ف.بوليسي: على الشرق الأوسط المتغافل اقتناص حماس واشنطن النادر لإنشاء هيكل أمني بالمنطقة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 656
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

رأي جوناثان لورد، رئيس برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، أن شركاء الولايات المتحدة في المنطقة غير مكترثين أو متغافلين عن الحماس الواضح والمساعي المكثفة الجارية في واشنطن لعمل تكامل أمني إقليمي بالمنطقة.

ولفت لورد في تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وترجمه الخليج الجديد إلى أن واشنطن تسعي لإنشاء هيكل أمني شرق أوسطي يضم القدرات العسكرية للقيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، وقوات الدفاع الإسرائيلية، وجيوش الدول العربية المجاورة للكشف عن ومواجهة التهديدات الصادرة عن الأعداء الإقليميين، وخاصة إيران.

وأوضح أن المساع والخطط الأمريكية تأتي في لحظة نادر تتمثل في حصولها على دعم الإدارة الأمريكية، وأعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهو أمر نادر الحدوث، إذ أن الأخير دائما ما يكون الصخرة التي تتفتت عليها التشريعات.

لكن المختلف هذه المرة أن الجميع في واشنطن يتجمعون حول رؤية لمستقبل المشاركة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.

حماس أمريكي

في العام الماضي، وكجزء من قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA)، أقر الكونجرس قانون ردع العدو وتمكين الدفاعات الوطنية (DEFEND)، والذي أذن لوزير الدفاع الأمريكي بإنشاء منظومة دفاع جوى وصاروخي متكاملة تغطي إسرائيل ومصر والأردن والعراق ومجلس التعاون الخليجي.

وحظي القانون المذكور بتأييد واسع مجلس الشيوخ والنواب وأيضا من أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في المجلسين، سوف يمضي المشرعون قدما في مناقشته هذا العام.

كما قدم السناتور الديمقراطي جاكي روزن والنائبة الجمهورية كاثي مكموريس رودجرز، بدعم من زملائه الأعضاء في مجموعة اتفاقات أبراهام في الكونجرس، قانون الهندسة البحرية والاستجابة للإرهاب الدولي في الشرق الأوسط (MARITIME).

وفيما يشبه ردع العدو، سيخول قانون الهندسة البحرية وزارة الدفاع الأمريكية بمتابعة إنشاء قدرة متكاملة للتوعية بالمجال البحري مع شركاء "سنتكوم" الإقليميين للحراسة المشتركة لبعض الممرات المائية التجارية الأكثر ازدحامًا في العالم في شبه الجزيرة العربية وحولها.

بعد فترة وجيزة، من تقديم قانون الهندسة البحرية، قدم روزن مشروع قانون إضافي يعزز التعاون في الشرق الأوسط بشأن تهديدات الأمن السيبراني - من النوع الذي استخدمته إيران لإسقاط الحكومة الألبانية خارج الإنترنت الصيف الماضي.

يبدو أن لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ قد أدرجت نسخًا من كلا مشروعي القانون في قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2024، مما يضمن على الأرجح تمريرهما إلى قانون.

هذا الحماس الواضح للتكامل الأمني الإقليمي في الشرق الأوسط ليس مجرد ظاهرة في الكابيتول هيل (مبنى الكونجرس) لكنه يحظى أيضا بدعم البيت الأبيض والبنتاجون والقيادة المركزية نفسها، وكانت الأخيرة تعمل بجد لإنشاء أنظمة دفاع متكاملة تحت قيادة قائد الجيش الأمريكي الجنرال إريك كوريلا؛ ما يجعل هذا التأييد والإجماع بمثابة استثناء.

عدم اكتراث

على الرغم من هذا الحماس المتزايد في واشنطن، إلا أن شركاء الولايات المتحدة الإقليميين تجاهلوا هذا الأمر في السنوات الأخيرة.

ليس هذا فحسب بل فتح هؤلاء الشركاء أبوابهم على مصراعيها أمام مجموعة واسعة من شركاء الأمن القومي -الأصدقاء والخصوم على حد سواء- بدلاً من الاصطفاف بشكل وثيق وحصري مع الولايات المتحدة، كما كان من الممكن أن يفعلوا في الماضي.

