ابتزاز أمريكي وقيادات خليجية غير واعية بآثار ما تفعل

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2665
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

محمد صالح المسفر
 الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينظر إلى العرب عامة والخليجيين خاصة نظرة احتقار، ساعده في ذلك بعض حكام دول الخليج وحاكم مصر عبد الفتاح السيسي، الأولون هم قادة حصار قطر من دول مجلس التعاون الذين راحوا يزينون لترامب سوء أعمالهم تجاه بعضهم، واشتغلوا وشاة ومخبرين للإدارة الأمريكية بتقديم تقارير تفيد بان دولة قطر هي دولة "مؤيدة وممولة وحاضنة للإرهاب" وعندما تفاجأ الرئيس الأمريكي ترامب بسؤال من أحد الصحفيين عن أن قطر دولة شريكة أمريكا والعالم في محاربة الإرهاب، وأن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج أمريكا هي في قطر فكيف تكون قطر ممولة للإرهاب؟ قال وعلى رؤوس الأشهاد في مؤتمره الصحفي:"هم قالوا لي ذلك" أي شركاء قطر في مجلس التعاون الخليجي المحاصرون لها.
* * *
لن أعود إلى أسباب وأهداف دول الحصار (السعودية والإمارات) فذلك الشأن قد أخذ نصيبه من الشرح والتحليل من قبل أصحاب الرأي العربي والدولي وأتوقف عند النظرة الاحتقارية التي يمارسها الرئيس الأمريكي على قيادات خليجية شاهدناها على محطات التلفزة الفضائية ورأينا وسمعنا طرائق الابتزاز الأمريكي.
يقول ترامب: إن امريكا خسرت تريليونات الدولارات دفاعا عن حكام الخليج العربي. وهو يعني دولا بعينها وسماها علانية، وأنه لا حماية مجانية لحكام هذه الدول، اذكّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه المتطرف بان المملكة السعودية قدمت الكثير من الأموال مناصرة لامريكا في كل حروبها، أذكر منها تمويل الأساطيل البحرية والجوية في جنب شرق آسيا (فيتنام) بالوقود شبه المجاني في ستينيات القرن الماضي تحت ذريعة محاربة الشيوعية، ومناصرة أمريكا بصفتها دولة صديقة.
أسست أمريكا وبعض الدول الغربية أندية سياسية متخصصة في محاربة الشيوعية وتمددها في أفريقيا، وكان على السعودية تمويلها وكان من أهمها نادي السفاري الذي أسس عام 1976 (هيكل، العربي التائه، ص 119).
في إيطاليا، سيادة الرئيس ترامب مولت السعودية حملات انتخابية في حقبة ستينيات القرن الماضي لصالح الأحزاب اليمينية كي لا يصل الحزب الشيوعي إلى سدة الحكم، وكان يقود تلك الحملة أحمد زكي يماني وزير البترول السعودي في حينه وهذه رغبة أمريكية.
وفي الثمانينيات من القرن الماضي عندما عجز الرئيس رونالد ريغان عن تمويل عصابات الكونترا للاطاحة بحكومة السندانية (حزب السندانستا اليساري) في نيكاراغوا طلب من السعودية تمويل إسقاط الحكومة هناك وكان له ما أراد، وكذلك احتلال غريناد وتنصيب حكومة موالية لأمريكا.
وفي أفغانستان انفقت السعودية وحدها ما يزيد على اربعين مليار دولار لالحاق الهزيمة بالاتحاد السوفييتي في افغانستان لصالح أمريكا، وأنفقت السعودية في أفغانستان أيضا ما يزيد على عشرين مليار لاسقاط حكومة طالبان التي ناصرتها السعودية بحجة العقيدة الاسلامية المشتركة.
في حرب 1991 مولت السعودية جحافل الجيوش الامريكية التي أتت بحجة حماية السعودية، وبقيت حتى احتلال العراق عام 2003. يقول جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا: "طلبت من الملك فهد 15 مليار دولار فوافق، وقال له الملك فهد: عليك أن تبلغنا بما تريد، وفي زيارتي الثانية للرياض طلبت من الملك 2.5 مليار دولار لتغطية تكاليف الوقود والماء والتجهيزات للقوات الأمريكية في السعودية، وتحمل تكاليف نقل القوات إلى داخل الأراضي السعودية، فوافق. (مذكرات جيمس بيكر،ص422 ـ423).
