هل تستطيع السعودية أن تهدد الولايات المتحدة باستعمال سلاح النفط اليوم؟ الجواب لا اليوم ولم يكن كذلك سنة 1973.. واليكم التفاصيل
د. عبد الحي زلوم
بإتفاق بين السادات مع (كمال أدهم مدير المخابرات السعودية) وثيق الصلة بالمخابرات الامريكية (CIA) بأن يقوم السادات بطرد عشرات الآلاف من المستشارين السوﭭيات من مصر كجزء من خطة بلاده للابتعاد عن الاتحاد السوﭭياتي مقابل ضغط الولايات المتحدة بتنفيذ قرار مجلس الامن 242 وخصوصاً الانسحاب من سيناء. حث ميلفـن ليرد وزير الدفاع نيكسون على بدء مفاوضاتٍ سرّية مع السادات ، غير مدركٍ أن القنوات كانت مفتوحة– أصلا – على وسعها منذ بعض الوقت . وفي هذه الأثناء ارتقى كيسنجر بمستوى صلته المصرية الخاصة ، ففي زيارة لحافظ اسماعيل – مبعوث السادات- الى الولايات المتحدة في شهر شباط 1973 ، قام بوضع برنامج يمكنه من الاجتماع خفيةُ بكيسنجر بعد انتهاء واجباته الرسمية ، فتالياً لاجتماعاته بنيكسون وممثلي الخارجية – كان اسماعيل – كما كتب كيسنجر في كتابه ” سنوات الهياج” … سوف ينسلّ بنفسه في 25 شباط إلى نيويورك ، ومن هناك يتوجه إلى موقع اجتماع سري في الضواحي .. بيت خاص استؤجر لهذا لغرض– حيث هو وأنا نتباحث ليومين في مراجعة كاملة وخاصة للعلاقات المصرية الأميركية”.
وأضاف كيسنجر : ” لا أنا ، ولا أي عضو من معاونيّ ، كان ضمن مناقشات إدارة الخارجية ، بينما إدارة الخارجية حتى لم تعرف بلقائي السرّي مع اسماعيل” .
وقبل وصول اسماعيل إلى واشنطن كتب نيكسون إلى كيسنجر:” لقد حان الوقت للتخلّي عن الانصياع لموقف اسرائيل المتصلّب ، فقد قادتهم تصرّفاتنا في الماضي إلى الاعتقاد بأننا سنقف إلى جانبهم بغض النظر عن مدى لا معقوليتهم.” فقد دفع نيكسون ثمن هذا الموقف بإجباره على الاستقالة عبر فضيحة ووتر غيت.
ومع ذلك فإن خطة كيسنجر كانت -والى حدًّ كبير – نسخة عن قرار مجلس الوزراء الاسرائيلي بتاريخ 19/6/1967 والذي نصّ على أنه يمكن بحث جبهتي مصر وسوريا والتفاوض حولهما ، اما الضفة الغربية وغزّة فلا، والتي كان مجلس الوزراء الإسرائيلي قد أصرّ على ضمهّا الى اسرائيل ، وحيث أن الضفة الغربية كانت جزءاً من الأردن قبل حرب 1967 ، فقد عمد كيسنجر إلى استبعاد الأردن من مفاوضات الخطوة خطوة ، وخطط للسادات وللعرب الآخرين من ” أصدقاء ” الولايات المتحدة المعروفين ، باستبعاد الأردن كليا عن مسألة مفاوضات الضفة الغربية الفلسطينية .. وكما تم تنفيذه فعلاً في الرباط في مراكش في وقت لاحق.
فيما يمكن أن نسميه جزءاً من الحكومة العالمية الخفية يعقد حوالي مائة من المسؤولين الحكوميين ومن القطاع الخاص في أمريكا الشمالية وأوروبا ، اجتماعاً سنوياً في مكان سري بعيداً عن أعين الصحافة ، حيث يناقشون مبادرات سياسية يتم الإعداد لها مسبقاً . وقد عرفت عملية الإجتماعات هذه لاحقاً باسم : مجموعة بيلدربيرغ
بعد اتفاق كيسنجر مع حافظ اسماعيل على تفاصيل حرب (التحريك) بستة شهور اي في مايو 1973 ، وفي اجتماع سري عقدته مجموعة بيلدربيرغ في جزيرة خاصة تملكها عائلة وولنبيرغ Wallenberg السويدية اليهودية في سولتهوبادنSaltsjoebaden خارج ستوكهولم، تم التخطيط للعملية الاقتصادية المتمثلة في الصدمة النفطية، التي واجهها العالم نتيجة الارتفاع الهائل الذي طرأ على أسعار النفط ، وبنسبة 400% ، والذي تم التخطيط له قبل حرب رمضان 1973 بستة شهور. وقتها شارك كيسنجر في الاجتماع وهو على رأس مجلس الأمن القومي . وبالطبع ، فقد ألقى العالم اللوم في هذا على الدول العربية المنتجة للنفط طبقاً للدعاية الأمريكية ، غير أن التخطيط لهذه العملية وتنفيذها حتى أدق تفاصيلها كان من عمل هنري كيسنجر وزملائه في مجموعة بيلدربيرغ .
