مضاوي الرشيد: إقامة مؤتمر صحفي دولي بالسعودية "مهزلة"
هاجمت المعارضة السعودية مضاوي الرشيد، إقامة مؤتمر صحفي دولي في الرياض، في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، معتبرة أنها تأتي في سياق تحسين سمعة السعودية إثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وتسعى السعودية إلى جعل الحدث سنويا، وسط انتقادات من إقامته بعد عام تقريبا على جريمة مقتل خاشقجي.
وكتبت الرشيد في مقالها الذي نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن ابن سلمان "يحتاج إلى مثل هكذا مؤتمرات وأدوات ناعمة بقدر ما يحتاج إلى القمع".
على الرغم من الإعداد لمؤتمر يقصد منه تحسين سمعة الرياض الصحفية إلا أن قضية اغتيال خاشقجي تثبت كم هي بعيدة هذه الفكرة عن الواقع.
تحتاج شخصية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القوة الناعمة بقدر ما تحتاج إلى القمع.
أحدث مبادرة لتعزيز الدعاية الحكومية هي إقامة منتدى الإعلام السعودي، والذي يُقصد منه تحسين سمعة البلد. فبتوافق مع جمعية الصحفيين السعودية، من المقرر أن ينعقد المؤتمر الدولي في شهر نوفمبر / تشرين الثاني، بعد مرور عام على جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي واعتقال عدد من الكتاب والصحفيين.
سوف يُدعى إلى المؤتمر عدد من الصحفيين المحليين والدوليين لمناقشة التحديات والفرص التي تواجه قطاع الصحافة والإعلام ولتوزيع الجوائز. ولقد صرح رئيس جمعية الصحفيين السعوديين خالد المالك بأن المناسبة ستصبح حدثاً سنوياً "لتكريس اسم الرياض كعاصمة للإعلام العربي" وتحسين سمعتها السياسية والاقتصادية.
متصيدو مواقع التواصل الاجتماعي
لربما كان الدافع من وراء هذه المبادرة المريبة هو الفشل الذريع الذي منيت به وسائل الإعلام السعودية في احتواء ومواجهة التغطية السيئة التي تبعت جريمة قتل خاشقجي.
لقد أخفقت وسائل الإعلام السعودية المحلية ومحطات التلفزة التي تبث إلى العالم العربي عبر الستلايت في ترجيح كفة النظام لدى الرأي العام، حيث كان واضحاً منذ البداية أن الرياض هي التي تقف وراء جريمة القتل البشعة التي وقع ضحية لها خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
لم يفلح سيل من الأكاذيب والتصريحات الرسمية والدفاع القانوني الهزيل في إقناع الجمهور المثقف حول العالم ببراءة النظام، وذلك بالرغم من ترويج متصيدي مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الأكاذيب عبر الإنترنيت بهدف تحيير المراقبين وإثارة حالة من الارتباك بشأن الجهة التي تتحمل المسؤولية عن جريمة القتل تلك.
وبينما انحدرت تغطية مستجدات قضية خاشقجي لتصبح مجرد دعاية سخيفة لصالح النظام، وذلك في محاولة لتبرئة ساحة ولي العهد من أي مسؤولية، تظل الحرب في اليمن، والتي دخلت عامها الخامس، مغامرة شائكة تجلب على المملكة نقداً وتنديداً دوليين.
لقد ألقت صور الأطفال المتضورين جوعاً، والدمار الشامل، واستهداف المدنيين، بظلالها على الدعاية التي يبذلها النظام لإبراز دوره في عمليات الإغاثة. لم يتوقع أحد أن تبادر وسائل الإعلام السعودية إلى شرح كيف انحرفت الصواريخ عن أهدافها وتسببت في قتل المئات من المدنيين، أو كيف استهدفت الغارات الجوية مركزاً طبياً تابعاً لمنظمة أطباء بلا حدود يعالج فيه المرضى المصابون بالكوليرا.
الانفتاح على إسرائيل
ما من شك في أن إصلاح وسائل الإعلام السعودية أمر ملح، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار الاندفاع المثير للخلاف باتجاه إبرام "صفقة القرن"، تلك المبادرة الأمريكية المدعومة سعودياً والهادفة إلى تحقيق سلام مع إسرائيل دون إشراك المتضررين بشكل مباشر من الاحتلال والإبعاد والقصف، أي الفلسطينيين.
بات انفتاح الرياض على إسرائيل سراً مفضوحاً، تذيع أخباره بشكل أساسي وسائل الإعلام الإسرائيلية بدلاً من وسائل الإعلام السعودية. وبينما تعج وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار الرحلات التي يقوم بها سعوديون إلى إسرائيل، تعمد وسائل الإعلام السعودية في العادة إلى تجاهل تلك الأخبار وتنأى بنفسها عن تناولها بأي نقاش.
