القضاء المصري يثبت قرار إبطال اتفاقية تمنح السعودية السيادة على جزيرتي “تيران” و”صنافير” في البحر الأحمر
من شأنه أن يعقد العلاقات الباردة أصلا مع المملكة.. وانتقادات ومطالبات برحيل الحكومة
القاهرة ـ (أ ف ب) – ثبتت المحكمة الإدارية العليا في مصر الاثنين قرارا قضائيا ببطلان توقيع الحكومة على اتفاقية تمنح بموجبها مصر السعودية السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، ما من شأنه أن يعقد العلاقات الباردة أصلا مع المملكة، فينا دعت قوى سياسية مصرية، اليوم الإثنين، إلى رحيل الحكومة.
وأصدرت المحكمة الادارية (الدرجة الاولى في مجلس الدولة) في 21 حزيران/يونيو 2015 قرارا ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية “المتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير” للرياض. وكانت القاهرة والرياض وقعتا هذه الاتفاقية المثيرة للجدل اثناء زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة في نيسان/إبريل الفائت.
وقال القاضي في جلسة النطق بالحكم إن “سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها. وان الحكومة لم تقدم وثيقة تغير ما ينال من الحكم السابق”.
وأضاف “لهذه الاسباب وغيرها، حكمت المحكمة بإجماع الآراء برفض طعن الحكومة”.
وشدد القاضي على أن “جيش مصر لم يكن ابدا قديما او حديثا جيش احتلال ولم تخرجه مصر خارج حدودها الا دفاعا عن ارضها”.
وقال الرئيس الاسبق لمجلس الدولة محمد حامد الجمل لوكالة فرانس برس “طبقا لاحكام قانون مجلس الدولة، هذا حكم نهائي”.
لكنه اعتبر ان الحكم “يتناقض مع الدستور والقانون الذي يقر بعدم اختصاص القضاء الاداري في دعاوى اعمال السيادة التي تشمل الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية تيران وصنافير”.
وأشار الجمل إلى أن “الحكومة يمكن ان تطعن مجددا امام محكمة الامور المستعجلة لوقف تنفيذ الحكم وكذلك امام المحكمة الدستورية العليا لان الحكم مخالف للدستور والقانون”.
وأقيمت الجلسة في مبنى مجلس الدولة في القاهرة وسط حراسة مشددة من عناصر وآليات الشرطة التي انتشرت حول المكان، بحسب ما افاد صحافي في وكالة فرانس برس.
وفور النطق بالحكم، أنشد عشرات من معارضي الاتفاقية النشيد الوطني المصري، فيما تصاعد هتاف “الجزر مصرية”.
ورفع البعض أعلاما مصرية كتب عليها “تيران وصنافير مصرية”، وهو الهاشتاغ الذي استخدم بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي.
– أهمية “تاريخية” –
ورغم تراجع الاهمية الاستراتيجية، بحسب الخبراء، لجزيرتي تيران وصنافير غير المأهولتين واللتين تتحكمان في مدخل خليج تيران، الممر الملاحي الرئيسي للوصول الى ميناء إيلات الاسرائيلي على خليج العقبة، الا ان المصريين الذين شاركوا في الحروب العربية-الاسرائيلية قبل ان تصبح مصر اول بلد عربي يوقع معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1979، لا يزالون يتذكرون حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967.
فقد كان اغلاق خليج تيران امام السفن الاسرائيلية بقرار من جمال عبد الناصر في 23 ايار/مايو عام 1967 شرارة أشعلت بعد اقل من اسبوعين الحرب العربية-الاسرائيلية الثالثة التي احتلت خلالها اسرائيل هضبة الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وجزيرتي تيران وصنافير اللتين كانتا آنذاك في حماية الجيش المصري.
وعند ابرام اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل عام 1978، وضعت الجزيرتان مثل بعض اجزاء من شبه جزيرة سيناء ضمن ما يعرف ب “المناطق ج” حيث يمنع اي تواجد للجيش المصري ويسمح فقط بانتشار عناصر من الشرطة.
ويعود اهتمام السعودية بالجزيرتين الى “اسباب تاريخية اكثر من اي شيء آخر”، اذ ان المملكة اعتبرتهما دائما اراضي سعودية.
ووصف السفير السابق والمحامي معصوم مرزوق الذي شارك في حرب 1973 الحكم ب”التاريخي”.
وقال مرزوق في قاعة المحكمة لفرانس برس “تلك الجزيرتان مصريتان ولا توجد قوة في العالم يمكن أن تأخذهما منا”، فيما كان معارضو الحكومة يهتفون “عيش (خبز) حرية الجزر مصرية”.
– تعقيد للعلاقات الثنائية –
وتتهم المعارضة المصرية الحكومة بأنها “باعت” الجزيرتين للسعودية لقاء الحصول على دعم اقتصادي وسياسي، مشيرة الى انه لم يسبق ان مارست السعودية عليهما ايا من مظاهر السيادة.
