ابن سلمان - ابن زايد: الضرب تحت الحزام... وفوقه

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 659
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

حينما أعلن رئيس الإمارات، محمد بن زايد، «النفضة» في أعلى سلّم القيادة في 31 آذار الماضي، وأبرزُ ما فيها تعيين نجله خالد ولياً لعهد أبو ظبي، وشقيقه منصور نائباً ثانياً له، إلى جانب محمد بن راشد آل مكتوم، كان واضحاً أنه يستعدّ لأيام صعبة ستمرّ على القيادة السياسية في الإمارات، والتي تقوم بأدوار تفوق حجمها بكثير. إذ يَحدث ذلك في ظلّ استفحال الخلاف مع وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي قطع شوطاً كبيراً في طريقه إلى انتزاع دور محوري في المنطقة، لا يروق ابن زايد. على أن الصراع بين حاكمَي الإمارات والسعودية، لا يقتصر على الدور، وإنّما يتناول أيضاً الخيارات؛ فالذي تريده الأولى، لا يناسب الثانية، وهذا ما تجلّى واضحاً في توجّه الأخيرة نحو الاتفاق التاريخي مع إيران، في الوقت الذي تُمعن فيه أبو ظبي في الخيار الإسرائيلي، وإن كانت قد حدّت من غلوّها العلني فيه، خوفاً لا خجلاً.
لكن ما يرفض ابن زايد التسليم به، هو أنه لم يكن للإمارات أن تنال دوراً تاريخياً، لولا السعودية. فدورها هو الذي لم تكن المملكة تريد القيام به بنفسها، وهو توفير «البنية التحتية» الملائمة لراحة ورفاه رجال الأعمال والعمّال الغربيين الذين يعملون في المملكة ويرتاحون في الإمارات، أو يعملون انطلاقاً من الثانية في قطاع النفط السعودي، وما يرتبط به. فلا بدّ أن تنمو على حدود تلك الدولة التي تُصدّر كمّية كبيرة من النفط إلى العالم، أمكنة لراحة هؤلاء العمال ولا سيما كبار التنفيذيين منهم. حتى أبو ظبي نفسها، وبسبب طبيعتها القبَلية، لم تتنطّح لهذا الدور مبكراً، بل عهدت به من الباطن لدبي التي ما كانت لتكون كما هي اليوم، لا بأبراجها العالية، ولا بأسواقها الحرّة، ولا بمطاراتها وشركاتها وطيرانها، لولا السعودية. ما تغيّر الآن هو أن الأخيرة ما عادت تريد إعطاء أدوارها لأحد، بل إن ابن سلمان قطع شوطاً كبيراً ودفع مالاً كثيراً لتحضير الأجواء للقيام بالدور الذي تقوم به الإمارات نيابة عن بلاده بالذات. ولا ضير هنا في التذكير بلائحة الإجراءات المتّخذة في ذلك المجال، انطلاقاً من إلغاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» واستحداث «الهيئة العامة للترفيه»، التي لم تنتزع الحفلات الموسيقية والثقافية من حصّة الإمارات فقط، وإنّما خصمت أيضاً من أدوار مصر ولبنان وسوريا وكلّ وجهة سياحية عربية ممكنة، وصولاً إلى الحدّ من سيطرة الجناح الوهابي على الحياة المجتمعية السعودية، بإجراءات تبدأ بمنع بثّ الصلاة في المساجد عبر مكبّرات الصوت، والتحكّم في مضمون خطب الجمعة، ولا تنتهي بإبعاد بعض كبار رجال الدين عن الخطابة والقضاء والزجّ بالكثيرين منهم في السجون، وحتى إعادة النظر في اعتماد الأحاديث النبوية المشكوك في صحّتها، والتي تُسمى أحاديث «الآحاد».

