هل تحتاج إيران رقم الهاتف الخاص لترامب لمُهاتفته في البيت الأبيض؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2713
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ولماذا يَلجأ إلى سويسرا مُستَجدِيًا تمريره لقِيادتها؟ وما هو تفسير “مُعايَرته” للسعوديّة للمرّة الثّانية في 10 أيّام بالحِماية الأمريكيّة؟
عبد الباري عطوان
 المرّة الثانية يستَجدي الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب المَسؤولين الإيرانيين ويدعوهم ‏للجُلوس إلى مائِدة الحِوار في أقل من يومين، حيثُ كشفَت شبكة “سي إن إن” أنّ البيت الأبيض مرّر الرّقم الخاص بِه إلى سويسرا باعتِبارها تُمثّل المصالح الإيرانيّة في أمريكا، في حال رغبتهم بالاتّصال به، ولكنّ السّلطات السويسريّة لم تَقُم بهذهِ المُهمّة لأنّ الإيرانيين لم يطلُبوا مِنها ذلك.
يوم الخميس الماضي خاطَب الرئيس الأمريكيّ الإيرانيين في مُؤتمرٍ صحفيّ دعاهم فيه إلى مائدة الحِوار من أجل التوصّل إلى اتّفاق نوويّ جديد، وعَد بأنْ يكون عادِلًا، وقال إنّ ما يجب عليهم فِعله هو الاتّصال به.
لا نعتقد أنّ المسؤولين إلايرانيين يُريدون الرّقم الخاص لرئيس ترامب من أجل مُهاتفته، ولو رَغِبوا بذلك يكفِي أن يخرُج الرئيس روحاني‏، أو وزير خارجيّته محمد جواد ظريف في مُؤتمرٍ صحفي، ويُعلن أنّه يُريد التّجاوب مع الدعوة الأمريكيّة للحِوار، ولكنّه لم يفعل لسببٍ بسيطٍ، وهو تمسّكهم بشُروطهم الواضِحة في هذا الصّدد التي يُمكن تلخيصها في نُقطتين: الأُولى، رفع العُقوبات الأمريكيّة المفروضة على بلدهم فورًا، والثّانية، عودة الإدارة الأمريكيّة إلى الاتّفاق النوويّ الذي انسَحبت منه.
هذا الاستِجداء الواضح للإيرانيين ربّما جاء بعد أن توصّل الرئيس ترامب إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنّ أُسلوب التّهديد وإرسال حاملات الطّائرات، وقاذِفات “بـ 52” العِملاقة إلى مِنطقة الخليج لم تُرهبهم، أيّ الإيرانيين، ولهذا بات يبحث عن سُلّم النّزول من فوقِ شجرةِ التّهديدات العالية التي صعَد إليها.
***
الرئيس ترامب استخدم أُسلوب التّهديد نفسه مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونج أون، وتعرّض لخديعةٍ كُبرى مُذلّة عندما وافَق الأخير على اللّقاء بِه مرّتين، الأولى في سنغافورة، والثّانية في هانوي، حيث لم يُقدّم الرئيس الكوري أيّ تنازل في القمّتين، حتّى أنّ الرئيس ترامب انسحب من القمّة الأخيرة غاضبًا، وهرول إلى المطار مُستقِلًّا طائرته عائِدًا إلى واشنطن، والأخطَر من ذلك أن الرئيس الكوري الشمالي واصَل التحدّي، وأعاد العمل في برامجه الصاروخيّة، وأطلق أمس مجموعة صواريخ قصيرة المدى في بحر اليابان، مثلَما أجرى مُناورات عسكريّة تضمّنت إطلاق صواريخ باليستيّة بعيدة المدى تصِل إلى العُمق الأمريكيّ.
لا أحد يخضع للتّهديدات الابتزازيّة غير الدول الخليجيّة، والسعوديّة على وجه التّحديد، التي عايَرها ترامب أمس وللمرّة الثانية خلال 10 أيّام بأنّه يُوفّر الحِماية لها، وقال في خطابٍ ألقاهُ أمام تجمّع لأنصاره في فلوريدا، أنّ دولًا مثل السعوديّة غنيّة جدًّا ولا تملك غير المال، ويجِب أن يدفعوا لنا ثمن حِمايتهم.
