“تقشف السعودية” هل يؤثر على دعمها للدول الحليفة لها؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2079
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عبداللطيف التركي – التقرير
القرارات غير المسبوقة، التي اتخذتها الحكومة السعودية، مسّت مدخولات المواطنين، من رفع الدعم الجزئي عن المحروقات والمياه والكهرباء، ورفع قيمة الخدمات، وفرض رسوم على الخدمات البلدية، كما أثّر بشكل كبير على العاملين في الجهاز الحكومي الضخم، من موظفين على مختلف المستويات، وصولا إلى العاملين على بند التشغيل، بما تضمنته من إلغاء وتعديل البدلات والمكافآت والمزايا المالية، وعدم منح العلاوة السنوية في العام الهجري 1438، أو أي زيادة مالية عند تجديد العقود أو تمديدها أو استمرارها أو عند إعادة التعاقد، وما إلى ذلك من قرارات شملها البيان الصادر عن مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي، فهل تؤثر “حالة التقشف” السعودية على الدعم الكبير الذي تقدمه للأنظمة الحليفة لها، والتي وصلت إلى المليارات؟

العبء الثقيل
السؤال شغل العديد من الخبراء والمهتمين بالشأن السعودي، والنشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا السعوديين، الذين ربطوا بين “قرارات التقشف”، والمليارات التي تدعم النظام المصري، الذي صار “عبئا ثقيلا” على الميزانية السعودية، كما قال بعض النشطاء، وإن كان “البعض” تفهم الموقف السعودي من حرب اليمن، نظرا لخطورة التمدد الحوثي على المملكة والدور الإيراني.

الوزراء وأعضاء الشورى
خطة التقشف السعودية الضخمة وصلت إلى مرتبات الوزراء ومكافآت أعضاء مجلس الشورى، والموظفين الحكوميين والميزات المخصصة لهم، فقد تقرر خفض مرتبات الوزراء بنسبة 20%، ومكافآت أعضاء الشورى 15%، ووضعت حدًا أقصى على العطلات والخدمات الأخرى للموظفين، من الطبيعي أن تؤثر على الدور السعودي

“روشتة” صندوق النقد
صندوق النقد الدولي قدم “روشتة” إلى المملكة للإصلاح الاقتصادي، تضمنت رفع الدعم، وتخفيض النفقات، والحد من الجهاز الحكومي الضخم، ومن ثم تكتسب الإجراءات التي تم اتخاذها أهمية كبيرة، لأن الحكومة توظف قرابة ثلث القوة العاملة في السعودية، وتأتي “خطة التقشف” مع تراجع عوائد النفط منذ العام 2014، حيث انخفض سعره بمقدار أكثر من النصف، والدخول في حرب كبدتها الكثير من النفقات، فقد أنفقت المملكة 80 مليار دولار على التسلح العام الماضي.

عجز غير مسبوق
السعودية، التي تعد أكبر منتج للنفط في العالم، عانت عجزًا غير مسبوق في ميزانية العام الماضي، وأعلن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عن خطة إصلاح واسعة تحت عنوان “رؤية المملكة 2030″، بهدف تنويع الاقتصاد السعودي، وتأسيس قدر أكبر من المسؤولية، تستهدف مضاعفة حجم الاقتصاد، وخلق 6 ملايين وظيفة خلال الخمس عشرة سنة القادمة. ويتطلب هذا قدرا هائلا من الاستثمارات الأجنبية.

مرحلة الرخاء انتهت
طبقا لخطة التقشف السعودية، في مراحلها الثلاث التي تم إعلانها أبريل الماضي، فإن “مرحلة الرخاء انتهت”، و”الطفرة النفطية ولّت ولن تعود”، “والتوظيف في الحكومة لم يعد مغنما وحلم الخريجين”، واعتبارا من العام المقبل، يدخل موظفو الدولة في المملكة العربية السعودية، في مرمى التقشف، الذي أعلن تفاصيله مجلس الوزراء، خلال جلسته الأخيرة، حيث خفض من مزايا موظفي الدولة البالغ عددهم مليون و 250 ألف موظف، من إجمالي عدد الموظفين السعوديين البالغ 5 ملايين و600 ألف موظف، وقرر إلغاء بعض العلاوات والبدلات والمكافآت .

87 مليار دولار
الحكومة السعودية، توقعت أن تسجل عجزًا ماليًا للعام الجاري، قيمته 87 مليار دولار، مقارنة مع عجز فعلي بلغ 98 مليار دولار، مع هبوط النفط واستمرار تمويل البلاد للحرب الدائرة في اليمن، ويعد ذهب السعوديين الأسود (النفط)، سبب الإجراءات والتحركات التي بدأت المملكة في اتخاذها منذ نهاية العام الماضي، حيث تراجع سعر البرميل الواحد بنسبة 61%، مقارنة بأعلى سعر مسجل منتصف 2014، وهبط من 120 دولاراًا للبرميل إلى حدود 48 دولارًا في الوقت الحالي.

