التوتر السعودي المغربي يتحدى العلاقات الاقتصادية الهادئة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3364
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير الخليج الجديد
 تحول الاحتكاك في العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والمغرب فجأة إلى خلاف دبلوماسي في أوائل فبراير/شباط، عندما تم استدعاء السفير المغربي لدى المملكة من الرياض لأجل التشاور في الرباط. وقد وفرت قائمة من الأحداث مثل حصار قطر، والحرب التي قادتها السعودية في اليمن، والعرض المغربي لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2026، وفيلم "العربية" الوثائقي المتعلق بقضية الصحراء الغربية، وفرت الوقود للخلافات السياسية بين النظامين الملكيين. لكن في ذروة الصدع الدبلوماسي، اجتمع مجلس الأعمال السعودي المغربي في الدار البيضاء لاستكشاف مجالات تعزيز التعاون التجاري. وتقدم المشاركة الاقتصادية المتزايدة بين السعودية والمغرب حافزا لكلا الجانبين لمنع نار التوتر السياسي من الوصول إلى المجالات التجارية.
وتختبر سلسلة من الأحداث المتتالية منذ الأزمة الخليجية في عام 2017 العلاقات السعودية المغربية. وكانت محاولات المغرب للبقاء على الحياد خلال الحصار الذي تعرضت له قطر بقيادة السعودية قد أحبطت المسؤولين في الرياض. وردا على ذلك، صوتت السعودية لصالح ملف أمريكا الشمالية لاستضافة كأس العالم 2026 بدلا من دعم ملف المغرب، وأعلن وزير الشؤون الخارجية المغربي "ناصر بوريطة"، على قناة الجزيرة القطرية، أن الرباط تعيد تقييم دورها في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. ولاحقا، بثت قناة "العربية" الإخبارية فيلما تسجيليا يطرح تساؤلات حول سيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية، وهي خطوة دفعت السفير المغربي إلى العودة إلى الرباط.

علاقات متنامية
وبعيدا عن هذه التوترات الأخيرة، تعمقت العلاقات الاقتصادية بين السعودية والمغرب بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية. وقد تراوح حجم التجارة بين البلدين بين 1.6 مليارات و 2.3 مليارات دولار خلال التسعينات، قبل أن يرتفع إلى 11.6 مليارات دولار في عام 2011، بعد ارتفاع أسعار النفط العالمية. وكانت الدعوة التي تم توجيهها للمغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي عام 2011 قد مثلت قمة التعاون المحتمل في المستقبل. لكن استقبال المغرب الفاتر للدعوة، والخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي بشأن حقوق العضوية، منع الاقتراح من الخروج إلى النور. وبدلا من ذلك، تلقى المغرب مساعدات اقتصادية كبيرة من دول الخليج العربية؛ حيث انضمت السعودية إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت لتقديم مساعدات اقتصادية بقيمة 5 مليارات دولار للمغرب بين عامي 2012 و2017.
وتذهب العلاقة الاقتصادية السعودية المغربية إلى أبعد من منح المساعدات الاقتصادية. ويبقى تحسين كمية ونوعية الاستثمارات السعودية في المغرب ركيزة مهمة في هذه العلاقة. وكانت السعودية خامس أكبر شريك في الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب في عام 2017، حيث ساهمت بنسبة 6.1% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر هناك. ومن الجدير بالذكر أن الإمارات احتلت المرتبة الثالثة كأكبر مستثمر أجنبي، حيث أسهمت بنسبة 10.3% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب. ولا يتجاوز حصة السعودية والإمارات من الاستثمارات الأجنبية في المغرب إلا فرنسا والولايات المتحدة فقط، اللتان ساهمتا بنسبة 31.4% و21.4% على التوالي. وفي أواخر 2015، وافقت السعودية على استثمار 22 مليار دولار في الصناعة العسكرية المغربية.
وساعدت الاستثمارات السعودية المغرب على تعزيز قطاعات الاتصال والبنية التحتية التجارية، وهي أحد الركائز الأساسية لاستراتيجية التنمية الاقتصادية في البلاد. واستثمرت الحكومة السعودية في مشروع القطار فائق السرعة، الذي تبلغ تكلفته 2 مليار دولار، وهو مشروع تنموي من النوع طويل المدى، سيقلل من وقت السفر بين الدار البيضاء وطنجة إلى النصف. ويأمل رجال الأعمال في البلدين في تحسين الاتصال البحري. ويقوم مجلس الأعمال السعودي المغربي بحملة نشطة من أجل تطوير ممر ملاحي بحري مباشر بين المغرب والسعودية. وبما أن التجارة تمثل ما يقرب من 80% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، يعد تعزيز الروابط التجارية، وتأمين الاستثمارات المطلوبة في البنية التحتية، أمرا بالغ الأهمية لصحة الاقتصاد المغربي على المدى الطويل.
وبسبب نظر المغرب تاريخيا باتجاه أوروبا، وخاصة شريكيه التجاريتين الرئيسيتين، أسبانيا وفرنسا، احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة العاشرة في قائمة الدول الشريكة للمغرب في عام 2016، بنسبة متواضعة تبلغ 1.9% من الواردات المغربية، لكن الدولة الخليجية تظل المورد الرئيسي للطاقة، التي تشكل الغالبية العظمى من حجم التجارة الثنائية. ويتم استيراد نحو 90% من احتياجات المغرب من الطاقة، وبالتالي فإن تحسين أمن إمدادات الطاقة واستقرار الأسعار يظلان من الأولويات الاستراتيجية للرباط. وقد اتخذ المغرب خطوات لتنويع مزيج الطاقة عبر تحسين الكفاءة وتعزيز الطاقة المتجددة، لكن البلاد تعتمد على استيراد الطاقة في تلبية الطلب المستقبلي، والذي من المتوقع أن يتضاعف بين عامي 2015 و2030.
وحتى مع محاولات المغرب لتنويع مصادر الطاقة، يكشف هدف البلاد لرفع إسهاك الطاقة المتجددة إلى 42% من مزيج الطاقة بحلول عام 2020، يكشف أيضا عن تأثير رأس المال السعودي. وتعمل الوكالة المغربية للطاقة الشمسية، وهي هيئة شبه حكومية مكلفة بتطوير قطاع الطاقة المتجددة في البلاد، بشكل وثيق مع مجموعة "أكوا باور"، ومقرها السعودية، ووقعت اتفاقية معها لمدة 20 عاما، تشمل تطوير منشآت شمسية كهربائية ضوئية في "ورزازات" و"العيون" و"بوجدور". ويقع المشروعان الأخيران في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها. وفي وقت سابق من عام 2016، أعرب السفير السعودي في المغرب عن دعمه للمطالب الإقليمية المغربية في الصحراء الغربية، عندما أعلن أن وفدا من المستثمرين السعوديين سيزور الصحراء. كما تعاونت "أكوا باور" مع صندوق "أركان" للبنية التحتية، وهو كيان مشترك بين أوروبا بنوك التنمية الأفريقية، لتطوير محطة "خلادي" للرياح في طنجة.