لم تكتف أمريكا بالطلب المالي لها وإنما ذهبت تطالب بدفع مبلغ في صورة قرض ميسر بقيمة 5 مليارات دولار للاتحاد السوفييتي ليوافق على المشروع الامريكي في المنطقة، وحصلت مصر بوساطة أمريكية على إعفائها من مديونيتها البالغة 7 مليارات دولار، وطلبت سورية حافظ الأسد من أمريكا أن تتحمل السعودية تكاليف نقل القوات السورية الى السعودية، ودول أخرى منها ساحل العاج وتركيا وغير ذلك من الدول (مذكرات بيكر 136 138).
* * *
اليوم السعودية وبعض الدول الخليجية تتعرض لابتزاز من قبل الادارة الامريكية الراهنة، يقدر الخبراء المشتغلون بالشأن الخليجي أن السعودية انفقت لاسترضاء امريكا خلال الفترة من مارس 2017 وحتى تاريخ اليوم ما يزيد على تريليون دولار لاهداف شتى، ناهيك عن الدعاية والاعلان لتحسين وجه السعودية في المجتمع الامريكي، وكذلك تفعل ابو ظبي.
وانفقتا (السعودية وابوظبي) مليارات الدولارات لتاليب الرأي العام ضد دولة قطر وتشويه سمعتها الدولية والعربية بهدف النيل منها وتجريدها من سيادتها وتحجيم وارداتها، وكل ذلك جاء بأثر عكسي.
لا تحتاج الدولة السعودية الى انفاق أي مبلغ مالي في الخارج لتحسين سمعتها ورفع مكانتها بين الأمم وطلب الحماية من أحد أيا كان ذلك. الأمير محمد بن سلمان أجرى بعض الأعمال التي رحب بها قطاع كبير من الشعب مثل قيادة المرأة للسيارة، وفتح دور السينما، وكل تلك الأعمال حقوق للمواطن وليست منة من أحد.
سيكون موقفا مخلدا للأمير محمد بن سلمان لو أنه استصدر عفوا عاما من والده الملك سلمان عن جميع أصحاب الرأي المعتقلين في السعودية، وأعلن عن تشكيل مجالس منتخبة لمحافظات "إمارات" مناطق السعودية ومنهم يتم انتخاب أعضاء مجلس الشورى "البرلمان" انتخابا حرا ونزيها، وللمجلس سلطة الرقابة والمحاسبة، هذه الاعمال التي يحصل الأمير محمد بن سلمان منها على شعبية جماهيرية عامة.
الأمر الآخر والمهم، يحتاج سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في السعودية الى المراجعة العامة للسياسة الخارجية واهم بند في هذه المراجعة الموقف من حصار دولة قطر. إن الشائعات التي تتردد بين النخب الخليجية تؤكد أن الأمير محمد بن سلمان واقع تحت تأثيرات آراء الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي المناكف لدولة قطر.
وليس بين السعودية وقطر أي خلافات جوهرية من أجلها تفرض السعودية حصارا على قطر.. إن موقفا شجاعا يتخذه سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود برفع الحصار عن دولة قطر ولو من جانب واحد أمر يزيد من مكانة المملكة السعودية والأمير محمد بن سلمان شخصيا في كل الأوساط الخليجية والعربية.
آخر القول: لتحسين سمعة ومكانة المملكة السعودية في الداخل والخارج لا تحتاج الى وسطاء ولا تحتاج الى صرف أموال تنفق على كتاب الأزمات، بل تحتاج إلى قرارات جريئة شجاعة منها اطلاق جميع أصحاب الرأي من السجون، ورفع الحصار عن قطر، وإطلاق حرية التعبر، وتأسيس مجلس شورى منتخب وله حرية الرقابة والمحاسبة والاهتمام بالداخل، وليس قدرنا حل مشكلة البطالة في أمريكا ليرضى الرئيس ترامب.

* د. محمد صالح المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر.

المصدر | الشرق القطرية