ولا تكاد تجد أدنى ذكر في هذه الوسائل الإعلامية لأخبار اللقاءات الرسمية بين الطرفين أو المشتريات السعودية للتكنولوجيا الإسرائيلية في مجال الرقابة والتجسس، بل إن مثل هذه الأنباء كثيراً ما تقابل بالزعم أنها مجرد دعاية مغرضة بهدف تقويض النظام السعودي والنيل من سمعته وتشويه صورته في أعين شعبه.
وأخيراً، هناك الإمبراطورية الإعلامية التابعة لقطر، والتي أخفقت المملكة العربية السعودية في مضاهاتها أو في تقويضها، بل باتت الآن عازمة على مواجهتها من خلال منح نفسها صفة عاصمة الإعلام العربي – وهو مشروع سينتهي لا محالة إلى الفشل الذريع وسيؤول إلى مجرد أكاذيب وأكاذيب مضادة ودعاية سياسية رخيصة.
ليست وسائل الإعلام السعودية قوة ناعمة فاعلة ولا هي مصدر موثوق للأخبار والتحليلات. وهذا ينطبق على جميع وسائل الإعلام العربية التي تمولها الحكومات وترعاها، بما في ذلك إمبراطورية الإعلام القطرية وسكاي نيوز العربية التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
فجميع الحكومات التي تظن أن بإمكانها استخدام وسائل الإعلام ذراعاً لسياستها الخارجية تنتهي إلى خيبة أمل، وذلك لأن مواقع التواصل الاجتماعي باتت اليوم هي المصدر الرئيس للمعلومات بالنسبة للجمهور العربي بل ولجمهور المتلقين حول العالم. وكلما حاولت الحكومات ضبط هذه الأشكال الإعلامية الجديدة والتحكم بها، ينتهي أمرها إلى افتضاح ولا تعود عليها دعايتها إلا بالخزي والشنار.
ومع ذلك، فثمة حرب إعلامية تدور رحاها بين الفصائل المتقاتلة في الخليج وفيما هو أبعد منه تنتظر من يفوز بها. إلا أن سرديات وسائل الإعلام العربية لا تصلح إلا نوافذ يطل المرء من خلالها ليطلع على نزاعات الأنظمة القمعية فيما بينها وعلى محاولاتها العقيمة لستر عوراتها.
السيطرة على وسائل الإعلام
سوف تثبت الأيام أن محاولات السيطرة على وسائل الإعلام وتوزيع المنح والجوائز على الصحفيين السعوديين والعرب والأجانب الأكثر ولاءً ستفضي إلى النقيض تماماً مما يرجى منها. وها قد رأينا كيف أن بعض أشهر الصحفيين في الغرب ممن وقعوا في البداية في حبائل الدعاية السعودية حول الإصلاح والتحديث ما لبثوا أن نأوا بأنفسهم عن هذه الأوهام.
ومن الأمثلة على ذلك توماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز ودافيد إغناتيوس من صحيفة واشنطن بوست. فقد كتب الرجلان في البداية مقالات وردية تكيل المديح لما زُعم في حينه أنها إصلاحات محمد بن سلمان، ولكن ما لبثا أن اكتشفا أن كلماتهما كانت تدعم نظاماً دموياً ارتكب فيما بعد جريمة قتل كان ضحيتها زميل لهم في المهنة هو جمال خاشقجي.
والصحيح أنه حتى يتسنى للمملكة العربية أن تصبح فعلاً عاصمة الإعلام في العالم العربي فإنها بحاجة إلى حرية التعبير، ولا يضمن ذلك إلا نظام سياسي ديمقراطي على درجة عالية من الشفافية. ولن يغير أي مؤتمر من هذه الحالة المهمة، ولن يكون حدث نوفمبر/ تشرين الثاني القادم سوى فرصة تتيح للمدعوين من الصحفيين الأجانب التمتع برحلة قصيرة يحاطون خلالها بكرم الضيافة وتغدق عليهم فيها المنح والعطايا.
ينبغي على من يحترم نفسه من الصحفيين الأجانب ألا يقع فريسة لإغراءات دعوة تأتيه من نظام أثبت أنه لا يتساهل مع أدنى مستويات حرية الكلمة والتعبير، بل وصل به الأمر إلى أن يرتكب جريمة قتل بحق واحد من أنبل الصحفيين، ويُغيب في زنازين سجونه كثيرون آخرون.