صلاح السقلدي: هل التستر السعودي على قتلَة خاشقجي مستمرُّ حتى بعد الاعتراف؟ وما هو الشبه بين هذا الاعتراف والاعتراف بالانتهاكات باليمن؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2210
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

صلاح السقلدي
 هكذا عودتنا معظم أنظمة الحكم العربية، بأنّها لا تنصاع للحق ولا تكترث لأي صوت عربي ومحلي ولا تعترف بجرمها إلا حين يشهر المجتمع الدولي العصاء بوجهها ويلوح بصولجان الابتزاز, ويهز بوجهها سوط الجَــلد.. وما واقعة مقتل الصحفي جمال خاشقجي وما يرافقها من محاولات سعودية للتملص والتهرّب منها، والتي ظلت تبديه حيال قضيته وخضوعها بالتالي لهذه الضغوطات إلا واحدة من هذه الاساليب العربية المخادعة.
فمع أنها” السلطات السعودية” كانت تعرف ما جرى بالضبط – فقد ظلت تراهن عن حدوث معجزة تأتيها في أية مرحلة من مراحل القضية، وبالذات مِــن البيت البيضاوي لتخرجها من تحت ركام عاصفة الضغوطات الدولية وبالذات الصادرة عن بعض المنظمات الحقوقية الجادة وبعض الدول الغربية التي تتمتع بشيءٍ من الجدية ومن المواقف المستقلة التي يصعب ترغيبها بمغريات المصالح والثروات السعودية, أو ترهيبها بحجب عنها هذه المصالح، كما حدث مع كندا قبل أسابيع مجرد أن عبّرتْ هذه الأخيرة عن قلقها من وضع بعض المعتقلات السعوديات بالداخل السعودي.
فالرهان السعودي على البيت الأبيض كان رهانا منطقيا لمعرفة الرياض بطبيعة تفكير حاكم الادارة الأمريكية” ترامب” صاحب العقل المالي المحض,والمغرم بالثروة السعودية حتى الهيام. إلا ان الرجُـــل وبرغم ما بذله ويبذله من جهد ومحاولات مضنية لإخراج البقرة الحلوب من ورطتها الكبيرة إلّا أن القضية كانت أكبر من محاولاته ومن جشعه بكثير،خصوصا بعد أن أضحت قضية رأي عام دولي يصعب على ترامب احتواءها بأكملها أو التفرد باستثمارها لوحده, كما يخطط لذلك، بل ويعلنها صراحة أن مثل هكذا قضية يجب ألّا تحوُل دون تنفيذ اتفاقياته المالية الدسمة مع الرياض ـوما يبذله من مساعْ لتحسين صورة السلطات السعودية ليتسنى له بالأخير الظفر بمزيدٍ من الحليب, فالقيم الأمريكية بنظر ترامب ومن على شاكلته تتقزم حتى الاضمحلال أمام بريق مال وثروة هذه المملكة التي عليها أن تدفع جزيتها لمن يحميها بحسب المنطق الترامبي النهم.
على كل حال هذا الاعتراف السعودي الصارد عن السلطات -على أهميته والذي أتى بعد تمنّع – إلا أن ما ورد فيه من عبارات يُــعدُ استمرارا صريحا لنهج التستر على القتلة- على افتراض ان الـــ 18 شخص الذين تحدثتْ عنهم النيابة العامة ونقله عنها المصدر السعودي المسئول فجر السبت هم فقط المتورطون وليس جهات عُـليا-. فحين تتبنى النيابة العامة- المفترضة- زعم المشتبه بهم وتقول أن “الوفاة” نتجت عن شجار بين المشتبه بهم وخاشقجي، فهذا التوصيف هو تستر فاضح, فهو يريد أن تُكيف الجريمة على أنها وفاة غير عمد نتجت عن شجار طارئ افضى الى الوفاة. ثم ان المصدر استخدم كلمة وفاة ولم يستخدم كلمة قتل أو جريمة, وهذا يكشف بوضوح النية الى تمييع القضية ومسخها تماما . كما أنه أي المصدر والبيان المنسوب للنيابة أشار الى ما معناه أن الشجار تم بصورة تلقائية ودون أي ترتيب مسبق. ولم يوضح لنا هذا البيان أين جثة الضحية؟.! ولا كيف أطمئن المصدر الى صحة كلام المشتبه بهم وتبناها وكأنها صادرة عنه، في ظل تغييب الجثة أو بالأحرى ما تبقى من أشلاء؟.
