هل ستستمر السعودية بوتيرة الهجوم نفسه على حزب الله والمقاومة بعد العودة الأخيرة للسفير السعودي الى لبنان ، وبعد مرحلة من القطعية والضغط السياسي والدبلوماسي، قد يوحي الإفطار الذي دعا اليه السفير السعودي حال عودته الى بيروت والذي حشد فيه الحلفاء ، بان الرياض ترص الصفوف لاستكمال سياسية الهجوم القصوى على المقاومة في لبنان، الا ان الصورة أحيانا قد لا تعكس حقيقة الوضع. السفير وليد البخاري عندما تم توجيه سؤال له في مؤتمره الصحفي الذي جمعه مع السفيرتين الامريكية والفرنسية، حول هذه المسألة، وان كان الإفطار الجامع لقوى الحلفاء يعني المواجهة مع الحزب، أجاب بشكل دبلوماسي ان الرياض لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة اللبنانية، وانها تقف على مسافة واحدة من الجميع، وان المهم لديها هو استقرار لبنان. وبطبيعة الحال وان كانت إجابة لا تلبي طموحات خصوم حزب الله في لبنان، ولا يمكن الركون اليها باعتبارها مسارا سياسيا، وقد تكون اقرب للغة السفراء الدبلوماسية، الا ان في عمق ما يجري حاليا في الساحة اللبنانية نجد ان ثمة تغييرات هامة قد تطال السياسية السعودية ومسارها السابق في لبنان. ولا يمكن استبعاد احتمال قد يبدو صادما بان الرياض قد تفتح قناة للحوار مع حزب الله بعيدا عن الأنظار.
كلام الأمين العام لحزب الله “السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير والذي مرر فيه موقف يستحق التأمل ، يتخلص بنصيحة وجهها للرياض “بان لا يراهنوا ان أصدقاء اليمن سواء الجمهورية الإسلامية في ايران او أصدقاء اخرين يمكن ان يضغطوا على اليمنيين ليتنازلوا عن حقوقهم وان الطريق للحل السياسي في اليمن هو التفاوض المباشر مع حركة انصار الله والمجلس السياسي .فهل استبق السيد” نصر الله” أي طلب من هذا النوع قد يوجه للحزب في ملف اليمن؟ ام هل عبر السيد عن رفض سابق لطلب قد طرح على الحزب في وقت ما؟
الظاهر ان صياغة الخطاب السعودي المقبل في لبنان، سوف يعتمد على نتائج الجولة الخامسة من الحوار الإيراني السعودي والتي ستعقد قبل نهاية هذا الشهر، ويقال ان هذه الجولة هي الأهم لانها ستضع الملف اليمني على الطاولة لأول مرة منذ انطلاق الحوار، وان طهران وافقت بعد رفض لعدة جولات الحديث عنه بعد التشاور مع حركة انصار الله. ولا نعرف ان كان المتحاورون سوف يتطرقون الى ملف لبنان، ولكن بشكل طبيعي سوف يستمر بحث التقدم في العلاقات الثنائية.
ولكن بتقديرنا ان السهم انطلق من النشاب، وان الرياض شرعت منذ الان في تغير اتجاه السياسية حيال لبنان ، وان كان ذلك بخطوات متدرجة وما من شك بان الرياض لديها اطلاع على التقديرات التي تشير بغالبيتها بان الانتخابات المقبلة في أيار مايو لن تأتي بجديد لناحية الاحجام والتمثيل. وبالتالي فان المرحلة المقبلة بعد الانتخابات النيابية تحتاج بشكل اكيد لتوافق إقليمي امام استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة، والا فان الفراغ ومزيد من التدهور الاقتصادي سوف يلحق بلبنان. عدا عن تحديات الإقليم الاوسع امام صانع القرار السعودي، وتتمثل في انجاز الاتفاق النووي، وتداعياته التي سوف تشمل كل دول الإقليم. وحتى قبل توقيع الاتفاق المزمع، بدأت ايران بالخروج من دائرة العقوبات، وبدأ رفع التجميد عن أموالها، وعودة انتاجها النفطي الى ما كان عليه قبل العام 2018 تاريخ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. وكأننا امام اول اتفاق في التاريخ يبدأ تنفيذ الياته قبل التوقيع الرسمي عليه. وليس خافيا سبب عدم التوقيع الذي يتعلق بعقبات باتت معروفة. والتحدي المهم الاخر بالنسبة للسعودية وليس الأخير هو ملف العلاقات السعودية الامريكية المتدهورة.
ولا يعني الحديث عن استشراف التغير في المقاربة السعودية في لبنان، بان التسوية جاهزة، وان الاشتباك السياسي انتهى، انما وفق رأينا اتجاه السياسية السعودية مع إعادة العلاقات كاملة مع لبنان، ودعوة رئيس الحكومة اللبنانية لزيارة الرياض وان كانت بعنوان “أداء العمر” ليس كما يعتقد غالبية اللبنانيين بانها لمواصلة التصعيد وتشكيل جبهة موحدة لمواجهة حزب الله ، والاستمرار بحملة الضغوط السابقة. بل هي في مرحلة إعادة صياغة وفق كل المعطيات الإقليمية التي ذكرناها سابقا . وقد نكون في بدايات المقاربة الجديدة، وما ستحمله من تغييرات على مستوى الداخل اللبناني. يبقى السؤال المحير عن توجهات الرياض تجاه الطائفة السنية والنخبة السياسية السنية ، بعد توجيه السعودية ضربة كبيرة لأكبر مكون سني في لبنان تيار المستقبل، وابعاد زعيمه سعد الحريري عن الحياة السياسية ، دون إيجاد بديل. حسب اللقاءات التي جرت في الأيام الماضية ظهر اهتمام من السفير السعودي العائد ، برئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وقد عقد اجتماع منفرد معه برفقة السفير الكويتي قبل الجلوس الى الإفطار الجماعي ، فهل تحضر الرياض السنيورة لتزعم المرحلة المقبلة سنيا؟ وهل سيكون الحصان الأسود السعودي في حشد السنة في لخوض الانتخابات النيابية المقبلة؟