“السعودية” تُجبر على الرد.. وإصرار على “السلام” مع الصهيونية
تتسارع التصريحات السياسية من الجانبين الأميركي والصهيوني المحرجة للجانب السعودي، لا يكاد الأخير يختم محطة تصريحات، إما بالإغفال عنها وإما بالتنديد بها على قاعدة “مجبر أخاك لا بطل”، حتى تبدأ محطة أخرى. وكانت تصريحات الأسبوع لشَخصي ترامب ونتنياهو، بتصريحات أُجبرت “السعودية” على إثرها النطق بغير قناعاتها رافضة الحديث الصريح عن صورتها الحقيقية لدى الأميركي والصهيوني. وبعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائلة أن السعوديين حقيقة الأمر لا تعنيهم بند الدولة الفلسطينية في إطار صفقة التطبيع، أتى رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ليصفع “السعودية” مرة أخرى بتصريحات لا تقلّ غرابة عن ترامب، عبر الرد على الكلام السعودي الإعلامي عن إصرار مزعوم تبديه لضرورة إقامة “دولة فلسطينية مستقلة”، عبر اقتراحه بأن يستضيف السعوديون الفلسطينيين وينشؤون لهم دولة على أرض الجزيرة العربية. تصريحات نتنياهو، وبعد التنديد بها من جهات ودول عربية عديدة، و”السعودية” من بينها، أعاد تكرارها الوزير الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي قال: “السلام مع السعودية مهم، لكن أمن دولة إسرائيل أكثر أهمية — لن نوافق على إقامة دولة فلسطينية. وإذا أرادت إحدى الدول العربية تخصيص أراضٍ داخل حدودها لإقامة دولة فلسطينية، فلن نعترض على ذلك. تابع وزير المخابرات: “إذا كان عليّ الاختيار بين إقامة دولة فلسطينية والسلام مع السعودية، فسأتخلى عن السلام مع السعودية، لن تكون هناك حتى تصريحات لإرضاء السعوديين”. وفي هذا السياق، تناول الإعلام العبري خلفيات الرد الظاهري للخارجية السعودية على تصريحات كلّ من ترامب ونتنياهو. فرأى عوني رابي، الخبير في مركز دايان في جامعة “تل أبيب”، خلال لقاء إعلامي أن “السعودية” كانت مجبرة على إصدار بيان بهذه اللهجة تجاه الخطاب الأميركي أو الإسرائيلي، منطلقا من “مكانة السعودية الحساسة،” على الصعيدين الديني والاقتصادي، معتبرا أن تواجد المقدسات الإسلامية على أرض الجزيرة العربية يضعها في موقف محرج. وتابع: “في الخطاب العربي، يُقال دائمًا: ‘لا بد من إقامة دولة فلسطينية’. لكن النص الضمني لهذا الطرح هو: ‘نريد الحصول على قنبلة نووية وغطاء أمني أمريكي’، وهذان الأمران متناقضان تمامًا. ومن يعرف طبيعة السعودية وحساسياتها، يعلم جيدًا ما يجب أن يستمع إليه”. الخبير في المركز العبري نوّه إلى السياق الاقتصادي لطمع “إسرائيل” بعلاقات دبلوماسية مع “السعودية”، قائلا: “في النهاية، نحن نلعب لعبة مختلفة. هناك بُعد اقتصادي قد يُحدث تغييرًا جذريًا في المعادلة. فمن خلال شبكة الأنابيب التي تمتد عبر السعودية، مرورًا بإيلات وعسقلان ووصولًا إلى غرب أوروبا، ستتغير الخريطة الاقتصادية. وهذا الأمر سيجلب دول غرب أوروبا إلى ساحة اللعبة. وإسرائيل تقع في قلب هذا الجسر، ومن المهم أن ندرك أن ترامب والسعودية وإسرائيل لديهم مصلحة مشتركة في ذلك. سنعمل على توسيع اتفاقيات إبراهيم، وسنصل إلى مكانة أفضل”. كان ترامب في تصريحاته في ختام اللقاء الذي جمعه بنتنياهو قد قال أن “السعوديون لا يطالبون بدولة فلسطينية من أجل التطبيع”. وعندما سُئل عما إذا كان لا يزال يدعم إقامة دولة فلسطينية، أجاب: “أشياء كثيرة قد تغيرت”. من جهته، تطرق نتنياهو إلى إمكانية توقيع اتفاق تطبيع مع “السعودية”، وقال: “الأمر ليس فقط ممكنًا، بل سيحدث”. وأضاف أنه يعتقد أنه لو تم انتخاب ترامب في عام 2020، لكان الاتفاق قد وُقّع خلال ولايته الثانية. بدوره أشار نتنياهو إلى أنه “لا يمكن التنبؤ تمامًا بكيفية تحقيق ذلك، لكنني ملتزم بالتوصل إلى اتفاق مع السعودية، وترامب أيضًا ملتزم بذلك، وكذلك القيادة السعودية ملتزمة بتحقيقه. سنمنح هذه الفرصة وقتها، وأعتقد أننا سننجح”. وردّا على تصريحات نتنياهو الداعية آل سعود لاستضافة الفلسطينيين على أرض شبه الجزيرة، أصدرت الخارجية السعودية بياناً أظهرت فيه إصرارا مستمرّا على الاعتراف بوجود كيان الاحتلال، ومجددة الدعوة إلى “السلام”! قالت الخارجية إن “تصريحات نتنياهو تستهدف صرف النظر عن الجرائم المتتالية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما يتعرضون له من تطهير عرقي. وأشارت إلى أن هذه العقلية المتطرفة المحتلة لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين وارتباطه الوجداني والتاريخي والقانوني بهذه الأرض، ولا تنظر إلى أن الشعب الفلسطيني يستحق الحياة أساسا. كما قال بيان الخارجية أن الشعب الفلسطيني صاحب حق في أرضه، وليس دخيلا عليها أو مهاجرا إليها يمكن طرده متى شاء الاحتلال الإسرائيلي “الغاشم”. وأضافت أن هذه