نيويورك تايمز»: مع أفكار ابن سلمان.. هل تنفصل السعودية عن هويتها الوهابية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 7902
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 مترجم عن

The New York Times
للكاتب Nabil Mouline

 تضخّمت سرعة ومدى التغييرات في العربيّة السعودية بشكل ملحوظ بعد تنصيب محمد بن سلمان وليًا للعهد، ولشرعنة تسلّقه السريع لولاية العهد قدّم ابن سلمان نفسه كبطل «العصرنة» إرضاءً لطموحاته بالحكم المطلق وليواجه التحديات الداخلية والخارجية.

العديد من تصريحات ومبادرات ولي العهد فُسّرت على أنها محاولات لكسر العقد التاريخي بين آل سعود والمؤسسة الوهابيّة، تصريحاته ومبادراته الداعية لـ«إسلام معتدل»، وبالسماح للمرأة بقيادة السيارة، وإعادة فتح دور السينما.

في هذا المقال المنشور في صحيفة «نيويورك تايمز»، يعرضُ نبيل مولين لسؤال إذا ما كانت الملكيّة السعودية قادرة على الانفكاك من علاقتها مع المؤسسة الوهابيّة والدينية؟ مولين هو باحث تاريخي وسياسي كتبَ عن السلطات الدينية والقوى السياسية في السعودية، وفي هذا المقال نعرض إجابته على السؤال.

زواجٌ قديم
في منتصف القرن الثامن عشر احتضن آل سعود محمد بن عبد الوهاب، الداعية الإحيائي الذي دعا لقراءة ضيّقة للقرآن والحديث، وهاجمَ أية انحرافات عن الأفعال التعبدية الأصلية، أو أيّ إضافات عليها. ومَن انحرفوا عن العقيدة الوهابية نُفوا من الإسلام، وكان الجهاد الوسيلة الوحيدة لإرجاعهم إلى الطريق الصحيح.

التحالف مع ابن عبد الوهاب وتابعيه ساعدَ آل سعود على شرعنة سياستهم التوسعية، وتأسيس دولة متينة في أوائل القرن العشرين لآل سعود احتكار السياسة والشؤون العسكريّة، ولعلماء الوهابية مسؤوليات الدين والقانون والفضاءات الاجتماعية.

لا يبدو محتملًا أن ينفكَّ ابن سلمان عن المؤسسة الوهابية، يضيف الكاتب: ببساطة؛ أثبت العلماء مرونتهم وأظهروا قدرةً عالية على التأقلم مع انتقالات ونزوات السلطة، وتعودُ محاولات تهميش العلماء إلى بداية القرن العشرين.

أراد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة أن يحتكر السلطة، وحكمَ منذ 1902 وحتى 1953، فعمل مع شركاء غربيين وسعى لاعتراف العالم الإسلامي، وشعرَ أنّه في حاجة لإصلاح إسلامي يُضعف الوهابيّة ويجعلها أكثر اعتدالًا.

احتفظ علماء الوهابيّة بسلطتهم، بل تنامت بتقديمهم لتنازلات أيديولوجية مُظهرين تقبلًا لغير الوهابيين، وسمحوا بوجود غير مسلمين في الأراضي السعوديّة، وقبلوا بالتعليم والنظام الإداري الحديثين.

 

لكلّ فتوى مقابل
يُتابع مولين في عرضه لعلاقة الوهابيّة كمؤسسة دينية بالدولة السعودية، وكيفَ استجابت لتغيرات سياسية داخلية وإقليميّة، فيقول إنه توجّب على المملكة أن تُحدَّث سريعًا في فترة ما بعد النفط، بينَ عقدي الخمسينات والسبعينات، تحت حكم سعود، ثم فيصل، ابنَي عبد العزيز. البنية القديمة للمملكة كانت ممُيتة ومبنيةً على أشخاص. للسيطرة بشكل حقيقي على الأرض، ولإرضاء توقعات سكانٍ مختلفين عن بعضهم البعض، وعددهم في تنامٍ مستمر، ولخلق مصادر شرعيّة جديدة ولاحتواء الدعاوى المُهيمنة للأنظمة العروبيّة.

رأت المؤسسة الدينية في بناء الدولة والتغيّرات المرافقة للبناء تهديدًا لم تعترض عليه، كانخراط البنات في المدارس ودخول التلفاز والسينما. على العكس في لقطات أخرى، استفاد العلماء من الصراع السعوديّ مع العروبيين بين 1950-60، وأخذوا من عوائد النفط الوافرة ليحدّثوا المؤسسة الدينية بخلق مؤسسات جديدة بيروقراطية للفتوى، ومكتبٍ لمنصب المفتي العام، ومدارسَ وجامعات دينيّة كالجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة، وجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض.

