د. كاظم ناصر: العلاقات الأمريكية السعودية والكذب باسم حقوق الإنسان

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3140
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. كاظم ناصر

شعورنا بحقوقنا كبشر متأصل فينا جميعا مهما كانت درجة تخلفنا أو تقدمنا. فنحن جميعا ” أبناء آدم وحواء”، ولنا الحق في الحصول على حقوقنا الإنسانية المتساوية التي تجعل لحياتنا قيمة؛ وللتوضيح لا بد من الإشارة إلى” الإعلان العالمي لحقوق الإنسان Universal Declaration of Human Rights   ” الذي تبنته وصادقت عليه الأمم المتحدة في 10/ 12/ 1948، والذي يتكون من 30 مادة توضح” الحقوق والحريات الأساسية” للفرد، وتؤكد أهميتها وطابعها العالمي، وتعتبرها متأصلة فينا، وقابلة للتطبيق علينا جميعا. ولهذا فإن الإعلان يكرس حقيقة وهي أننا جميعا نولد أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق بغض النظر عن جنسيتنا ومكان إقامتنا، أو لوننا، أو عرقنا، أو ديننا، أو لغتنا، أو أي أمر آخر، وإن كل فرد منا له الحق في المساواة أمام القانون، والعمل، والحماية، والتعليم، والعناية الصحية، وحرية الفكر والتعبير، وممارسة الدين، والمشاركة في السياسة والشؤون العامة.

لم توجد دول ملائكية فاضلة كاملة الأوصاف في الماضي، ولا توجد في عالمنا المعاصر، وربما لن توجد أبدا. لكن العديد من دول القانون الديموقراطية المعاصرة، التي أنصفت الإنسان وأعلت شأنه ومكنته من المشاركة في الحكم، نجحت في تطوير نظمها السياسية ومؤسساتها وأصبحت آمنة مستقرة تنعم بالرخاء. بينما بقيت دول أخرى ومنها دولنا العربية التي ظلمت الإنسان وفشلت في تطوير نفسها دولا تسلطية قهرية فاسدة.  فحسب القائمة التي أصدرها مؤشر الدول الديموقراطية The Democracy Index لعام 2020 كانت المملكة العربية السعودية في ذيل القائمة، حيث لا توجد من دول العالم أل 195 من هي أسوأ منها في حرمان الانسان من حقوقه سوى ستة دول.

فلا غرابة في ذلك لأسباب عديدة من أهمها أن جميع السلطات في السعودية مركزة في أيدي الملك وولي العهد وأمراء المناطق وجميعهم ينتمون إلى عائلة آل سعود الحاكمة، ولا يوجد فيها برلمان منتخب. والدولة تقيد الحريات، وتتحكم في الاعلام، ولا تسمح بوجود أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات مجتمع مدني، وتمنع الشعب من المشاركة في الحياة السياسية، وتعتقل رجال الدين والفكر والناشطين والناشطات المطالبين بالإصلاح السياسي والاجتماعي، وتمنع التجمعات والتظاهرات والاحتجاجات، ولا تسمح لأتباع الأديان الأخرى بممارسة شعائرهم الدينية، وتميز بين الأقليات المسلمة، وعلى الأخص بين السنة والشيعة حيث يشمل هذا التمييز المذهبي التعليم، والقضاء، والحريات الدينية، والجيش، والتوظيف.

ولا يوجد في المملكة دستور وقوانين وضعية تنظم حياة الناس؛ فالقانون السعودي يتكون من شيوخ يقومون بدور القضاة، ويستخدمون مبادئ شرعية .. غير مدونة ..، وغالبا ما يفسرون القرآن الكريم والأحاديث النبوية ويصدرون الفتاوى حسب أوامر ومصالح ” ولاة الأمر.” أضف إلى ذلك وجود 70 ألف سعودي ” بدون “، أي يعيشون في البلاد بدون هوية، ولا تعترف الدولة بمواطنتهم وحقوقهم، ووجود ما يزيد عن عشرة ملايين مهني وعامل عربي وأجنبي في البلاد لا حقوق لهم ولأبنائهم في التعليم، والعناية الصحية المجانية، والتقاعد مهما طالت مدة خدمتهم، ويتقاضون رواتب أقل بكثير من الرواتب التي يتقاضاها السعوديون.

ببساطة لا وجود لحقوق الانسان في السعودية، وأمريكا التي تعلم ذلك جيدا حافظت على علاقات مميزة مع المملكة خلال الثمانين عاما الماضية، ولم تفكر في يوم من الأيام بحقوق الشعب السعودي، ولم تضغط على أي من ملوكها لإجراء إصلاحات سياسية تعطي الشعب .. بعض .. حقوقه وتسمح له بالمشاركة في الحكم! فلماذا أثارت إدارة جو بايدن الجديدة مسألة حقوق الإنسان في السعودية الآن؟ ولماذا تثير قضية حقوق الانسان في السعودية ولا تثيرها في الدول العربية التسلطية الأخرى؟ وإذا كانت أمريكا حريصة على حقوق الإنسان كما تدعي فلماذا تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني؟

انتقاد أمريكا للسعودية فيما يتعلق بحقوق الانسان، والضغط الذي مارسته عليها لإطلاق سراح المعتقلة لجين الهذلول، وتخفيض أحكام الإعدام عن علي النمر، وداود المرهون، وعبد الله الزاهر ليست سوى محاولات لتلميع صورة المملكة بعد فضيحتها بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، واعتقالها لرجال دين ومثقفين وناشطين وناشطات وأمراء، وفشلها في تحقيق نصر في الحرب اليمنية، وإخفاقها في التعامل مع إيران وتكريس نفسها كقائدة للسنة في العالم العربي.

أمريكا تغض الطرف عن بطش وتسلط الأنظمة الدكتاتورية العربية الموالية لها ولإسرائيل، ولا تهتم بما يعاني منه الإنسان العربي؛ ولهذا فإن الهدف من إثارتها لموضوع حقوق الإنسان في السعودية هو تحسين صورة النظام ودعمه وحمايته، وليس حرصا منها على حقوق الانسان. أي إن حرصها المعلن حديثا عن حقوق الإنسان السعودي ليس إلا .. كذبة .. الهدف منها مساعدة السعودية في التعامل مع أزماتها الحالية، والضغط عليها ومواصلة ابتزازها ماليا، ودفعها لقبول الحلول السياسات الانهزامية التي ستحاول إدارة بايدن فرضها على العالم العربي خلال السنوات الأربع القادمة وفي مقدمتها تصفية القضية الفلسطينية!

كاتب فلسطيني