الكلفة العربية لإعادة انتخاب ترامب!
جواد العناني
السؤال الصعب: ماذا لدى العرب من بدائل للخروج من هذه الحلقة الشرسة؟
لماذا يتحمل العرب كلفًا وفرصًا ضائعة لنبقى مرتهنين في مستقبلنا وأمننا للإدارات الأميركية؟
إدارة ترامب الحالية التي لا تبادلنا حباً بحب، بل تزيد إمعاناً في تذكيرنا بهواننا وضعفنا أمامها!
إحداث زلزال يَدُكّ الاقتصاد الدولي ويؤدي لانتكاسةٍ اقتصاديةٍ ممتدة سيكبد العالم تريليونات أخرى.
* * *
لا شك أن الدول العربية، وخصوصا الغنية منها، تتحمل تكاليف مرتفعةً من جرّاء الحملة الانتخابية الأميركية. وفي خطابه الذي ألقاه يوم 27 من إبريل/ نيسان الماضي في مدينة بولينغ غرين في ولاية ويسكونسن، بيّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألوانه الحقيقية.
إنه لا يزال الرئيس نفسه الذي يعتقد أنه قادر على أن يقنع منافسيه وحلفاءه بتقديم كل ما يطلبه منهم، ولا فرق بين أن تكون صديقه أو غريمه، فعلى كليهما أن يدفع ويؤدي الجزية في مقابل رضاه عنهم، ولو إلى حين.
قال في ذلك الخطاب إن المملكة العربية السعودية قد وافقت على دفع مخصصات مقابل حمايته لها أو لنظامها، وذكر أن المملكة قد اشترت من أميركا صفقات بمقدار 450 مليار دولار. وهي، بحسب قوله، دولة ارتكبت أخطاء، ولكنه لا يستطيع من أجل مصلحة شعبه أن يتنازل عن الصفقات التي عقدها.
وذكر ترامب دولاً أخرى عفو الخاطر، مثل الإمارات العربية المتحدة، من دون أن يحدّد ما أخذه منها. وذكر كذلك دولة قطر، ليقول إنه يتمسك بكل هذه الدول تحقيقاً للمصالح الأميركية.
وهو يشعر الآن بحالة زهو وخيلاء، بعدما فشل تقرير القاضي روبرت مولر في إدانته بتهمة التخابر والتآمر مع الروس، وألقى ماءً باردا على تهمة عرقلة سير العدالة بتدخلاته الفاشلة لعزل مولر، وآخرين من حوله.
يبدو الرجل واثقاً من فوزه في الانتخابات المقبلة. وعاد كما بدأ يكرر الشعارات نفسها، ويفتخر بالمواقف نفسها، ويستخدم كلمات قاسية ضد الرئيس السابق باراك أوباما وأسرة كلينتون، وأعضاء الحزب الديمقراطي البارزين. ويكرر العبارات نفسها غير الإنسانية بحق أهالي دول أميركا الوسطى الزاحفين للهجرة إلى الولايات المتحدة.
ويعتقد ترامب، كما تعكس ذلك أقواله، بأن العالم كان يتخذ من أميركا هزواً، ويضحك عليها، ويستغل سذاجتها، فالصين تسرق التكنولوجيا، وتضع جمارك على السلع الأميركية، في وقت تدخل سلع الصين إلى أميركا، من دون رسوم جمركية أو مكوس. ووصف الوضعية نفسها مع الهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأوروبا، وكندا والمكسيك.
وحتى يحافظ على فرص العمل للأميركيين، فهو يريد من أفراد الشعب الأميركي أن يكونوا وطنيين غيورين على بلدهم، وفخورين به، وأن يشتروا بضائعه.
وقال: "إنني قدّمت لكم وعوداً، وأنتم تعلمون أن وعودي تُنفّذ. وقد أدت سياساتي إلى تحسين الميزان التجاري الأميركي (تقليل العجز التجاري)، وإلى اعتماد أميركا على نفطها، وصارت أكبر منتجة له في العالم، وأنها أرغمت حلفاءها على دفع بلايين الدولارات في مقابل حمايتها لهم"، وأضاف أنه ماضٍ في بناء الحائط الذي يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك، على الرغم من معارضة الديمقراطيين، وأنه سوف يفوز في الانتخابات المقبلة.
