الحل اليسير والخيار العسير.. التوتر في الخليج وسبل تخفيفه

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3340
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. سعد ناجي جواد
 ليس هناك اي شك ان منطقة الخليج العربي تعيش فترة من اخطر وادق مراحلها، ومنذ ان اقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ اغبى قرار سياسي تمثل في احتلال و تدمير العراق. وعلى الرغم من ان الغالبية العظمى من الأطراف (سواء كانت عراقية او عربية او اجنبية، باستثناء إسرائيل) شعرت، حتى وان كابرت، بالخطا الفادح الذي ارتكبته في التعاون او في تسهيل هذه الكارثة، الا انه ومن المؤسف ان قسما غير قليل من هذه الأطراف لا يزال يصر على أخذ المنطقة الى هاوية أخرى لا مخرج لها وكارثة مدمرة. المؤسف بل والمبكي في الامر ان العرب سوف لن ينوبهم من هذه الكارثة ان حلت اي خير، وان الطرف المستفيد الأول منها سيكون إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية ثانيا و الغرب ثالثا.
منذ ان وجدت إسرائيل نجح داعميها و متبنيها و مريديها في الترويج لمفاهيم حاولت، ونجت في ان تزرعها في التفكير العالمي وبالذات، وهذا الأهم، في التفكير العربي والإسلامي. اول هذه الأفكار هي ان هذا الكيان، كما يردد الغرب والولايات المتحدة، قد أسِسَ (ليبقى) وثانياً ان هذا الكيان قوة لا تقهر من قبل أية قوة إقليمية أخرى، خاصة اذا كانت عربية، وثالثا ان اي دولة عربية لا يمكن ان يسمح لها ان تصل الى مستوى من القوة يمكن من خلاله ان تشكل تحديا لاسرائيل، عسكريا او حتى سياسيا. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف زُوِدَت إسرائيل بكل مستلزمات القوة العسكرية، اولا من قبل بريطانيا لكي تنجح في فرض هيمنتها واغتصابها للأراضي الفلسطينية، ثم تولت الولايات المتحدة المهمة حتى مكنت إسرائيل من اخضاع كل الدول العربية المجاورة وغير المجاورة. الأخطر من ذلك هو نجاح اسرائيل والدعاية الغربية في زرع قناعة لدى قيادات واوساط عربية وإسلامية كثيرة مفادها عقم أية محاولة لتحدي إسرائيل، وعندما كانت تظهر بوادر أمل كان يجري التآمر عليها و وأدها وتدميرها. بعد ان تم ترسيخ هذه القناعات لدى غالبية الأنظمة والحكام العرب، بدأت مرحلة جديدة من التآمر تتمثل في محاولة خلق تفكير مفاده ان اسرائيل هي ليست العدو الأول للامة العربية والإسلامية، وان التعاون مع اسرائيل يمكن ان يحقق السلام وان الخيار الأفضل للعرب هو قبول إسرائيل كجزء من نظام شرق أوسطي جديد، والأهم هو ان يقبل الفلسطينيون بالتنازل عن حقوقهم وارضهم ويقبلوا ان يكونوا (مواطنين من الدرجة الثانية في إسرائيل). بدليل ان كل ما قدمته قيادات فلسطينية من تنازلات من اجل الوصول الى حل الدولتين اثبت فشله وانه وهم تم خداعهم به.