من الجدير ذكره أن المشاركين في اجتماع بيلدربيرغ كانوا من رؤساء شركات النفط والبنوك العالمية كان من بين أبرز المشاركين في الاجتماع :
من الولايات المتحدة : جايمس اكنز James Akins (البيت الأبيض)، روبرت اندرسون Robert O.Anderson ( رئيس مجلس إدارة شركة اتلانتيك رشيفيلد النفطية) ، جورج بول George Ball ( نائب وزير الخارجية الأسبق ، ومدير دار ليهمان برذرز Lehman Bros المصرفية ) ، زبيغنيو برزنسكي (مستشار الأمن القومي لاحقا) ، وليام بندي William P. Bundy ( عضو مجلس العلاقات الخارجية، نيويورك)، اي. جي . كولادو E.G. Collado ( نائب رئيس شركة اكسون النفطية ) ، آرثر ديين Arthur Dean ( شريك قانوني لدار سوليفان آند كرومويلSullivan and Cromwell) ، هنري . جي . هينز Henry J. Heinz II ( رئيس مجلس إدارة شركة هينزHeinz ) ، هنري كيسنجر ( مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض) ، وولتر ليفي Walter J. Levy (مستشار نفطي ومعد ورقة بيلدبيرغ)، روبرت ميرفي Robert D. Murphy (من كبار موظفي وزارة الخارجية سابقا )، جون تاورJohn G. Tower ( سيناتور ) ، وكارول ويلسون Carroll Wilson (أستاذة في جامعة ام . آي . تي).
من بريطانيا العظمى : سير إيريك دريبيك Sir Eric Drake ( رئيس مجلس إدارة بريتش بتروليوم British Petroleum)، سير دينيس غدينهيل Sir Denis Greenhill ( مدير شركة بريتش بتروليوم British Petroleum) ، دينيس هيلي Denis Healey ( عضو برلمان )، سير إيريك رول Sir Eric Roll ( نائب رئيس شركة ووربيرغ Warburg وشركاه ) ، وسير ريجنالد مالدينع Sir Reginald Maulding ( عضو برلمان) .
من فرنسا : رينيه غداينير دو ليلياك Rene Granier de Lilliac ( شركة البترول الفرنسية ) ، البارون ادموند دي روتشيلد Baron Edmond de Rothschild (مصرفي) .
من المانيا : ايفون باهر Egon Bahr ( وزير وزارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ) ، هيلموت شميدت Helmut Schmidt (وزير المالية ،الحزب الاشتراكي الديمقراطي )، بريجيت برويل Birgit Breuel (مجلس مدينة هامبورغ ، الحزب الديمقراطي المسيحي )، ثيو سومر Theo Sommer (ناشر صحيفة دي زييت Die Zeit) ، اوتو وولف فون اميرنوجن Otto Wolff von Amerongen (غرف التجارة الألمانية ).
من ايطاليا : جيفاني اغنيللي Givanni Agnelli ( شركة فيات FIAT) ، المركيز سيتاديني سيزي ورافائيل جيتروتي Merchese Cittadini Cesi, Raffaele Gitrotti (رئيس مجلس إدارة شركة ENI) ، وراييغو ليفيArrigo Levi ( من جريدة لاستمبا La Stampa).
من السويد : أولوف بالمه Olof Palme ( رئيس الوزراء ) ، ماركوس والنبيرغ Marcus Wallenberg (رئيس مجلس إدارة سي _ بانكين ) ، كريستر ويكمان Krister Wickman ( حاكم البنك المركزي ) .
من هولندا : اف.جي . فيليبس F.J. Philips ( رئيس
مجلس إدارة شركة فيليبس Philips) ، غيريت أ. واجنر Gerrit A. Wagner ، وماكس كوهنستامن Max Kohnstamm. ( رئيس مجلس إدارة شركة رويال دتش شل Royal Dutch Shell).
كان الهدف من زيادة الاسعار ب400% هي لجعل حقول بحر الشمال والاسكا اقتصادية لانها كانت على السعر ما قبل الزيادة غير مجدية . وتم في ذلك الاجتماع ايضاً خطة ما أسموها تدوير البترودولارات من الدول المنتجة وإعادتها الى الخزانة الامريكية عبر سندات خزينة أو البنوك الامريكية والاوروبية لاستثمارها في اقتصاد تلك البلدان . ولقد ارسلت الولايات المتحدة الى البنك المركزي السعودي (ساما) الخبير المالي من وول ستريت واسمه غليفورد ليسيطر على عملية تدبير البترودولارات عند بداية النظام الجديد.
بعد حرب رمضان 1973 انعقد اجتماع بيلدربيرغ في قصر البارون روثتشايلد في فرنسا لمتابعة نتائج وتنفيذ قرارات السنة السابقة .
إن قرار رفع أو تخفيض الانتاج السعودي بشكل عام والخليجي بشكل خاص هو قرار امريكي بإمتياز سنة 1973 كما هو اليوم. ونأسف أن يتطاول رئيس الولايات المتحدة ترامب على دولة عربية قدمت له ما يزيد عن خمسة مليار دولار في سنة واحدة وأن يدعي بأنها لا تستطيع الصمود اسبوعين من دون حمايتها أو أن يقول سيناتور امريكي بأنها بدون الولايات المتحدة ستتكلم الفارسية اليوم . نحن لا نقبل أن يقال مثل هذا على دولة خادمة للحرمين الشريفين !
مستشار ومؤلف وباحث