إدارة الرئيس بوش الأب استخدمت التّهديد الابتزازيّ نفسه مع العِراق بعد غزو الكويت عام 1990، عندما التقى جيمس بيكر، وزير الخارجيّة الأمريكيّ نظيره العِراقيّ طارق عزيز في جنيف، ولكنّ السيد عزيز رفضها كُلّيًّا بإباءٍ وشَمَم يليق بالعِراق والأمّة العربيّة، ورفض تسلّم خِطاب الإدارة الأمريكيّة التي يتضمّن هذه التّهديدات وتركه ‏على طاولة الاجتماع، وصمد العِراق في وجه الحِصار، وقاوم بعد الغزو، وكلّف الخزينة الأمريكيّة سبعة تريليون دولار وأربعة آلاف قتيل.
القِيادة الإيرانيّة تعلّمت من كُل الدّروس في هذا المِضمار، الدّرس الليبي المُتمثّل في الوثوق بالوعود الأمريكيّة وتفكيك برامج تجاربها النوويّة والكيماويّة وتسليم مخزونها للإدارة الأمريكيّة، ودفعت ليبيا ثمَنًا غاليًا، ومن التّجربة العِراقيّة في فتحِ أراضيها لفِرَق التّفتيش وتدمير أسلحتها البيولوجيّة والكيماويّة بالتّالي، وجاءت النّتيجة غزوًا واحتِلالًا.
الرئيس ترامب يفهم في الصّفَقات التجاريّة، ويُحاول نقل خبرته في هذا المِضمار إلى ميادين السّياسة التي يجهلها، والعلاقات الدوليّة، ويخرُج من فشلٍ ليقع في آخر، وهو كتاجر أجبن من أن يخوض حربًا ضِد إيران، ولكن الخوف أن يدفعه إليها الثّالوث الصّهيوني نِتنياهو، كوشنر، بولتون، فلن يجِد رئيسًا أفضل منه لتنفيذ مُخطّطاتهم وخوض حُروبهم، ومُحاولة تسليم المِنطقة لزعامتهم.
عودة ترامب للسخرية من المملكة العربيّة السعوديّة مُجدّدًا ليس لها إلا تفسير واحد، وهو رغبته في ابتزازها، والدول الخليجيّة الأخرى، ودفعها إلى تغطية نفقات الحُشودات العسكريّة الأمريكيّة الجديدة في منطقة الخليج، وربّما تمويل أيّ حرب يخوضها ضِد إيران إذا تطوّرت حالة التّصعيد ‏الحاليّة إلى هذه النّتيجة، وخرجت عن نِطاق السّيطرة، فلم يكُن من قبيل الصّدفة أن تُعلن الإدارة الأمريكيّة الخميس عن اتّفاق حول بيع دولة قطر 24 طائرة مروحيّة هُجوميّة بقيمة 3 مِليارات دولار، فلماذا تحتاج قطر كُل هذه الطّائرات وهي تستضيف قاعدة العيديد الجويّة الأمريكيّة؟
***
لا نعتقد أنّ إيران سترضخ لهذه التّهديدات الابتزازيّة الأمريكيّة، وستتمسّك بكُل شُروطها للعودة لأيّ حِوار، أيّ رفع كامل للعُقوبات، وتراجُع إدارة ترامب عن انسحابها من الاتّفاق النووي، وإلا العودة إلى التّخصيب بأعلى مُعدّلات مُمكنة، واستِخدام كُل ما في جُعبتها من وسائل القوّة للتصدّي لأيّ عُدوان أمريكيّ، بِما في ذلك قصف القواعِد وحاملات الطائرات والسّفن الأمريكيّة، وتلغيم مَضيق هرمز وباب‏ المندب، وفتْح أبواب ترسانتها الصاروخيّة التي أُعِدّت لهذا اليوم.
هُناك 6000 جندي أمريكيّ في العِراق باتوا تحت رحمة قوّات الحشد الشعبيّ، وحواليّ 2000 شرق الفُرات، يُواجهون المَصير نفسه، أمّا إسرائيل فإنّ صواريخ “حزب الله” و”الجِهاد الإسلامي” كفيلةٌ بِها.. والأيّام بيننا.