أنشأ العلماء محاكم دينية ومنظمات إعلامية وإسلاميّة أممية، كرابطة العالم الإسلامي. الحداثة النفطيّة ساعدت المؤسسة الدينية في الحفاظ على تأثيرها، بل تصدير نظرتها عن العالم، الثورة الإسلامية في إيران مع الهجوم على المسجد الحرام في مكّة وغزو الجيش السوفيتيّ لأفغانستان عامَ 1979، كل ذلك هيّأ انقلابًا في المناخ لصالح المؤسسة الوهابيّة.

طبَّقت الملكيّة السعودية الشريعة بصرامة لاستعادة مصداقيتها بعد هجوم مكّة ولاحتواء تحديات الثورة الشيعية ومحاربة الشيوعية. فرضوا عقوبات بدنيّة، وفُصِلَ بين الجنسين في المساحات العامة، وأغلقوا دور السينما مع تقوية الشرطة الدينية، ووفَّرت السعودية دعمًا ماليًا وأيديولوجيًا للمجموعات الجهادية في أفغانستان وللحركات الإسلامية السنيّة حولَ العالم.

«وهابيّة وقت الحاجة»
بعد أن تأخذ ما تريد عليك السداد، ينتقل الباحث إلى المشاهد الأقرب والأحدث في العلاقة: دعم العلماء لآل سعود أمام أعدائهم الداخليين والخارجيين، من آية الله الخميني إلى صدام حسين والإخوان المسلمين. ومن الجدير بالذكر الفتوى التي أصدرها العلماء بالسماح بتواجد قوات أمريكية في المملكة عام 1990 (وكان هذا يُعدُّ «موالاةً للكفار» قبل ذلك). هجوم 11 سبتمبر (أيلول) ورَّط السعودية في موقف صعب؛ لأن أسامة بن لادن وغالبيّة خاطفي الطائرات كانوا سعوديي الجنسيّة. أُجبرت المملكة على أن تفصل نفسها عن الحركات الجهاديّة وسمحت بانتقاد الوهابية، وانطلقت حوارات دينيّة وحوارات بين الأديان مع تقليل سلطات الشرطة الدينية مع تدابير أخرى.

 


حافظ العلماء على مصالحهم بإدانتهم الشديدة للجهاديين والإخوان المسلمين بالفتاوى، وبالمقالات والحديث في شبكات تلفزيونية. حتى أنَّ بعض المراقبين تحدثوا عن سعودية ما بعد وهابيّة. وحالما تلاشى الضغط بدأت المؤسستان العُلمائِية والملكيّة بالتشكيك في عملية الانفتاح.

بعد انتفاضة الربيع العربي في 2011، طلبَ الملك عبد الله بن عبد العزيز من المؤسسة الدينية دعمًا للتصدي للتحديات التي طرحها الربيع على السعوديّة. لم تتوانَ مؤسسة العلماء، وطلبت في المقابل توسيعًا لميزانيات المؤسسات الدينية وصلاحياتها لتزيد قمعها لأي خرق للشريعة في الفضاء العام، ولتروّج لخطاب مُعادٍ للشيعة ومُكمم للأفكار العلمانيّة.

صعود الملك سلمان للعرش عامَ 2015 أخذَ بيد ابنه الأمير محمد إلى الأمام. شَجَب ولي العهد الأفكار المتطرفة، ووعد بدعم الإسلام المعتدل، وفُسّر كلامه هذا على أنه رغبة متجددة للانفصال عن الوهابيّة. قراءة عن قرب تُظهر أن الأمير يُدين الإخوان المسلمين بشكل أساسي والجهاديين، ويُبرّئُ الوهابية.

قدّمت المؤسسة الدينية دعمًا فولاذيًّا للأمير محمد ووافقت له على قراراته بفتاوى منشورة كالتي تسمح للمرأة بقيادة السيارة، وتنازل العلماء في المسائل الثانويّة لمّا وضعتهم موازين القوى أمام خيارات قليلة، واستطاعوا الحفاظ على سلطتهم. ستظلُّ الوهابية ركيزةً للمملكة على المدى المتوسط. المؤسسة الدينية تُسيطر على مواد هائلة ووسائل رمزيّة لتدافع عن مكانتها؛ كالمدارس والجامعات والمساجد ووزارات وكيانات دولية ومجموعات إعلاميّة، وأيّة مواجهة بين أطفال آل سعود وورثة الوهابيّة ستكون هدّامة لكليهما.

 


ما القادم؟
لم يواجه العقد التاريخي بين الملكيّة والمؤسسة الدينية أي تحدٍ حقيقيّ من قبل. أُعيد تصميم وتفسير المؤسسة الدينية في فترات الانتقال والأزمات لتعكس تغيّرات علاقات القوى بشكل أفضل، ولتتيح للشريكين أن يتحرّكوا بكفاءة أفضل. ليُفسخ العقد بين الوهابية والملكيّة فسخًا حقيقيًا على الملكيّة أن تجد بديلًا اجتماعيًا. وفي الوقت الحالي لا يملك الأمير محمّد دعمًا كاملًا من النخب والسكان، ولا وضعًا اقتصاديًا سليمًا في سياق مرغوب، ليس لديه إلا ميوله الشخصيّة.