“من أنتم” الإيرانيّة تَختلِف جَذريًّا عن نَظيرَتها “القذَّافيّة”.. هُناك أربًعة أسباب تُؤكِّد هذهِ الحَقيقة.. رِهانات بعض دُوَل الخليج على تَغيير النِّظام في طِهران أمريكيًّا “غير واقِعيّة”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 20999
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وإسرائيل ستكون الخاسِر الأكبَر سِلمًا أو حَربًا.. وإليكُم أكثر السِّيناريوهات تَرجيحًا
عبد الباري عطوان
 أهم رد فعل صَدر عن السُّلطات الإيرانيّة تُجاه الشُّروط الأمريكيّة الـ12 التي طَرحها مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّة، في إطار تهديداتِه الاستفزازيّة، ورد على لِسان الرئيس حسن روحاني عندما قال “من أنتم حتى تُقرِّروا عن إيران والعالم”.
صُدور هذا الرَّد القويّ على لِسان رئيس إيراني “إصلاحي”، وعلى هذهِ الدَّرجة من القُوّة والاستخفاف بأمريكا وتَهديداتِها، يعني أنّ إيران كلها، بمُعتَدليها قبل مُتشدِّديها، ستَقِف في خَندقٍ واحِد في مُواجَهة أي عُدوانٍ أمريكيّ، سواء كان حِصارًا اقتصاديًّا تَجويعيًّا أو هُجومًا عَسكريًّا.
السيد اسحاق جاهانغيري، نائب الرئيس الإيراني كان مّصيبًا عندما قال “أنّ بومبيو جاء مُتأخِّرًا 40 عامًا، فالشَّعب الإيراني قامَ بالثًّورة حتى لا يُملِي عليه أحد ما يَجِب أن يفعله”.
لاحظنا أنّ بعض الأشقاء الخليجيين تعاطَفوا بسُخرَية مع رد الفِعل الإيراني على التَّهديدات الأمريكيّة، خاصَّةً تِلك التي صدرت عن الرئيس روحاني، وأعادوا إلى الأذهان في تغريداتِهم، وتعليقاتِهم على وسائط التواصل الاجتماعي، استخدام العِبارة نفسها من قِبل الزَّعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وغابَ عن ذِهنهم، أنٍ “من أنتم الإيرانيّة” تختلف كُلِّيًّا عن “من أنتم القذافيّة” لأسباب عديدة، أبرزها أنّ إيران الحاليّة ليست مِثل ليبيا التي كانت مَعزولةً ومُحاصَرة عربيًّا، ولا تَملُك جَيشًا ولا حُلَفاء أقوياء.
***
ليبيا العقيد القذافي كانت لا تَملُك أدوات الانتقام، والقُدرات على الرَّد عَسكريًّا، فقد سلَّمت أسلحتها الكيماويّة لأمريكا، وفكَّكت برنامَجها النووي، وخلعت كل أنيابها ومخالبها طَوعًا، وسلَّمتها للمُحتال الأكبر توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، مُضافًا إلى ذلك أنّ إسرائيل بَعيدة كُليًّا عن مَرمى نيرانها، بينما الحال يبدو مُختلفًا كُلِّيًّا في الحال الإيرانيّة لعِدَّة أسبابٍ نُوجِزها في النُّقاط التاليّة:
ـ أوَلاً: إيران تَملُك ترسانةً عسكريّةً هائِلة تَضُم أكثر من 400 ألف صاروخ من مُختَلف الأحجام والأبعاد، وجيشًا قويًّا مُتمرِّسًا في الحَربين التقليديّة والعِصابات، مِثلما تَملُك غوّاصات وزوارق حربيّة سريعة لا ترصدها الرادارات، وأسلحة كيماويّة وربّما نوويّة بِدائيّة، وجيشًا عَرمرمًا من الانتحاريين العَقائديين الذين يَتطلَّعون إلى الشَّهادة.
ـ ثانيًا: ربّما لا تَملُك إيران ما تملكه كوريا الشماليّة من صواريخ بعيدة المَدى قادِرة للوصول إلى العُمق الأمريكي، ولكن ما لَديها يكفي للوُصول إلى حُلفاء أمريكا وقواعِدها في المِنطقة، ونحن نتحدَّث هُنا عن إسرائيل أوّلاً، والقواعِد الأمريكيّة في دُوَل الخليج ثانِيًا.
ـ ثالثًا: التهديدات الأمريكيّة الأُخرى قد تَدفع إيران إلى تعزيز وجودها في سورية المُرشَّحة لكي تكون ميدان المُواجَهات مع إسرائيل حتى لو اعترضت موسكو على ذلك، وهي قادِرة في هذهِ الحالة للوصول إلى حيفا وتل أبيب ويافا وعكا وصفد والقُدس المُحتلَّة.
ـ رابعًا: تَملُك إيران “ميليشيات عَسكريّة” تُشكِّل جُيوشًا مُوازِية، مِثل الحرس الثوري الإيراني، و”حزب الله” في لبنان، وأنصار الله في اليمن، والحَشد الشعبي في العِراق، و”حماس″ في الأراضي المُحتلَّة، وهذهِ الأذرعة العسكريّة، مُجتَمِعة أو مُتفرِّقة، يُمكِن أن تتحوَّل إلى أذرُعٍ ضارِبة لزَعزعة أمن واستقرار إسرائيل ومُعظَم دُوَل الخليج التي سارَعت للتَّرحيب بالاستراتيجيّة الأمريكيّة الجَديدة.
