«صفقة القرن»

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 7736
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

حسن مـدن
 شيئاً فشيئاً يزداد الإفصاح عن تفاصيل ما تُعرف بـ«صفقة القرن»، بعد سلسلة متتالية من التسريبات، المتناقضة المحتوى في بعض الأوجه، والمتطابقة في أوجه أخرى.لكن المؤكد، من ظاهر الأمور، لا من المخفي منها فقط، أن الأمور تسير على قدم وساق لتصبح الصفقة أمراً واقعاً.
من تجارب سياسية كثيرة في منطقتنا العربية وفي مناطق أخرى، فإن مشاريع بحجم «صفقة القرن»، تحتاج لتمريرها أسلوب الجرعات، أي ألا يعلن عن تفاصيلها دفعة واحدة، فيبدأ الأمر بتسريبات، تبدو في ظاهرها أقرب إلى الشائعات، لكنها، في الجوهر، ليست كذلك، وأحياناً دون الإشارة إلى مصدر موثوق لمثل هذا النوع من التسريبات - الشائعات.
وقد تثير الشائعة، لحظتها، حالاً من الاستهجان والرفض والغضب، لأنها تمس ما كان قبل إطلاقها يعد في حكم الخطوط الحمر، التي لا يمكن الاقتراب منها، ولكن تكرار بث التسريبات يمتص، بالتدريج، حالات الاندهاش والرفض، ومع ازدياد جرعات التسريب يتعوّد الرأي العام على «تقبل» ما يجري بثه.
هذا الاختبار جُرّب، وعلى خير وجه، مع «صفقة القرن» المشؤومة هذه، وها قد وصلنا لوقتٍ بات الحديث فيه عنها أمراً عادياً، ولم تعد حتى ملامح وحدود «الصفقة» خافية أو مغفلة، بل تكاد تكون معروفة، حتى بأدق التفاصيل.
من بين ما يُلفتنا في هذا الأمر هو التسمية: «صفقة القرن»، بكل الشحنة الدلالية، السلبية في الغالب، لمفردة «الصفقة»، فالحديث لا يدور، إذاً، عن اتفاق أو معاهدة أو أي أمر مشابه، وإنما تحديداً عن «صفقة»، وليست أي صفقة!
فهي لضخامة حجمها ولما تنطوي عليه من تنازلات ستقدم، أو ستفرض فرضاً، هي «صفقة القرن». إنها ليست من قبيل الصفقات التي تتم كل يوم أو كل شهر أو سنة، وإنما صفقة قرنٍ بكامله، يراد لمفاعيلها أن تمتد قروناً لاحقة.
شهدت المنطقة، في الأسابيع القليلة، الماضية حركة دبلوماسية نشطة، اشتركت فيها أطراف أمريكية وأوروبية و«إسرائيلية» وعربية، محورها، كما تجمع كافة المنابر الإعلامية والسياسية، هو «صفقة القرن» بالذات، التي هي رؤية أمريكية - «إسرائيلية» مشتركة ل «تسوية» الصراع الفلسطيني، والعربي بصورة من الصور، مع «إسرائيل»، ستؤدي، لا محالة، إلى تصفية القضية الوطنية للفلسطينيين، التي يكمن جوهرها في إقامة دولة مستقلة لهم عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين.
ينطلق الطرفان الأمريكي و«الإسرائيلي» من واقع أن الوضع العربي الراهن، وضمنه الوضع الداخلي الفلسطيني للأسف، مهيأ تماماً لتمرير «الصفقة»، فالحروب تطحن عدداً مهماً من البلدان العربية، والاستقطاب الإقليمي في المنطقة بالغ الحدة، والفلسطينيون أنفسهم في حال من الانقسام العميق غير المسبوق، وهو انقسام يوظف، وبمنتهى الكفاءة، لمصلحة العدو.
حسب الصفقة، ومن بين أمور خطيرة أخرى، لن تكون القدس عاصمة الدولة المنشودة، واللاجئون لن يعودوا، بل إن قيام الدولة على فلسطين، بدوره، محط نظر.

المصدر | الخليج - الشارقة