“رؤية 2030”
السعودية، أكبر منتج للنفط بالعالم، تنتج قرابة 10.605 مليون برميل يوميًا، وفق أرقام منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وبنسبة تزيد عن 85% من إيراداتها المالية، على مبيعات الخام للسوق العالمية، ويرى “عبد الرحمن بن محمد الزومان”، رئيس وكبير الخبراء في مجموعة المخاطر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (غير حكومية)، أن قرارات التقشف السعودية استمرار لمرحلة التغيير، التي أعلنت عنها الرياض في أبريل/نيسان الماضي، في إشارة لرؤية 2030، الهادفة لخفض الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل.

تغيير اقتصادي وهيكلي
وطبقا لحديثه مع “الأناضول”، قال “الزومان” إن إجراءات مجلس الوزراء تأتي مع دخول المملكة مرحلة تغيير اقتصادي وهيكلي من جهة، ومواجهة تحديات خارجية إقليمية ودولية من جهة أخرى، مضيفا أن قرار إلغاء العلاوات والمزايا وخفض الرواتب، سببه ارتفاع كبير في فاتورة الرواتب، التي تشكل نسبتها 60% – 70% من نفقات الحكومة السنوية، “وهذا من أكبر الأرقام عالمياً”.

حرب اليمن
ويرى الزومان أن “الحرب الدائرة باليمن، والمخاطر الإقليمية متمثلة بإيران والعراق وسوريا، تدفع السعودية للتحوط أكبر في نفقاتها الداخلية.. وربما استثناء عناصر الجيش السعودي من خفض الرواتب وإلغاء العلاوات المعلنة أمس، دليل على ما أقول”.
وبدأت السعودية بمشاركة دول حليفة نهاية مارس/آذار الماضي، عملية “عاصفة الحزم” في اليمن ضد الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واستمرت نحو شهر، تبعها عملية “إعادة الأمل”، إلا أن التوترات على الحدود الجنوبية للمملكة ما تزال حاضر حتى اليوم.

المستورد الأكبر للأسلحة في العالم
ولم تعلن المملكة حجم النفقات التي كلفتها عملياتها في اليمن، لكن بحسب تقرير صادر عن منظمة “أي إتش إس جينز‎” للمراقبة والتحليل الاقتصادي ومقرها لندن، جاءت السعودية المستورد الأكبر للأسلحة في العالم للعام 2015، بقيمة واردات بلغت 9.3 مليارات دولار.

رفع الدعم
ولم تكن إجراءات التقشف المعلنة، تزامنًا مع دخول تراجع أسعار النفط الخام عامه الثالث على التوالي، الأولى، بل سبقها إعلان المملكة خفضًا في موازنة العام الجاري إلى 224 مليار دولار، مقارنة مع 229 مليارًا في 2015، تبعها مطلع العام الجاري رفع أسعار المحروقات بأنواعها وزيادة في تعرفة المياه والكهرباء.

العقد غير المكتوب
“سبستيان آشر”، محرر شؤون الشرق الأوسط، في “بي بي سي”، قال إن “العقد غير المكتوب بين السعوديين والعائلة المالكة، الذي لا يفرض على الموطنين القيام بوظائف مرهقة مقابل قبول الوضع الراهن – بات يتآكل منذ زمن طويل”، وأضاف أن “عجز الميزانة الذي بلغ 100 مليار دولار العام الماضي أظهر الحاجة إلى إجراء تغيير”، وأن “خطة التحول في السياسة السعودية، التي يشرف عليها الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، لن تقتصر على الداخل، بل تمتد إلى الساحة الدولية”، في اشارة واضحة إلى الدعم الذي تقدمه للأنظمة الحليفة لها، وهو ما ظهر واضحا في ردود فعل السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي، وعودة الهشتاق الشهير “#الراتب_لايكفي”.
ورصد “سبستيان آشر”، تعليقات السعوديين الغاضبه على مواقع التواصل، وقال ” قد لجأ بعض السعوديين بالفعل إلى مواقع التواصل الاجتماعي كي يعبروا عن حسرتهم على أيام الملك عبد الله.”