وفي المقابل لم تثبط عزيمة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، وواصل حملته للدبلوماسية الدفاعية، واستثمر الوقت والموارد في التدريبات العسكرية المصممة لإظهار القوة الجماعية للقوات الأمريكية والإقليمية، وآخرها جمع جيوش مجلس التعاون الخليجي معًا في تدريبات Eagle Resolve 23، والتي تضمنت تدريبات الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة وأنشطة مكافحة الطائرات بدون طيار.

 ورغم من تلك التدريبات النوعية وغيرها من الإجراءات القانونية المتعلقة بأمن الشرق الأوسط من قبل كوريلا وموظفيه، يبدو أن ثمة عدم اكتراث من دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السعودية والإمارات بتلك الجهود الأمريكية.

على السبيل المثال، رئيس الإمارات يبدى عدم اهتمام واضح بالتزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن بلاده، ويتذكر ما يعتقد بأنه رد غير كاف من قبل واشنطن على تعرض أبو ظبي لهجوم من صواريخ الحوثيين في يناير/ كانون ثان 2022.

ومنذ ذلك الحين، ابتكر رياضة تتمثل في رفض جهود إدارة بايدن لإصلاح العلاقة، ليس هذا فحسب ولكن أعلنت الإمارات الشهر الماضي انهاء مشاركتها في فرقة عمل إقليمية بقيادة الولايات المتحدة تهدف إلى مراقبة الممرات البحرية الهامة حول شبه الجزيرة العربية.

وفقا لتقارير متداوله فإن السعودية بدورها، تسعي للحصول على صفقات أسلحة كبيرة من الصين، حتى بالتزامن استقبال ولي عهد محمد بن سلمان لكبار المسؤولين الأمريكيين في محاولة منهم لتحديد ثمن تطبيع العلاقات المملكة الخليجية وإسرائيل.

ومن شبه المؤكد أن بن سلمان يسعى إلى الحصول على ضمانات أمنية، وأولوية الوصول إلى أنظمة الأسلحة الأمريكية، وربما دعم برنامجه للطاقة النووية المدنية، ومن المحتمل ألا يحصل على كل ما يريد، لكنه قد يحصل على الكثير منه.

وعلى الرغم من الكونجرس أصبح خلاق السنوات القليلة الماضية أكثر انتقادا ومقاومة لمبيعات الأسلحة السعودية، غير أن إدارة الرئيس جو بايدن لن تجد مثل هذه المقاومة إذا اعتقد الأعضاء أن لديهم فرصة لصنع التاريخ بابرام اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل.

وبينما يُفترض أن إسرائيل هي الأكثر مكاسبًا اقتصاديًا وأمنًا في حالة ذوبان الجليد الرسمي في العلاقات بينها وبين السعودية، فقد حولت الحكومة الجديدة المتطرفة في تل أبيب بقيادة بنيامين نتنياهو كل اهتمامها ورأس مالها السياسي إلى أجندتها المحلية للإصلاحات القضائية والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.

وتسببت الإصلاحات القضائية والتوسع الاستيطاني إلى توتر أسس الديمقراطية الإسرائيلية بطرق تركت بعض أصدقاء إسرائيل الجدد في الخليج يتساءلون عما إذا كانت الدولة اليهودية ستنجو من "الربيع اليهودي"، في إشارة إلى الانتفاضات المدنية التي قلبت العالم العربي رأساً على عقب منذ أكثر من عقد بقليل.

استثمار الفرصة النادرة

في كل الأحوال يجب على الإمارات والسعودية وإسرائيل استغلال فرصة الاجماع النادر في واشنطن من قبل كل من البيت الأبيض والبنتاجون والكونجرس بشأن التكامل الأمني في الشرق الأوسط.

وإذا لم تنتهز إسرائيل والإمارات والسعودية إجماع واشنطن النادر للعمل نحو إطار أمني متعدد الأطراف، فقد نعدل للأسف مزحة وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أبا إيبان الشهيرة في عام 1973 أن العرب لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة، لتكون العرب والإسرائيليين لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة.

