واشنطن بوست: خمس أساطير عن السعودية
ترجمة وتحرير الخليج الجديد
يصعب فهم المملكة العربية السعودية، وبفضل ما تتمتع به من ثروة نفطية لا حدود لها وتأثير هائل في الشؤون العالمية، لا يزال قادتها يشعرون بالخطر الكافي لدرجة أنهم يسجنون الخصوم ويغتالون النقاد مثل "جمال خاشقجي" في الوقت الذي نجد فيه أن الأساطير حول المملكة وشؤونها تستمر في الازدهار.
الأسطورة الأولى: السعودية شريك ضد إيران
يرى الرئيس "ترامب" أن العالم بحاجة إلى حلف لمواجهة إيران تلعب المملكة العربية السعودية دورا مركزيا فيه، ويجادل محللون مثل "أنتوني كوردسمان" بأن السعودية شريك أمني مهم لكن المملكة العربية السعودية ليست شريكا فاعلا للولايات المتحدة في هذه العملية.
فعلى الرغم من زيادة إنفاقه على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية -السعودية ثالث أكبر مشتر للأسلحة في العالم- لا يستطيع النظام السعودي خوض حرب بمفرده ولا يمكنه مواجهة إيران بشكل فعال في نزاع بالوكالة، وفي عام 2015، شن السعوديون حربا في اليمن جزئيا لوقف النفوذ الإيراني على حدودهم الجنوبية. بعد أربع سنوات تقريبا، نجح السعوديون فقط في تدمير البلاد، وزادوا نفوذ إيران بين المتمردين الحوثيين هناك وجعلوا المدن السعودية عرضة لصواريخ الحوثي.
وفي لبنان، لم تؤد الجهود السعودية إلا إلى جعل حزب الله المدعوم من إيران أكثر قوة. وفي العراق، قام القادة السعوديون بتوظيف مناصرين مقيمين في صفوف المتمردين السنة والعلمانيين وحتى المتطرفين، على أمل التأثير في السياسة العراقية لمواجهة إيران ولكن جهودهم باءت بالفشل.
الأسطورة الثانية: السعوديون أصوليون إسلاميون
يبدو أن المملكة لديها موهبة مؤسفة في إنتاج إرهابيين أصوليين، فلا ينسى أحد أن 15 من الخاطفين الـ19 في 11 سبتمبر/أيلول 2001، وكذلك "أسامة بن لادن" نفسه كانوا سعوديين. لكن في حين أن الوهابية هي أيديولوجية الدولة، فإن الكثير من السعوديين لا يوافقون عليها حيث ينتشر التيار المعتدل في المجتمع السعودي، كما أن السعوديين بشكل عام أقل تدينا من العديد من الشعوب في دول الشرق الأوسط الأخرى.
في الجمهوريات العربية الأخرى، بما في ذلك مصر وسوريا والجزائر، ارتفعت الأصولية الإسلامية كرد فعل على الأنظمة العلمانية، ولكن في المملكة العربية السعودية، كانت الأصولية نتاجا لعمل الدولة، ولم تصبح حركة اجتماعية حقيقية. وعلى الرغم من أن أقلية من السعوديين أيدت هذا المشروع، إلا أن الغالبية بقيت غير مقتنعة، ورفض العديد منهم بشدة الانضمام إليها.
لكن المشكلة في المملكة هي أن المجال العام الذي تسيطر عليه الدولة مغلق أمام الانتقادات المباشرة لسياساتها الإسلامية. والأصوات السعودية الحرجة التي رفضت الأصولية، بما في ذلك الناشط "رائف بدوي" والكاتب "حسن فرحان المالكي"، تم إسكاتهم وسجنهم وتعرضوا للعقاب البدني.
الأسطورة الثالثة: السعودية حليف ضد الإرهاب
قال "ترامب" في أكتوبر/تشرين الأول، مؤكدا الحكمة التقليدية حول قدرة المملكة للمساعدة في احتواء العنف السياسي الإسلامي "نحن بحاجة المملكة العربية السعودية في كفاحنا ضد جميع أشكال الإرهاب"، وأشاد تقرير لجنة 11 سبتمبر/أيلول في عام 2004 بالمملكة العربية السعودية لأنها "تناقش علنا مشكلة التطرف، وتواجه الإرهابيين مما أدى إلى انخفاض الدعم الرسمي للنشاط الديني في الخارج".
لكن الدولة السعودية لعبت دورا مركزيا في نشر الأيديولوجية الأصولية التي بررت الإرهاب في جميع أنحاء العالم. وكان حصار المسجد الحرام في مكة عام 1979، وأنشطة القاعدة في أفغانستان في الثمانينات، وهجمات 11 سبتمبر/أيلول على نيويورك والبنتاغون، وصعود "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا في عام 2014 أمورا مبنية على فكرة "الجهاد ضد الكفار"؛ وتوقعت الرياض أن ينطلق الأصوليون للجهاد في الخارج وأن يظلوا مطيعين في وطنهم، لكن هذه السياسة جاءت بنتائج عكسية، حيث استهدف المقاتلون الحكومة في نهاية المطاف.