الورقة الأقوى سياسيُّا التي تَملُكها إيران، إلى جانب أوراقها العسكريّة الأُخرى، أنّها ليست الطَّرف البادِئ بالتصعيد، ولم تنسحِب من الاتفاق النووي، وبات مُعظم دول العالم تنظر إليها من مَنظور “الضحيّة” المُستَهدفة من قِبل الاستكبار والغِطرسة الأمريكيين، وهذا ما يُفَسِّر حالة القَلق الراهنة على مُستًوى العالم، وأوروبا الحَليف الأمريكي الأوثَق تحديدًا.
الإدارة الأمريكيّة عاقِدة العَزم على إعادة العُقوبات التي كانت تَفرِضها على آيران قبل الاتِّفاق النووي، الأمر الذي سيُلحِق أضرارًا كّبرى بمصالح حُلفائِها الأوروبيين في ظِل التَّهديدات بمَنع شركاتهم من دٌخول الأسواق الأمريكيّة آذا ما استمرَّت في التعامل مع إيران، الأمر الذي سيَدفَع شَركاتٍ صينيّة وروسيّة إلى مَلئ أي فراغٍ يَنجُم عن انسحابِ هذهِ الشَّركات، وهذا ما يُفسِّر تصريحات السيدة فيديريكا موغيريني، وزيرة خارجيّة الاتِّحاد الأُوروبي، التي انتقدت فيها التَّهديدات الأمريكيّة، وأكَّدت أنّه لا يُوجَد أي حل بَديل للاتِّفاق النووي.
العُقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة المُتوقَّعة على إيران، ومهما كانت شِدًّتها، لن تُطيح بالنِّظام الإيراني، ومن المُستَبعد أن تدفع بالشَّعب الإيراني، أو الأقليّات العِرقيّة في وسطه، للثَّورة لتَغيير النِّظام، لأنّ هذا الشَّعب استوعب دروس ثورات الربيع العربي المدعوم مُعظَمها من أمريكا وحلفائها، والدمار الذي حل بدول شعوب عربيّة من جَرائِها، مثلما تعلَّمت الحُكومة الإيرانيّة نفسها من تجارب ليبيا والعراق، وما حل بهما عندما وقعتا في مِصيَدة الخِداع الغربيّة، وسلَّمتا أسلحتهما الكيماويّة، والقُبول بالتَّفتيش الدًّولي وشُروطِه المُهينة بالتَّالي.
ما يُؤلِمنا أنّ الدول الخليجيّة الشقيقة التي تشهد طفرات ماليّة وعقاريّة، واستقرارًا أمنيًّا وسِياسيًّا، ستكون أحد أبرز ضحايا هذهِ الاستراتيجيّة الأمريكيّة الجديدة ضِد إيران، ماليًّا وعَسكريًّا، فالرئيس ترامب سيُطالِبها بتسديد فاتورة الحَرب التي بدأ يُرَدِّد مقولته بأنّها جاءت من أجل حِمايتها، مُضافًا إلى ذلك، وهذا هو الأهَم، أنّ الصَّواريخ الإيرانيّة ستَستهدِف مُدُنها والقَواعِد الأمريكيّة المُتواجِدة على أرضِها كحَدٍّ أدنى، أي أنّ تدمير إيران لو حَدث، لن يتم بمَعزلٍ عن تَدمير دول خليجيّة تَقِف في الخندق المُقابِل لها، ومن يقول غير ذلك لا يَعرِف أمريكا، ويَجهَل بتاريخ الحَرب في المِنطقَة والعالم.
***
أمريكا إذا حاربت إيران اقتصاديًّا أو عَسكريًّا فإنّها تفعل ذلك ليس من أجل حِماية دول الخليج، وإنّما إسرائيل، ومَشروع هيمنتها على المِنطقة، وإزالة أي مُنافِس لها، والرَّبط بين المَصالِح الأمنيّة الخليجيّة والإسرائيليّة، جاء لتَبرير توظيف الأموال والأراضي الخليجيّة في خِدمَة أي حَربٍ أمريكيّة تكون إسرائيل رأس حِربَتها، ولخُطَّة مَصالِحها.
إسرائيل هي التي وضعت شروط بومبيو الـ12 التي تريد فرضها على إيران، وهي التي تُريد استخدام القُوّة العسكريّة الأمريكيّة العِملاقة لتحييد الخَطر الإيراني المُفتَرض، مِثلما فعلت الشيء نفسه عندما ضخَّمت الخَطر العِراقي، ونجحت في مُخطَّط تغيير النِّظام في العراق عبر بوَّابة المُحافِظين الجُدد.
كوبا، وللتَّذكير فقط، واجًهت الحِصار الأمريكي لأكثر من خمسين عامًا، ولم تركع ولم تنحنِ، ولم يتغيّر نِظامها رغم الضُّغوط الشَّديدة، وقِطاع غزّة الذي لا تَزيد مساحته عن 150 مِيلاً مُربَّعًا، واجَه الحِصار وثَلاث حُروب، ولم يُسلِّم سِلاح مُقاومته، فإذا كانت جزيرة صغيرة مثل كوبا بشَعبٍ صغير، وتاريخٍ مُتواضِع، استطاعت الصُّمود والمُقاوَمة، وكذلك قِطاع غزَّة المُحاصَر المُجَوَّع، فكيف سيكون حال قُوَّة إقليميّة عُظمَى مثل إيران تَملُك إرثًا حَضاريًّا يمتَد لأكثر من ثَمانِية آلاف عام؟
أمريكا تُوشِك على ارتكابِ حماقةٍ سياسيّةٍ وعَسكريّةٍ كُبرى في مِنطقتنا العربيّة، ولن تَكون مَضمونة النَّتائِج هذهِ المرَّة، ونَجزِم بأنّ إسرائيل وبعض الحُكومات الخليجيّة قد تَدفَع ثَمَنَها غالِيًا من مالِها وأمْنِها واستقرارِها ورَخائِها.. والأيّام بَيْنَنَا.