وعندما تعرّض للسياسة الخارجية، تفاخر بأنه اعترف بالأمر الذي تردّد فيه الرؤساء السابقون، وهو سيادة إسرائيل في القدس وعلى هضبة الجولان السورية.
وقال إنه فعل ذلك بعد مرور 52 عاماً على احتلالها. ولم يقل الكثير عن "صفقة القرن"، بل وكاد لا يذكرها، وكأن الموضوع لا يهم الكتلة الانتخابية المتحمسة له.
ولم يذكر اسم نتنياهو في خطابه. ولكنه كرر اسم سفير أميركا في إسرائيل، ديفيد فريدمان، في معرض إشارته إلى كلفة بناء سفارة أميركية في القدس. وقال إن كلفة الخيارين شراء أرض وبناء سفارة جديدة تفوق المليار دولار، أو ترميم القنصلية الأميركية في القدس بمقدار 400 ألف دولار. ولذلك اختار البديل الثاني.
لو حاولنا وضع أرقام على كلفة العرب في مقابل تحسين فرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب والحزب الجمهوري للفوز في الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 2020، فإننا سنعجز لا محالة.
والسبب يعود، بالطبع، إلى التساؤل الكبير: أي قيمة مادية تلك التي نضعها على القدس، أو على الجولان، أو على الأماكن المقدسة في الخليل؟ وأي كلفةٍ تلك التي تعكس استمرار الاحتلال والقهر للشعب الفلسطيني في فلسطين، والشعب السوري في الجولان؟ وما هي احتمالات كلفة الدخول في حربٍ ضد إيران قد توقف تصدير النفط العربي والغاز العربي عبر بحر العرب، والخليج، ومضيق هرمز، والبحر الأحمر؟
وحتى لو حاولنا تجميع تلك الأرقام بافتراض ترامبي، وهو أن كل شيء، في نهاية المطاف، مهما بلغت قداسته وأهميته، يمكن أن يثمن على أساس أنه مجرّد عقار، فسنرى، حتى لو قيّمت الخسائر العقارية والتجارية والنفطية والمالية (إتاوات وغيرها)، فإن المجموع لن يقل عن تريليون دولار.
وعلى مستوى العالم، إحداث زلزال يَدُكّ أركان الاقتصاد الدولي، ويؤدي إلى انتكاسةٍ اقتصاديةٍ تمتد سنوات، فإنه سيكبد العالم تريليونات أخرى. وأما الكلف الإنسانية في حالتي العرب والعالم، فإن السعي إلى وضع أي فاتورة لها أمر غير قابل للقياس، ويتجاوز التريليونات من الدولارات.
نحن نقف على عتبة مرحلة جديدة وخطيرة في العالم، في وقتٍ باتت الثورة الصناعية الرابعة تتبلور جزءا حاسما في حياتنا الراهنة، وبدأت تلوح تباشير الثورة الصناعية الخامسة في الأفق، منذرة بتحول كبير في كل ما اعتدنا عليه من علاقاتٍ وثوابت ووسائل تواصل وتبادل.
أردت أن أبيّن، في هذا المقال، مدى الكلف والفرص الضائعة التي يتحملها العرب، من أجل أن نبقى مرتهنين في مستقبلنا وأمننا ومستقبلنا للإدارات الأميركية، وخصوصا الإدارة الحالية التي لا تبادلنا حباً بحب، بل تزيد إمعاناً في تذكيرنا بهواننا وضعفنا أمامها.
والآن السؤال الصعب: ماذا لديك من بدائل للخروج من هذه الدائرة الشرسة؟
* د. جواد العناني خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء رئيس الديوان الملكي الأردني سابقا.
المصدر | العربي الجديد