وكانت الحكومة بررت قرارها بالقول ان “العاهل السعودي الراحل الملك عبد العزيز آل سعود كان قد طلب من مصر في يناير 1950 أن تتولى توفير الحماية للجزيرتين”، وان الاتفاقية استندت الى قرار جمهوري اصدره الرئيس الاسبق حسني مبارك وابلغ به رسميا الامم المتحدة في ايار/مايو 1990 “يجعل جزيرتي تيران وصنافير داخل المياه الاقليمية السعودية”.
وكانت الرياض أكبر داعم لنظام عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش السابق الذي أطاح الرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، إذ ضخت مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد المصري المنهك.
إلا أن الخلاف حول بعض الملفات الإقليمية ألقى بظلاله على العلاقات بين البلدين. ويغضب موقف القاهرة القريب من روسيا، الداعم الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد، الرياض التي تدعم المعارضة.
ويقول المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية شبه الحكومي السفير السيد أمين شلبي أن القاهرة والرياض أمام سيناريو من اثنين يختبران من خلاله “علاقتهما الاساسية والمهمة” للشرق الاوسط.
ويضيف ان هناك “سيناريو يحمل حكمة من قادة البلدين ينأى بعلاقتهما عن الخلاف حول الجزيرتين، أو سيناريو يأخذ شكلا من التوتر وعدم التعاون”.
ولم تعد امدادات شركة ارامكو السعودية بالنفط لمصر منتظمة خلال الفترة الاخيرة.
ويقول المستشار الجمل “البرلمان هو المختص بالنظر في الاتفاقيات الدولية ولا يزال بامكانه الموافقة عليها وتمريرها. لكننا سنكون امام وضع قانوني غريب ومتناقض”.
وفي مؤتمر صحفي بمقر حزب “الكرامة” اليساري، غربي القاهرة، طالب زهدي الشامي، القيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي (يساري)، بسحب الثقة من الحكومة الحالية.
وشدد أن “القضاء المصري لا يزال حصناً منيعاً أمام السلطات المستبدة”.
من جانبه، طالب طلعت فهمي، أمين عام حزب التحالف الاشتراكي (يساري)، من أقروا اتفاقية تبعية “تيران” و”صنافير” للسعودية بأن “يعتذروا أو يرحلوا”.
وفي تدوينات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وصف سياسيون الحكم القضائي بأنه “تاريخي”، مع مطالب برحيل النظام وحكومته.
أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط (معارض)، وخالد علي أحد مقيمي الدعوى ببطلان الاتفاقية، وصفا الحكم بأنه “تاريخي”.
وكذلك رحب المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي بحكم المحكمة.
بينما دعت حركة 6 أبريل المعارضة، في بيان اطلعت عليه الأناضول، إلى “محاكمة من أقر الاتفاقية”.
من جانبها، رحبت جماعة الإخوان المسلمين بالحكم.
ولفتت الجماعة، في بيان لها، إلى أن الحكم يؤكد أن “النظام المصري ارتكب جريمة، ولذلك يجب أن يرحل هو وحكومته”.
أما محمد البرادعي، نائب الرئيس السابق، فقال في تدوينة له عبر حسابه بموقع “تويتر”، “عسى أن نفهم أن الأوطان لا تُبنى إلا بالعدل وسيادة القانون”.
وتابع “آمل أن يكون حكم اليوم بداية صحوة ووقفة مع النفس لتغيير وتقويم المسار.. السيادة للشعب”.
وأضاف البرادعي أن “الدروس المستفادة من مشهد اليوم: اتفاق على هدف، عمل جماعي منظم، اعتماد على العلم والكفاءة، إنكار الذات.. عندما توجد الإرادة نجد الطريق”.
وقال ائتلاف دعم مصر (صاحب الأغلبية في البرلمان)، في بيان له، إن “الحكم لن يغيّر من حقيقة اختصاص مجلس النواب (البرلمان) بنظر المعاهدات والاتفاقات الدولية”.
وأضاف الائتلاف أن “الدستور أقر مبدأ الفصل بين السلطات، وأوجب على جميع السلطات احترامه، ومجلس النواب يرعى هذا المبدأ ويحرص عليه، ولذلك سيكون المجلس حريصًا على ممارسة دوره الدستوري في النظر بالاتفاقيات الدولية ولن يفرط فيه”.
في المقابل، أكد البرلماني ضياء الدين داود، عضو “تكتل 25-30″ المعارض، أن “الحكم نهائي، والاتفاقية أصبحت منعدمة ولا يجوز للبرلمان النظر فيها”.
وفي وقت سابق اليوم، قال وزير العدل الأسبق، أحمد مكي، للأناضول إن “الحكم نهائي وواجب تنفيذه من الحكومة، وملزم للبرلمان، ولا يمكن تجاوزه”.
وشدد أن “أي شيء بخلاف ذلك هو نيل كبير من هيبة الأحكام والقضاء”.
ولم يصدر أي تعليق فوري من السلطات المصرية على الحكم، وكذلك لم يصدر أي تعليق من الجانب السعودي.
وكانت اتفاقية تيران وصنافير أثارت احتجاجات وتظاهرات غير مسبوقة منذ عامين ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي قمعتها الاجهزة الامنية.