاً بالأكثر تداولاً في وسوم “تويتر” كما رصدت “رأي اليوم”، يُثير الجدل بين النّشطاء، بل إن ضفّة المُنتقدين تبدو خانقةً مُتحفّظةً على العمل، وتُطالب بمنع عرضه، فجيل السبعينات لا يزال بعضهم على قيد الحياة، ويعرفون تماماً كيف كانت الحياة في تلك الحقبة، ويقولون إنّهم اليوم نِتاج تلك الحقبة الزمنيّة التي كان فيها من الورع والتقوى، وليس كما يقول صُنّاع العمل، بأنهم رصدوا الواقع فيها، وقدّموه.
المُفاجأة الأكبر كانت في جُرأة العمل على تقديم حادثة “احتلال” الحرم المكّي أو اقتحامه نوفمبر العام 1979، وفي ذات الفترة الزمنيّة، على يد المدعو جهميان العتيبي، الذي كان ضابطاً في الحرس الوطني، ومن ثم تم فصله، وسجنه، ومن ثم الإفراج عنه، وهو يتبع الجماعة السلفيّة المُحتسبة، ويبدو أنّ العمل أعاد إنشاء مسرح العمليّة، الذي هو داخل الحرم المكّي، وتدرّج بالأحداث دراميّاً حتى لحظة النهاية.
العمل في إطاره الدرامي، وللمُفارقة في توقيت عرضه، أشار إلى تمويل خارجي مُعادي من دولة إسلاميّة (إيران) للعتيبي ورفاقه، هدفه إسقاط نظام الحُكم، والذين أيضاً كانوا يرغبون بانتزاع البيعة من “آل سعود” كما أظهر حوار في أحد مشاهد حلقة اقتحام الحرم، لصالح مُبايعة المهدي المُنتظر، حيث قدّم العتيبي نفسه على أساس أنه هو المُنتظر، كما وأظهرت المشاهد نيّته إجبار المُصلّين على تلك البيعة.
اللّافت في الحلقة الأكثر جدلاً بين السعوديين من المسلسل الرمضاني في موسمه الثاني، يقول مُنتقدون أنها لم تتطرّق إلى استعانة السلطات السعوديّة، بقوّات فرنسيّة، وأخرى أردنيّة، للتعامل مع الحدث، وفشلها في إنهائه بدون خسائر بأرواح قوّاتها، وتفادياً لتصفية المُصلّين، واقتصرت المشاهد على تصوير الجهاز الأمني السعودي، بذلك الاقتدار، والسيطرة، كما والإشارة اللافتة إلى حرص القيادة السعوديّة في حينها، على حياة المُصلّين، وعدم المُبادرة إلى أيّ عمليّة عسكريّة من شأنها تدنيس حرمة الحرم، الذي لا يُفترض أن يدخل إليه السلاح، والذخيرة بالصفة القدسيّة التي يتمتّع بها.
ونجح العتيبي ورفاقه بإدخال السلاح إلى الحرم بنعوش بتبرير الصلاة عليها، ومن ثم انتشروا في المكان، وأحكموا السيطرة عليه، واستمرّت الحادثة لمُدّة أسبوع، تقول مصادر صحفيّة أنه سقط خلالها المئات بين قتلى وجرحى من القوّات السعوديّة، وانتهت باقتحام قوّات أجنبيّة الحرم، واستسلام المُقتحمين (200- 600) مُسلّح، وإلقاء القبض عليهم، وإعدامهم لاحقاً، وعلى رأسهم العتيبي.
وتُشير الصحافة الأردنيّة عادةً إلى من تصفه بمُحرّر الحرم المكّي، وهو اللواء الراحل اللواء الركن أحمد علاء الدين أرسلان الشيشاني، باعتباره أحد أكبر القادة العسكريين الذين عرفتهم البلاد، ومُساهمته الشهيرة في الحادثة المذكورة، وتخليص الحرم من اقتحام العتيبي، وهو الوحيد الحاصل على وسام الإقدام العسكري لمرّتين في الأردن، لكن الأحداث في المسلسل السعودي لم تتطرّق أبداً إلى أيّ استعانة بقوّات غير سعوديّة.
وتأتي حلقة دراما “العاصوف”، بعد حلقة وصفها مُتابعون بالناريّة المُفاجئة، للشيخ عائض القرني، الذي اعتذر فيها عن تاريخه الدعوي الصحوي، وأكّد أنه سيف من سيوف الدولة، كما هاجم قطر، وجماعة الإخوان المُسلمين، وحمّلهم مسؤوليّة أفكاره، وتحريضهم على بلاده، وهو الاعتذار الذي رفضه بدوره نجم العمل “العاصوف” ناصر القصبي، حيث يقول مُنتقدون لسياسات المملكة، بأنه والقرني وغيرهم من المُتبقّين يُنفّذون تعليمات، ليس لهم فيها إلا التّنفيذ، لكن الصحافة السعوديّة المحليّة، تقول إنّه عصر الحريّة، وأنّ الصّمت والتعتيم ليس من صفات هذا العصر الانفتاحي، ودليلهم يقولون إنّ الإعلام، والدراما يُناقشون، كُل ما كان بالأمس خُطوطاً حمراء، وهو ما يخدم بكُل الأحوال يقول مراقبون، الإرادة السياسيّة في البِلاد.