الان تحاول إسرائيل والولايات المتحدة ان تقنع العرب بحل عسير مبني على الادعاء ان ايران هي الخطر الأكبر على الأمة العربية وأنها العدو الأول لها وأنها، وهذا الأهم تشكل، التهديد الأكبر والأخطر على منطقة الخليج. هذا الامر جَرٌَ الى تعاون مع إسرائيل من ناحية بدعوى درء هذا الخطر، ومن ناحية ثانية الى فرص (إتاوات) على بعض الأنظمة العربية لكي تحصل على حماية مباشرة من الولايات المتحدة وشبه علنية من إسرائيل. ثم جرى ويجري إستنزاف موارد الدول الخليجي باسلحة ومعدات عسكرية بأثمان خيالية، ليس فقط لم تنجح في حماية اجواء و أراضي معظم هذه الدول وإنما ايضا شكلت عبئا على هذه الدول، التي كان من الممكن ان تستثمر هذه المبالغ الهائلة في داخلها وعلى ضمان مستقبل شعوبها، بل وحتى في الأقطار العربية الأخرى التي تعاني اقتصاديا. وأكثر ما يؤلم المشاعر الوطنية والإنسانية، ويمثل اهانة ليس بعدها إهانة للعقل العربي، هو ان يقوم رئيس اكبر دولة في العالم بالتبجح بانه استطاع ان يحصل على جزء كبير من ثروات هذه الدول، وان على هذه الدول ان تدفع المزيد لكي تحصل على حماية اميركية، وهو كلام لا يزال يردده على الملا وبحضور روؤساء وأمراء وملوك عرب، ودون ان يرد عليه اي منهم بالقول ان كل الأموال التي دفعوها ولا يزالون لم تؤمن لدولهم الحماية الأمريكية المطلوبة. علما بانه قالها صراحة في اكثر من مناسبة بانه غير مستعد لان يحارب من اجلهم.
في ظل هذا الوضع المتأزم والمحفوف بالمخاطر، والذي ينبيء بحروب كبيرة محلية او إقليمية، سوف يكون اول وأكثر ضحاياها هم من العرب، لابد من التفكير بهدوء وعقلانية للحيلولة دون الانجرار الى كوارث، تمثل أهدافا اسرائيلية بالأساس، لكي تبقي كيانها بعيدا عن أية مخاطر. لان الحقيقة التي يحاول الكثير ان يتغافل عنها ويفندها، وسواء اتفقنا ام لم نتفق حول أهدافها، تقول ان ايران سواء بقوتها او بدعمها للفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين أصبحت تمثل تهديدا لإسرائيل، وان الأخيرة تريد ان تشاهد، اليوم قبل غدا، ايران مدمرة او محاصرة وعاجزة حتى عن تلبية متطلبات العيش لمواطنيها، كما فعلت مع العراق لمدة ثلاث عشرة سنة. وفي هذا السياق يدخل قرار الرئيس الأمريكي بإلغاء الاتفاق النووي الذي، و باعتراف كل المنظمات العالمية المختصة، اكد على نجاعته في منع ايران من امتلاك سلاح نووي، (علما بانه لم يُتَخَذ اي اجراء لمنع إسرائيل من امتلاك مثل هذا السلاح المدمر). ان كل الدلائل تشير الى ان ما يجري الان هو من ناحية محاولات لخنق ايران وتركيعها أمريكيا واسرائيليا، ومن الناحية الثانية محاولات إيرانية لرفض هذه السياسة. وهذه كلها تأخذ أشكال مواجهات غير مباشرة في الغالب بين الطرفين، تمثلت في مهاجمة السفن والموانيء والفصائل المسلحة، وكل آلتصعيدات الخطيرة الأخرى التي تشهدها المنطقة. ولا توجد اي بوادر لتخفيف هذه التوترات، واصلا إسرائيل لا تريد لهذا التوتر والتصعيد ان ينحسر بدون ان تحقق هدفها في توجيه ضربة عسكرية كبيرة لإيران ولفصائل المقاومة الوطنية، التي اثبتت انها استطاعت ولأول مرة فرض قواعد اشتباكها وقوة ردعها وأساليب منازلتها على الجيش الاسرائيلي الذي صُوِرَ على مدى عقود بانه لا يقهر.