الأفكار هي التي تمنع “السلام”، وذلك من خلال رفض التعايش السلمي ورفض مبادرات السلام، وممارسة الظلم بشكل ممنهج تجاه الشعب الفلسطيني لمدة تزيد على 75 عاما، غير آبهين بالحق والعدل والقانون والقيم الراسخة في ميثاق الأمم المتحدة ومن ذلك حق الإنسان في العيش بكرامة على أرضه. وختمت الخارجية السعودية بيانها: “حق الشعب الفلسطيني الذي سيبقى راسخا، ولن يستطيع أحد سلبه منه مهما طال الزمن، وأن السلام الدائم لن يتحقق إلا بالعودة إلى منطق العقل، والقبول بمبدأ التعايش السلمي من خلال حل الدولتين”. يزداد الخطاب الإسرائيلي تشددا مع مرور الوقت تجاه فكرة “دولة فلسطينية”، قال نتنياهو في تصريحات نقلتها “القناة 14” الإسرائيلية أن “إقامة دولة فلسطينية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول تشكل جائزة ضخمة” لما سماه “الإرهاب”، معتبراً أنها “انتصار ضخم، ليس لحماس فحسب، بل ولإيران أيضاً، وهزيمة ضخمة لإسرائيل وشركائها”. وتابع: “الفلسطينيون يمكنهم إدارة حياتهم بأنفسهم، لكن لا يمكنهم تهديد حياتنا. لذلك، ستظل السلطات السيادية الأساسية دائماً بأيدينا، وأهمها الأمن. لن ننقل السيطرة الأمنية إلى أي جهة أخرى، ولن أفعل شيئاً يعرض أمن إسرائيل للخطر”. وأشار إلى أنه كانت هناك مقترحات بتولي السلطة الفلسطينية إدارة غزة، ولكنه يفضل اقتراح ترامب بأن تتولى الولايات المتحدة الحكم في غزة. وتابع “عندما أبرمت اتفاقيات أبراهام مع الرئيس ترامب، كنا نجري مفاوضات سرية لمدة 3 سنوات. من جانبنا، كان 3 أشخاص فقط على علم بالأمر، ومن جانبهم كان عدد قليل جداً من الأشخاص المعنيين، وكذلك في الجانب الأميركي. في ذلك الوقت، إذا راجعت التصريحات الصادرة عن الجانب الآخر، سترى أنها كانت مختلفة تماماً، لكن في النهاية، أبرمنا الاتفاقيّات”. وأكد أن التطبيع مع السعودية ما زال قائماً، مشيراً إلى أن “ما يجب القيام به هو ترك الأمور تتطور”. وأضاف: “يجب أن نفهم أيضاً أننا نواصل تغيير الشرق الأوسط. وإذا أزلنا التهديدات المتبقية، أعتقد أنه لن نحصل فقط على اتفاق تطبيع أو سلام مع السعودية، بل أيضاً مع العديد من الدول الأخرى. أتحدث عن العالم الإسلامي والعربي”، حد قوله. ترامب “يتراجع” عن وهم التهجير عقب تصريحات ترامب الشهيرة عن نوايا تهجير سكان غزة للدول المجاورة، انهمرت التنديدات بماوازاة التحليلات التي رجح بعضها أن يكون كلام ترامب مجرد تهويل لأجل رفع سقف خطابه لتحصيل ما يمكن تحصيه، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنه ليس مضطراً للاستعجال في تنفيذ خطته بالسيطرة على قطاع غزة. وفي مؤتمر صحفي داخل البيت الأبيض الجمعة، لفت ترامب إلى أنه ليس في عجلة من أمره بشأن ذلك، مضيفا أنه سيستثمر في غزة كمعاملة عقارية، وأن الآخرين يمكنهم الاستثمار أيضاً على حد قوله. وإلى جانب البيانات الرافضة لكلام ترامب، شهدت بعض المدن احتجاجات شعبية، منها العاصمة البلجيكية بروكسل، التي شهدت تظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف، رفضا للسياسات الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، واستنكارا للتصريحات الصادرة عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي دعت إلى تهجير الفلسطينيين قسرا والاستيلاء على قطاع غزة. وعبر المتظاهرون عن رفضهم للمشاريع التوسعية التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وإعادة رسم المشهد السياسي والجغرافي بما يخدم الاحتلال الإسرائيلي. وانطلقت المسيرة من أمام وزارة العدل البلجيكية وسط العاصمة، حيث رفع المشاركون شعارات منددة بالمخططات التهويدية في الضفة الغربية، محذرين من إعادة إنتاج نكبة جديدة بدعم أميركي. ودعت مؤسسات بلجيكية وفلسطينية، منظمة للتظاهرة، إلى تحركات شعبية مستمرة لإفشال مشاريع التهجير والتصفية التي تسعى لتغيير الواقع الفلسطيني على الأرض. وردد المتظاهرون شعارات تطالب الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف حازم ضد السياسات الأميركية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين على ضرورة تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. كما هتف المشاركون دعما للمقاومة الفلسطينية، التي وصفوها بأنها تدافع عن الحقوق الفلسطينية وتحمي المدنيين في قطاع غزة. بدورهم، دعا منظمو التظاهرة إلى تنسيق الجهود السياسية والدبلوماسية والقانونية دوليا لملاحقة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه، وتقديم قادته للمحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتأتي هذه التظاهرة بعد تأكيد الاتحاد الأوروبي أن غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية، وذلك ردا على التصريحات الأميركية الأخيرة.