أبعد من الطاقة
وبالنظر إلى أبعد من قطاع الطاقة، تمثل السياحة مجالا محتملا لتعزيز التعاون التجاري بين البلدين. ويساهم قطاع السياحة بنسبة 8.1% في الناتج المحلي الإجمالي المغربي. وتهدف "رؤية 2020" إلى جعل المغرب من بين أفضل 20 وجهة سياحية في العالم بحلول عام 2020. وتكلففت إجازة الملك "سلمان بن عبدالعزيز" السنوية إلى طنجة عام 2017 قرابة 100 مليون دولار. ويعادل الرقم نحو 1.3% من إجمالي إيرادات السياحة السنوية في المغرب. وفي محاولة لتصوير المملكة العربية السعودية كوجهة متنامية للسياحة الداخلية، اختار الملك "سلمان" قضاء عطلته الصيفية لعام 2018 في "نيوم"، وهي مدينة سعودية كبيرة قيد التطوير حاليا. ومع ذلك، أنفق المواطنون السعوديون 23.5 مليار دولار سنويا على السياحة خارج المملكة في العامين 2016 و2017، مما يترك الكثير من عائدات السياحة المتاحة للمغرب.
وقام مجلس الأعمال السعودي المغربي بتشجيع مجموعة متنوعة من المبادرات التجارية الأخرى. على سبيل المثال، تم تشكيل لجنة للاستثمارات المشتركة لتي تنظم معرضا دائما جدة والرياض حول القطاعات الرئيسية للاقتصاد المغربي، ووتهدف إلى تطوير علاقات تجارية أقوى مع أفريقيا. وبينما يحظى القرن الأفريقي بقدر كبير من الاهتمام الخليجي كبوابة إلى القارة، ينظر رجال الأعمال السعوديون إلى نظرائهم المغاربة كشركاء جيدين في استكشاف فرص الاستثمار في الأسواق الأفريقية. وفي أواخر يناير/كانون الثاني، خطط مجلس الأعمال السعودي المغربي للقيام برحلة مشتركة إلى "الغابون" لاستكشاف الفرص المتعلقة بالأمن الغذائي.
قد تكون العلاقة الاقتصادية بين السعودية والمغرب بعيدة كل البعد عن كونها لا غنى عنها، ولكن على الرغم من المسافة الجغرافية بين البلدين، فإن لديها إمكانية تحقيق نمو مفيد للطرفين في الأعوام القادمة. وقد تعطل التوترات الحالية بين السعودية والمغرب هذا النمو. ومع ذلك، يأمل العديد من الممثلين التجاريين أن تهدأ التوترات، وأن تبقى العلاقات الاقتصادية دون عوائق.

المصدر | روبرت موغلنيكي - معهد دول الخليج العربي في واشنطن