ومن ناحية أخرى فان الأزمة الحالية، و ماسبقها من تدمير للعراق كدولة و كقوة إقليمية وما يجري في سوريا، كلها بالتأكيد احداث ساعدت على زيادة نفوذ ايران في المنطقة بصورة كبيرة، لكن يجب التذكير ايضا ان من تسبب في ذلك هو السياسة الأمريكية و الاسرائيلية، وان السبيل الوحيد لضبط هذه الحالة يكمن في حوارات عربية – إيرانية، وليس عن طريق الاعتماد على الحماية الأمريكية – الاسرائيلية، التي لم و لن تتحقق اولا، وثانياً فان ما يجري الان في جزء كبير منه يمثل هدفا اسرائيليا طالما سعت اليه، مفاده ابقاء كل دول المنطقة ممزقة و ضعيفة وتنهشها الحروب الداخلية.
في حالة مماثلة ليست بالبعيدة، وعندما حاولت الولايات المتحدة ورئيسها الحالي ان يبتز كوريا الجنوبية كي يبيعها أسلحة لا تحتاجها بدعوى انها ستحميها من خطر كوريا الشمالية، وجد قادة كوريا الجنوبية حلاً اسهل واضمن ويحفظ الموارد لكي تصرف على التعليم والصحة والرفاه الاقتصادي والاجتماعي، تمثل في للجوء الى الصين لكي تكبح جماح كوريا الشمالية وتنهي تهديداتها لكوريا الجنوبية. و قامت الصين بفعل ذلك. وبهذا وفرت كوريا على نفسها شراء الأسلحة او دفع أية دية إضافية للولايات المتحدة بدعوى حمايتها من خطر جارتها الشمالية. دول الخليج اليوم تستطيع ان تفعل ذلك وبكل سهولة. فاولا هي تستطيع ان تفتح حوارات مع ايران لتخفيف الأزمات المتصاعدة، وتستطيع وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها ايران ان تحقق مكاسب سياسية من خلال مثل هكذا حوارات، وان تحد من امتدادات ونفوذ ايران المتصاعد، والأهم انها تستطيع ان ترسي سياسة أمنية متكافئة في منطقة الخليج. وإذا كانت دول الخليج تجد صعوبة في فعل ذلك فانها تستطيع تلجا الى روسيا التي ستكون اكثر من سعيدة للعب هذا الدور، وكذلك تركيا، بل وحتى بعض دول الخليج نفسها يمكنها ان تلعب هذا الدور، شريطة ان يكون مدعوما من قبل الدول الأخرى. غير ذلك فان الاعتماد على (النصائح) والتحريضات الاسرائيلية و الأمريكية سوف لن ينتح عنه سوى زيادة في التوتر و استمرار التصعيد، وان ما سينتج عن هذا الجو الملتهب امران. الأول ان الرابح الوحيد فيه ستكون إسرائيل، وإذا كان هناك من يعتقد ان ربح إسرائيل سيخدمه فهو واهم جدا. والأمر الثاني المؤكد ان الخاسر الأكبر ، على الأقل اقتصاديا وبشريا وبيئيا، هم العرب وخاصة في منطقة الخليج العربي. ومن يعتقد ان الولايات المتحدة سوف تحارب من اجله ومن اجل حمايته او من اجل نقل مجتمعه الى حالة أفضل هو اكثر وهما، ويستطيع من يشكك في ذلك ان يعود ليقرأ تصريحات وأفعال قادة الولايات المتحدة قبل وأثناء العدوان على العرق وما حل ويحل بهذا الجزء الغالي من الأمة.
بإيجاز بسيط ان المسالة تحتاج الى حكمة قليلة وقرار لفتح حوار عربي إيراني مباشر وبعيد عن التأثيرات الخارجية، وسيكتشف الجميع كم هو يسير امر تخفيف التوتر ونزع فتيل الحرب التي كثر الحديث عنها والتهديد بها، وسيكتشف الجميع ان الاعتماد على الذات وعلى جهود ابناء المنطقة هو أفضل بكثير وارخص واضمن من الاعتماد على أعداء الأمة الذين لم يثبتوا في أية مرحلة من المراحل انهم مهتمون بها و بشعوبها. وعسى ان يهدي الله العلي القدير الجميع لما فيه خير ابناء المنطقة.

كاتب واكاديمي عراقي