والآن، فإن جودة العمل الاستخباراتي السعودي حول الإرهاب آخذة في التراجع، وذلك وفقا لما قاله "بروس ريدل"، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض، منذ أن قام ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" بطرد رئيس المخابرات السابق، وإحكام سيطرته على الأجهزة الأمنية.
الأسطورة الرابعة: السعودية تشهد إصلاحات ثورية
ذكرت صحيفة "الغارديان" في عام 2017 أن "التحول الذي بدأته القيادة السعودية الجديدة للملك "سلمان" وابنه ووريثه الأمير "محمد"، قد هز بالفعل معظم أركان البلاد". وفي صحيفة "نيويورك تايمز" العام الماضي، أشاد "توماس فريدمان" بولي العهد السعودي وثورته الإصلاحية التي شملت "إجراء حملة لمكافحة الفساد، وإنهاء الحظر على قيادة المرأة، وإعادة تقديم الترفيه، وإعداد الاقتصاد لعصر ما بعد النفط". وعلى عكس الثورات الأخرى، كتب "فريدمان": "هذه ثورة من الأعلى إلى الأسفل".
وتسخر هذه الفكرة من مفهوم الثورة والإصلاح. فالثورة هي الإطاحة الكاملة بالحكومة والنظام الاجتماعي، وهو ما لم يحدث في السعودية. ولا تعتبر دور السينما والمسارح والسيرك رموزا للتحول الحقيقي. وقد يستمتع الشباب بهذه التغييرات السطحية في الوقت الحالي، لكن الحكومة لا تزال ملكية مطلقة، وتتركز السلطة في أيدي فرد واحد بشكل أكبر والتحول الاقتصادي متعثر، مع ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 12%، وأصبح النظام الاجتماعي أكثر تقييدا وقمعية وخطورة ويعتقل رجال الدين الناقدون والناشطات. وكما ظهر في قتل "خاشقجي"، يتم استخدام الرعب لمنع التغيير السياسي الحقيقي.
الأسطورة الخامسة: السعودية قوة استقرار في الشرق الأوسط
جادلت "مارسيل وهبة"، وهي سفيرة أمريكية سابقة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، في عام 2017 بأن دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، تساعد في الحفاظ على الاستقرار. وكتبت: "دول مجلس التعاون الخليجي هي في جوهرها ممالك ذات توجهات قائمة على الحفاظ على الوضع الراهن، وتعتبر الاستقرار الإقليمي هدفا جوهريا".
وقال الجنرال "جوزيف فوتيل"، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول إنه لا يوجد تغيير في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، على الرغم من الغضب الشعبي إزاء مقتل "خاشقجي". وقال إن "المملكة العربية السعودية قائد مهم ومؤثر بشكل غير عادي في العالم العربي. وكثيرا ما يتطلع شركاء آخرون في المنطقة إلى المملكة العربية السعودية لتولي زمام القيادة والتوجيه وكيفية التعامل مع مخاوف أمنية أوسع نطاقا".
غير أن الوضع الراهن يثبت أن المملكة هي أحد المصادر الرئيسية لعدم الاستقرار في المنطقة. وقد جاءت الانتفاضات العربية عام 2011 في وقت بدا فيه هذا الوضع الراهن للحكم الاستبدادي ينفجر تحت ضغط ديمغرافي واقتصادي وسياسي من قوى مؤيدة للديمقراطية حقا. وقد عملت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها من الخليج على مواجهة الثوريين العازمين على تغيير الحالة الأوتوقراطية.
وفي مصر، أعادت الأموال السعودية ترسيخ حكم الدكتاتور "عبدالفتاح السيسي" العسكري، وعززت القمع والركود السياسي. وفي سوريا نجحت الرعاية المالية والعسكرية السعودية لبعض المتمردين في خنق القوى الديمقراطية وبدأت حربا أهلية طائفية. وفي البحرين، أدى التدخل العسكري السعودي المباشر إلى عكس سنوات من التعبئة الجماهيرية وسحق المعارضة.
ومن خلال حصار قطر ومعاقبتها على قوتها الإعلامية ودعمها لـ"الإخوان المسلمون"، تسببت الإجراءات السعودية في تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى ائتلاف إقليمي صوري قد لا يتعافى أبدا.
ومع إجبار رئيس الوزراء اللبناني " سعد الحريري" على الاستقالة في الرياض عام 2017 (رغم أنه ألغى استقالته بعد شهر) هددت المملكة بزعزعة استقرار دولة عربية أخرى. وحدث الأسوأ في اليمن، حيث ضمن اتفاق بوساطة دول مجلس التعاون إعطاء الأمان لرئيسه المخلوع "علي عبدالله صالح" الذي انقلب بعد ذلك ضد رعاته السعوديين. ومنذ عام 2015، شن السعوديون غارات جوية على اليمن أدت إلى أزمة إنسانية كارثية وتدمير كامل للبلاد.
وتعكس مثل هذه الإجراءات سياسة الرياض العدوانية في المنطقة، والتي يعد الغرض الرئيسي منها هو الحفاظ على الملكيات والجمهوريات السلطوية في العالم العربي بدلا من خلق استقرار طويل الأمد.
المصدر | مضاوي الرشيد - واشنطن بوست