فهذه الجريمة يُراد لها سعوديا المسخ والتمييع كما أسلفنا, منذ اول لحظة, فاختزال الجناة ببضعة اشخاص من بينهم سائق القنصلية دفاعاً عن الرأس الكبير أو الرؤوس الكبيرة التي أمرتْ وتسترت على الجريمة يشير الى ذلك. فهل يُـعقل أن لا يكون رأس النظام الذي يرصد حركات الناس وسكناتهم وتغريداتهم بل ويحاسبهم على عواطفهم على علم بهكذا عملية بهذا الحجم وبهذه الحساسية؟، ونحن هنا لا نتحدث عن مقتل مواطن سعودي معارض عادي، ولا فقط عن صحفي بحجم جمال خاشقجي يكتب بكبريات الصحف العالمية، بل نتحدث عن مواطن أمريكي, وكلنا نعلم ماذا يعني أسم أمريكا بالنسبة لصانع القرار السعودي، فهل سيتخذ 18 وضباط مثل هكذا عملية دون أمر أو إيعاز من الدوائر العليا.؟.مستحيل.
على كل حال ستعمد السلطات السعودية الى سلاحها الأمضى الذي تستخدمه كلما أزمةُ أزمتْ بوجهها للخروج من هذه الورطة, وهو سلاح المال والثروة ,الذي يفعل له مفعول السحر عن الكثير من دول العالم وحكامه وبعض منظماته الحقوقية.. وقد نجحت الرياض فعلا بهكذا سلاح بمواجهة كثير من محنها, وفي اليمن على وجه التحديد… ففي هذا البلد الفقير الذي تسحقه الحرب والعواصف العسكرية منذ قرابة أربعة أعوام وقعت السعودية بورطات قتل المدنيين بقذائف طائراتها, مما أوقعها بمآزق كثيرة سرعان ما تخلصت منها بسلاح المال والنفط عند أهل الحل والعقد الدولييَن. فبرغم تمنع اعترافها بكثير من الحوادث الدامية إلا أنها بالأخير كانت ترضخ للاعتراف بالجريمة على وقع الضغوطات والابتزازات الدولية ، وأمام التقارير الحقوقية الجادة، قبل أن تسعى الى تمييعها والتقليل من كارثيتها كالعادة تحت ضبابية ومفردات مشابهة لكثيرا مما ورد في بيان الاعتراف بجريمة قتل خاشقجي: (سنحقق بالأمر.. سنقدم المشتبه بهم الى التحقيق والمسائلة.. سنعيد تقييم عملنا وتصحيح قواعد الاشتباك…).مع فارق ان في قضية خاشقجي تم تقديم بضعة كباش فداء للتغطية على الرؤوس الكبيرة بينما في اليمن لم يقدم ولا كبش فداء واحد, برغم حجم المآسي وعدد الضحايا المهول .
وحين نقول أن ثم كباش فداء تم تقديمها بقضية خاشقجي فنحن نستند على دليل طرد المشتبه بهم من مناصب قبل ادانتهم – على افتراض ان هناك ستكون محاكمة وعقوبات- فهذا الطرد المسبق يشير الى ان هؤلاء هم الجناة على كل حال, إن لم نر جديد من الطرف السعودي على وقع ضغوطات دولية بالمراحل القادمة.
*صحافي من اليمن-عدن-.