مَجزرة “العُرس اليَمني” التي ارتكَبَتها طائِرات التَّحالُف في حجة جَريمةُ حَربٍ لا يَجِب أن تَمُر دُونَ عِقاب.. وصَمت “الشَّرعيّة” اليَمنيّة ورئيسِها غَيرُ مَقبول
عبد الباري عطوان
يَحرِص المُتحَدِّثون العَسكريّون باسم التَّحالُف العَربيّ الذي تَقودُه المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الإمارات، الذي يَشُن عُدوانًا على اليمن دَخَلَ عامَه الرَّابِع مُنذ شَهر، على التَّأكيد بأنّ غاراتِهم التي تَشنُّها طائِرات “عاصِفة الحَزم” تستهدف أهدافًا عَسكريّةً، وتتجنَّب المَدنيين اليَمنيين، بسبب تَجهيزِها بأحدَث أجهِزة الرَّصد المُتقَدِّمة، ولكن الغارَة التي نَفَّذتها هذهِ الطَّائِرات على حفل زفاف في بلدة بني قيس في مُحافظة حجة شمال غرب اليمن، وأدَّت إلى مَقتل 25 شخصًا وإصابة 40 آخرين على الأقل مُعظَمُهم من الأطفال، يُؤكِّد زيف هذهِ الادعاءات، ويَنسِفها من جُذورِها.
إنّها مجزرةٌ بكُل ما تعنيه هذهِ الكلمة، استهدفت أُناسًا أبرياء أرادوا أن يعيشوا لَحظة فَرَحٍ في مُحيطٍ قاتِم بالإحباط، حيث الحِصار خانِق، وأكثر من عِشرين مِليون يمني يُعانون من الجُوع والمَرض، ونَقص الحَد الأدنى مِن الرِّعايةِ الطبِّيّة لقَصف المُستشفيات، وانعدام الأدوِية والكَفاءات اللَّازِمَة من أطباء ومُمرِّضين.
العَروس، وحسب التقارير الأوّليّة التي وردت على لِسان الدكتور محمد الأشول، المُتحدِّث باسم مُستشفى الجمهوريّة، أكَّدت أنّها كانت من بين القَتلى، وعريسها إصابَته خَطيرة للغايَة، وربّما يَلحَق بِها إلى جَنَّة الخُلد، ليُكمِلوا فَرحَتهم، تَرعاهُم ملائِكة الرَّحمن بإذن الله.
***
إنّها ليست المَرَّة الأولى التي تَرتكِب طائِرات التَّحالُف مِثل هذهِ المَجزرة، ففي أيلول (سبتمبر) عام 2015 قَصفت طائِرات التَّحالف عُرسًا وقتلت 131 مَدنيًّا في مدينة المخا الساحليّة، وفي تشرين الأوّل (أكتوبر) 2016 جَرى استهداف مجلس عَزاء في العاصِمة من قِبَل طائِرات من نَوع “إف 16” بعد إخباريّة عن وجود الرئيس علي عبد الله صالح من بين المُعَزِّين، ممّا أدَّى إلى مَقتل 140 مُعَزِّيًا من بَينِهم أُسرة الفَقيد.
السُّلطات السعوديّة تَعهَّدت بعَدم تِكرار هذهِ الغارات التي تَستهدِف المَدنيين، وسَتُجري تَحقيقاتٍ ميدانيّة جَدِّيّة ومُحاكَمة المُتورِّطين، ولكن هذهِ التَّعُهدات ظَلَّت حِبرًا على وَرق، ولِذَر الرَّماد في العُيون لامتِصاص الانتقادات الدَّوليّة، ودَليلنا على ذلك استمرار هَذهِ الغارات.
لم نَسمَع من رئيس الشرعيّة اليَمنيّة، عبد ربه منصور هادي الذي يَقول أنّه مُمَثِّل جميع أبناء اليمن، أي رد فِعل على هذهِ المَجزرة، والشَّيء نفسه يُقال أيضًا عن رئيس وزرائِه، وأعضاء حُكومَتِه، فحِماية أرواح هؤلاء يَجِب أن تتصدَّر قِمّة مَسؤوليّاتِهم، ومِحوَر رعايَتهم واهتمامِهم، ونَلمِس تعتيمًا إعلاميًّا إقليميًّا ودَوليًّا، وهذا التَّعتيم يُشَكِّل جريمةً أيضًا في اعتقادِنا.
المَسؤولون السُّعوديون والإماراتيّون يَقولون أنّ التَّحالُف والقُوّات المُوالِية له، باتَ يُسيطِر على 80 بالمِئة مِن الأراضي اليَمنيّة، وإذا كان هذا الكَلام دقيقًا لماذا يَنتَشِر الجُوع والكوليرا في اليمن، ولماذا لم يَتلقَّ المُوظَّفون مُرتَّباتِهم لأكثر من 16 شَهرًا في مُعظَم الحالات؟
***
إنّها جرائِم حرب لا يَجِب أن تقع، ناهِيك أن تستمر وتتكرَّر، والمُتورِّطون فيها لا بُد من مُثولِهم أمام العَدالة ومُواجَهة القَصاص العادِل، ودَفع التَّعويضات لأُسَر الضَّحايا بالقَدر نَفسِه الذي تُعَوِّض فيه السعوديّة ودُوَل الخليج الضَّحايا الغَربيين، فالإنسان اليَمني يَتميَّز عن هؤلاء بأنّه شَعبٌ ينتمي إلى حضارَة تمتد لآلاف الأعوام.
نتألّم لِما يلحَق بالشَّعب اليَمني الأصيل من مَظالِم، وعلى يَد الأشقاء الذين تَجمعُهم بِه أواصِر الدِّين والعُروبَة والتَّاريخ المُشتَرك، أو هكذا نَفتَرِض، وهو الذي لم يَقترِف أي ذنب، مِثل كُل الشُّعوب العَربيّة الأُخرى، وعلى رأسِهم السُّوري واللِّيبي والفِلسطيني والصُّومالي والعِراقي، والقائِمة تَطول.
هذهِ المجازِر يَجِب أن تتوقَّف فَورًا، وكذلك الحَرب التي أفرَزتها، وعلى دُوَل التَّحالُف أن تترُك اليَمن لأهلِه، وهُم على دَرجةٍ من الحِكمة تُؤهلهُم لتَسوِيَة الخِلافات وُصولاً إلى التَّعايش المُشتَرَك.