ولتجنب هذا المصير، تريد الإمارات، مثل السعودية، مسارًا أسهل لشراء الأسلحة الأمريكية واتفاق دفاعي يضمن ردًا عسكريًا أمريكيًا إذا تعرضت للهجوم.

في المقابل فإن واشنطن ليست على استعداد للموافقة على الفور على أي من هذين الشرطين.

لكن بمرور الوقت، إذا اتخذت أبو ظبي الخطوات الصحيحة، فقد تسمح البيئة السياسية والسياسية لواشنطن بالاعتبار في المستقبل.

ومع ذلك، لا يمكن أن يحدث أي منهما إذا سمحت الإمارات للجيش الصيني بتأسيس وجود علني أو سري في البلاد، بسبب الخطر الذي يمثله على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية الحساسة كبير جدًا.

لحصول على ما يريد، يجب على بن زايد أن يثبت أنه يأخذ مخاوف الولايات المتحدة بشأن التهديد الأمني الذي تشكله الصين على محمل الجد وأن يطرد بكين من ميناء خليفة، حيث يقال إن لها وجودًا عسكريًا سريًا.

ثانيًا، يجب أن يلزم قواته العسكرية ببذل كل ما في وسعها لبناء إمكانية التشغيل البيني مع الجيش الأمريكي وتلك التابعة لشركاء الولايات المتحدة الإقليميين الآخرين.

يجب أن يفهم أنه كلما شعرت واشنطن أنها تستطيع الاعتماد على الإمارات، زادت من فتح أبوابها.

بالطبع، من وجهة نظره الخاصة، أثبت بن زايد أنه شريك مخلص للولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا، لكن في الآونة الأخيرة لم يكن لديه الكثير لإظهاره.

إذا استطاع بن زايد أن يضع إحباطه من واشنطن جانبًا ويلتزم بجعل الإمارات ركيزة في رؤية الولايات المتحدة لهيكل أمني في الشرق الأوسط، فإن واشنطن سترد بالمثل.

من ناحية أخرى، فعندما يتعلق الأمر بالحصول على التزام الرياض بصفقة تطبيع، فإن الطريق يمر تل أبيب، فأيا كان ما يطلبه بن سلمان من واشنطن، فربما لن يكون عقبة لا يمكن التغلب عليها.

لتوقيع اتفاقيات إبراهيم، تفاوضت الإمارات على تعهد من إسرائيل بأن الأخيرة لن تضم الضفة الغربية لمدة ثلاث سنوات.

 

لتحذو حذوها، ستحتاج السعودية على الأرجح إلى التزام أكبر من ذلك، ويبقى من غير الواضح ما الذي قد توافق عليه حكومة إسرائيل، إن وجد، من أجل إبرام صفقة.

حكومة نتنياهو يمينية بشكل غير مسبوق ومعادية للوجود الفلسطيني، ناهيك عن حصول الفلسطينيين على الحكم الذاتي، وحل الدولتين.

إذا كانت صفقة التطبيع في متناول اليد، فمن المرجح أن يحتاج نتنياهو إلى تشكيل حكومة جديدة لديها الحرية السياسية لتلبية شروط الرياض.

تريد واشنطن ربط شركائها في الشرق الأوسط بطرق تقدم فوائد أمنية جماعية أكبر من مجموع الأجزاء العسكرية لأي دولة.

وفي هذه اللحظة، تجلس واشنطن بمفردها على الطاولة بينما يلعب حلفاؤها المحتملون على قدم المساواة مع خصوم الولايات المتحدة، أو يتأرجحون في الزاوية حول المظالم الماضية، أو يصرفون انتباههم عن المساعي المحلية.

وخلص لورد إلى أنه سيكون من الحكمة أن يدركوا ندرة وأهمية الفرصة التي تقدمها واشنطن ويجلسوا على الطاولة.. كما قال إيبان، يجب أن ينتهزوا هذه الفرصة.

 

المصدر | جوناثان لورد/ فورين بوليسي-ترجمة وتحرير الخليج الجديد