الرياض تستفيق إلى «ورطتها»: لا جدوى من مراوغة اليمن

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 208
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مرّت الأيام الماضية ثقيلة على السعودية ووكلائها المحليين في اليمن، إذ إن التراجع عن الإجراءات الاقتصادية التصعيدية ضد صنعاء، أظهر أن موازين القوى هي لغير مصلحة «التحالف العربي»، واستتباعاً، ظهرت القوى المحلية الموالية لـ«التحالف» في وضع هش. وكانت قد قرعت تداعيات تلك الإجراءات، جرس إنذار قوياً للمملكة، بأنه لم يعد متاحاً اللحاق بالركب الأميركي من دون النظر إلى الاعتبارات الجيوسياسية الناشئة عن تحوّل اليمن إلى قوة إقليمية لها دورها في المنطقة، وأنه لا يمكن حسم القضايا الكبرى من دون الوقوف على رأي صنعاء، ما يعني أن المملكة غير قادرة على تنفيذ الأجندة الأميركية على حساب اليمن، وخصوصاً لناحية التطبيع الأمني مع الكيان الإسرائيلي، كونه يشكّل تهديداً للأمن القومي اليمني، وأن عليها قبل أي شيء التحرّك سريعاً لإحلال السلام مع اليمن، وحث الخطى لتنفيذ «خارطة الطريق» ومعالجة الملف الاقتصادي والإنساني.هكذا، أوقعت المملكة نفسها ووكلاءها المحلّيين في موقف حرج ومربك، جراء السير وفقاً للأجندة الأميركية؛ إذ حتى في الشكل، لم تستطع إخفاء بصمة المشاركة في التضييق على صنعاء اقتصادياً، وانتهاز فرصة انشغالها بجبهة إسناد فلسطين. لكن، بحسب ما علمته «الأخبار»، فإن القيادة السعودية أبدت استياء شديداً من إدارة ملف التصعيد الاقتصادي، محملةً المسؤولية عن دفع الوكلاء المحليين إلى اتخاذ القرارات الأخيرة من دون حساب العواقب وتقدير ردّات الفعل من قبل حكومة صنعاء، لضباط من «اللجنة الخاصة» السعودية المكلّفة بالملف اليمني، معتبرة أن تقدير الموقف بشكل خطأ أدى إلى إظهار المملكة على أنها تتنصّل من اتفاق السلام وتخرج عن مندرجات الهدنة الممدّدة منذ سنتين. أما الأكثر صعوبة في المشهد بالنسبة إلى الرياض، فهو الاضطرار إلى التراجع تحت وطأة تهديد قائد «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، باستهداف المنشآت بشكل متماثل مع الأضرار الواقعة على الجانب اليمني. وفي تعليقه على ذلك المشهد، اعتبر القيادي في «المجلس الانتقالي الجنوبي»، أحمد بن فريد، في منشور على «إكس»، اتفاق الحكومة مع حركة «أنصار الله» بمنزلة «هرولة نحو الهاوية».
على أي حال، هذه ليست المرّة الأولى التي تقع فيها قيادة المملكة في شر أعمالها جراء حسابات خطأ، فيما ثبت لها مرة أخرى أن تكلفة السلام مع اليمن أقل بكثير من تكلفة العداء وشن الحروب، وأن ازدهارها وتطوّرها مرهونان بإنهاء مفاعيل الحرب، وغير ذلك مضيعة للوقت واستنزاف للجهود والموارد. وبناء على ما تقدّم، فإن السياسة التي ستُعتمد من قِبل السعودية في المرحلة المقبلة، وفقاً لمسؤولين على دراية بالمفاوضات الأخيرة، ستكون قائمة على المزاوجة بين متطلّبات السلام مع اليمن، وإيجاد برامج للمحافظة على النفوذ فيه، وإن كان من المسلّم أن المطلب المذكور لن يتحقق إلا بواسطة القطع مع السياسات الماضية المسؤولة عن الإخفاقات الكارثية للمملكة في هذا البلد. والاختبار الأول للتوجّه السعودي، هو المفاوضات الدائرة حالياً في مسقط حول الملف الإنساني والاقتصادي، والتي تبدو فيها الرياض أكثر مرونة من ذي قبل، مظهرةً استعداداً للسير بالاتفاقات السابقة، والتي كانت على وشك التوقيع لولا الفيتو الأميركي.

ومن جهة أخرى، يشير قرار التراجع عن التصعيد الاقتصادي، إلى أن المملكة ما زالت اللاعب الأول والأخير داخل ما يسمى «الشرعية» التي بدت فاقدة للقرار، ليس في الأمور المفصلية فحسب، بل أيضاً في التكتيكات والقضايا الصغيرة، علماً أن تلك القوى كانت قد ذهبت إلى أبعد مدى في التصلّب والعداء، ولذا، لم يكن من السهل عليها أن تستوعب التراجع إلا تحت التهديد بإخراجها من «جنة» تقديمات «اللجنة الخاصة». لكن، ثمة من يعتقد أن إعلان الاتفاق في هذا التوقيت كان بضوء أخضر أميركي، خصوصاً أن الولايات المتحدة ظلّت في المدة الأخيرة تعرقل أي محاولات للتقدّم في ملف السلام باعتراف مسؤوليها. وبحسب مطّلعين، فإن واشنطن لم تشأ إغضاب الرياض في ظرف حسّاس يهدّد منشآت الأخيرة الحيوية بالاستهداف، خصوصاً أن الأولى منشغلة بصدّ هجمات اليمن في البحرين الأحمر والعربي، وتحاول رفع الحصار الجزئي عن الكيان الإسرائيلي من دون أن تنجح، وبالتالي فإنها غير قادرة على الدفاع عن السعودية.
من جهتها، عبرت صنعاء عن أملها في أن يشكّل الاتفاق حافزاً نحو البدء في خطوات تنفيذ الملف الإنساني والاقتصادي، وعلى رأسها صرف المرتّبات، علماً أنها تدرك أن الرياض في استطاعتها، إن امتلكت الإرادة السياسية، أن تتجاوز الضغوط الأميركية، كما جاء في منشور على منصة «إكس» لنائب رئيس الوفد التفاوضي، عبد الملك العجري، الذي أضاف أن تلك الخطوات تعد حقوقاً أساسية، وهي ركائز للتهدئة والسلام، معتبراً أن «استمرار المماطلة وتجاهل هذه الحقوق قد ينزلق بالوضع المحلي والإقليمي نحو مسارات مجهولة خارج نطاق السيطرة».