لم يكن غياب ابن زايد عن القمّة العربية التي انعقدت في جدّة الأسبوع الماضي، سوى أحد التعبيرات الصارخة عن عمق التأزّم في العلاقة مع ابن سلمان، والذي لم يعُد ممكناً إخفاؤه، أو العودة به إلى الخلف، بل مثّل تعبيراً عن أن الأول يمكّن دفاعاته استعداداً لأيام سود في تلك العلاقة، التي إذا استمرّت متأزّمة فستؤثر على المدى الطويل على دور الإمارات ومكانتها بصورة سلبية جدّاً. على أن الخيارات أمام الرئيس الإماراتي، كما تبدو حالياً، تنحصر في اثنين: إمّا الاستسلام لابن سلمان والبقاء تحت جناحه، وإمّا المواجهة، فيما يَظهر حتى الآن أنه اختار المواجهة، لأن الخيار الأوّل يعني عملياً التسليم بنهاية دور بلاده. فذلك يفترض، على سبيل المثال لا الحصر، قبول ابن زايد بقرار ابن سلمان نقل المقارّ الإقليمية للشركات العالمية الكبرى التي تعمل في السعودية إلى داخل المملكة، في حين أن خيار المواجهة يتيح له القتال لإبقاء تلك المقارّ، أو ما أمكن منها، في بلاده، واجتذاب المزيد.

القمّة نفسها، التي أرادت الرياض تقديمها بوصفها قمّة «طيّ الصفحة»، بمعنى تحقيق ما أمكن من المصالحات بين العرب وبينهم وبين محيطهم، ظهّرت الخلافات العميقة المستجدّة بين حاكمَي الدولتَين، والتي تطاول الخيارات السياسية لكليهما، على خلفية جدواها في بقاء وازدهار كلّ من نظامَيهما، لا مبدأيّتها. وعلى هذا الطريق، جاء قرار ابن زايد المقصود بالإمعان الوقح في التطبيع مع إسرائيل، والاندراج تحت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، في محاولة لاستخدام النموذج الإماراتي اللامع في تعويد من أثبتوا عدم قدرتهم على التعوّد، على وجود إسرائيل، وذلك يشمل شعب الإمارات نفسه. ولكنه، بسليقته التي ورثها عن أبيه، أذكى من أن يذهب في الخيار المذكور إلى حدّ تهديد الأمن الإيراني مثلاً، لما يرتّبه هكذا خيار عليه من عواقب. وفي المقابل، تنبّه النظام السعودي إلى فخّ التطبيع مع إسرائيل المنصوب له، والذي قد يصيبه في مقتل بالنظر إلى اختلاف الطبيعة السياسية للمجتمع السعودي، بمعنى أنه مجتمع كبير إلى درجة لا يستطيع معها أحد طمس هويته، بالمقارنة مع الشعب الإماراتي القليل العدد، والذي لا يملك إلّا التململ الصامت إذا رفض خيارات قيادته. ولذا انتقل ابن سلمان، بعد التغييرات الداخلية، إلى محاولة ترتيب أوضاعه في الإقليم، بالتصالح مع المحيط، ولا سيما إيران، من خلال سياسة «تصفير المشكلات».
إذا استمرّت المعركة الخفية حالياً، أو إذا خرجت إلى العلن، فستكون قاسية جداً، لكن نتائجها قد لا تظهر سريعاً، بما قد يوحي به حجم المملكة وإمكاناتها الهائلة. ذلك أن أبو ظبي أثبتت هي الأخرى، خصوصاً بعد انطلاق ما سمّي «الربيع العربي»، قدرتها على إثارة المشكلات وتمويلها بالاتفاق مع آخرين، وما حرب السودان - التي يرى البعض أنها أُشعلت في وجه السعودية ومصر تحديداً - إلّا نموذج أخير من بين عشرات الأزمات التي ساهمت الإمارات في افتعالها أو إذكائها. وعليه، قد لا ينبغي الاستخفاف بالمدى الذي يمكن لأبناء زايد الوصول إليه، للنجاة بدولتهم.