أزمة مالية متصاعدة
الكاتب والإعلامي السعودي، “نواف القديمي” أكد أن السعودية لديها أزمة مالية متصاعدة، وقال “نزول أسعار النفط تسببت بعجز سنوي كبير في الموازنة الحكومية وصل في العام الماضي إلى قرابة المئة مليار دولار، وهو ما نتج عنه تقليص متوالٍ في الإنفاق”، ويضيف “القديمي” قائلا “استبشر المواطنون الصالحون برؤية 2030، التي تتحدث عن تنوع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد الكلي على النفط، لكن منذ صدور الرؤية والناس ترى الضرائب ترتفع والرواتب تتناقص، حتى أن أحد الوزراء السابقين كتب تويتة حظيت ب18 ألف ريتويت، قال فيها إن تنوع مصادر الدخل لا يعني أنه بدل الاعتماد على النفط يكون الاعتماد على ضرائب المواطنين!”
وقال “القديمي” عبر صفحته على “فيسبوك” إن معظم الموظفين السعوديين في المملكة يعملون في الحكومة، والقطاع الخاص يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي والمشروعات الحكومية، وهذا يعني أن أي تقليص في الإنفاق الحكومي سينعكس على الجميع وصدرت قرارات شملت إلغاء كثير من البدلات وإيقاف العلاوات السنوية .

قرار مدمر
اضاف أن “إلغاء البدلات وحده قرار مدمر لكثير من المواطنين، فنظام الرواتب في معظم القطاعات الحكومية يعتمد على رفع نسبة البدلات وتقليل الراتب الأساسي، وذلك لأجل إمكانية حذف البدلات في حال أي تقليص في الميزانية، دون أن يعني ذلك تخفيضًا في الرواتب الأساسية! .. لذلك قد يبلغ متوسط نسبة البدلات ما يقارب ال 30% من مجمل الراتب، وحذف البدلات يعني تخفيض الرواتب 30%‏.”

معاناة موظفي الحكومة
“القديمي” قال إن “جميع موظفي الحكومة تقريباً سيعانون من هذا القرار، لكن أكثر من سيعاني منه من لديهم قروض بنكية -وهم القطاع الأكبر من موظفي الدولة- لأن البنوك تعتمد نظام أن سداد القروض يجب ألا يزيد عن 35% من مجمل الراتب الشهري للموظف‏، والآن بعد إلغاء البدلات التي تصل ل30%، فسيتبقى له فقط 35% من راتبه الشهري.”

المزيد من القرارات الصعبة
الكاتب الاقتصادي، “غسان بادكوك”، قال إن الإجراءات المقرة الاثنين الماضي كانت متوقعة منذ شهور، وأضاف “لاحقاً أتوقع مزيدًا من قرارات خفض الدعم للخدمات الأساسية في المملكة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة مطلع 2018″، وقال “كل ما سبق من إجراءات سيضع تطبيق رؤية 2030 في سياقها الطبيعي، وخطتها الزمنية للتنفيذ”، نافياً أن يكون الإجراء الأخير مرتبط بأي فشل محتمل في اجتماع البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، الذي يعقد اليوم أو غدا في الجزائر.
ويلتئم أعضاء منظمة أوبك، في الجزائر، في اجتماع “غير رسمي” مرتقب، لبحث استقرار أسعار النفط المتراجعة دون 50 دولاراو للبرميل.

المساعدات للدول الحليفة
رئيس وكبير الخبراء في مجموعة خبراء المخاطر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لم يغفل حاجة حلفاء السعودية للدعم المالي، وقال: “لدى المملكة دول حليفة مثل مصر والأردن تحتاجان إلى مساعدات، وهذا يضيف أعباء على الخزينة السعودية”، لكن “بادكوك”، قال “على الرغم من إجراءات المملكة لخفض النفقات، والتي كانت ضرورية في الوقت الحالي”، فإن “السعودية ستواصل دعمها للدول الحليفة العربية والإسلامية”.

المرتبة الثالثة عالميا
“بادكوك”، قال إن السعودية احتلت المرتبة الثالثة عالمياً خلال العقود الأربعة الماضية، من حيث المساعدات المالية المقدمة للمجتمعات الفقيرة، وهذا ما أعلن عنه قبل أيام الأمير محمد بن نايف ولي العهد”.

القروض والودائع
وفي الوقت الذي ترتفع فيها النفقات الجارية عن الإيرادات، فإن المملكة غير قادرة في الوقت الحالي على الاستدانة محليًا، لوصول حجم القروض إلى الودائع للسقف الأعلى المسموح به (90% من إجمالي قيمة الودائع في المملكة مقدمة على شكل قروض)، بحسب تقرير صدر مطلع الأسبوع الجاري عن مؤسسة النقد السعودية.

تبعات إلغاء العلاوات
ولن تتوقف تبعات إلغاء علاوات لموظفي الدولة وخفض أجور الوزراء، على أوضاعهم فقط، “بل ستنتقل إلى أسواق التجزئة.. حيث يتوقع أن تتراجع القوة الشرائية في السوق المحلية.. اليوم على سبيل المثال تراجعت أسواق التجزئة بنسبة 4% في السوق المالية”، يلفت الزومان.