السعودية في طريقها لخسارة جديدة.. هذه المرة في لبنان

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2765
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الخليج الجديد

 

تبحر عائلة «الحريري» في لبنان على متن سفينة تسير إلى اللامكان. وكان رب الأسرة، «سعد الحريري»، قد استقال من منصبه كرئيس لوزراء لبنان، وهو الآن تحت الإقامة الجبرية الفاخرة في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية.

وتتحدث تقارير وسائل الإعلام العديدة عن نوايا ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، تسليم الحكم إلى الأخ الأكبر لسعد، «بهاء الدين الحريري». وقد أمر أقارب وكبار أعضاء تيار المستقبل بالحضور إلى الرياض، وأقسموا بالولاء لـ«بهاء».

ونقلت صحيفة الأخبار اليومية، التي تتخذ من بيروت مقرا لها، والمقربة من حزب الله، أن الخطة هي إرسال «سعد الحريري» إلى بيروت لتقديم رسالة استقالة رسمية، يتوجه بعدها إلى إحدى العواصم الأوروبية، باريس على الأرجح، ومن ثم يترك السياسة نهائيا.

ولم تتوقع عائلة «الحريري» أبدا مثل هذه الخطوة، ولا تتعجل في الاستجابة لدعوة السعودية. وكان رئيس الوزراء اللبناني السابق «رفيق الحريري»، والد سعد وبهاء، الذي اغتيل عام 2005، هو الذي اختار «سعد» لمواصلة إرثه السياسي بدلا من أخيه الأكبر. وكان «سعد» مدعوما من السيدة نازك، زوجة رفيق الثانية (التي ليست أم سعد ولا بهاء). ويبدو أنه لا يستطيع رفض الطلب السعودي، لأن حريته تتوقف على نجاح هذه التحركات. وليس فقط حريته، فإلى جانب التلاعب الدبلوماسي الذي خطط له «بن سلمان»، يبدو أن «سعد الحريري» قد حصل على ما يزيد على 9 مليارات دولار كمساهمات في المشاريع التي نفذتها شركته سعودي أوجيه، المملوكة لعائلته.

ويقول السعوديون إن المال قد دفع إلى الشركة بشكل غير قانوني من قبل «خالد التويجري»، الذي كان رئيس الديوان الملكي السعودي في عهد الملك الراحل «عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود»، وكان أعلى مسؤول سعودي من خارج العائلة المالكة. وتمت إزالة «التويجري» بسرعة من المنصب عندما تولى الملك «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» العرش، عام 2015، وهو الآن قيد الاعتقال مع قائمة طويلة جدا من الأمراء والوزراء السعوديين السابقين والحاليين.

وقد تبين أن «سعد الحريري» مدير فاشل لشركته، وقد وصل هذا الفشل إلى ذروته في يوليو/تموز، عندما أفلست سعودي أوجيه وأغلقت جميع مكاتبها. وليس لدى عائلة الحريري أي شك في أن «بن سلما»ن قد سرع من انهيار الشركة، لأن المملكة كان بإمكانها توفير الأموال للشركة وتمكينها من الاستمرار في العمل، كما فعلت مع العديد من الحالات الأخرى من شركات رجال الأعمال السعوديين ذوي الصلة.

لكن لا داعي للقلق حول قدرة «سعد الحريري» على كسب العيش. فلا يزال لديه بضعة مليارات من الدولارات في حساباته المصرفية في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي سيمنحه تقاعدا مريحا نوعا ما. ولا يمكن اعتبار «بهاء» أيضا محروما. وتقدر ثروة الأخ الأكبر بـ 2.5 مليار دولار. وهو يمتلك شركة عقارية تعمل في الأردن، مع شركة عقارية مزدهرة أخرى في لبنان.

ولا يبدو أن الأخوين يحبان بعضهما البعض كثيرا. ولم ينس «بهاء» الإذلال الذي تعرض له عندما اختار والده شقيقه الأصغر عليه، ولم ينج «سعد» من انتقاده القاسي على أعماله السياسية والاقتصادية. ويمكن لآل الحريري الآن أن يرتاحوا لفكرة أن السعودية، على الأقل، لم تتخل تماما عن الأسرة، ولا تزال تعتبرها قاعدة ثابتة لمواصلة نفوذها في لبنان.

 

خسارة جديدة

ولكن اللعبة التي يخطط لها «محمد بن سلمان» قد تنقلب عليه. ويجب على الأمير الشاب ألا يقنع أسرة الحريري فحسب، بل أيضا عليه إقناع كتلة تيار المستقبل، التي تحتاج إلى تبني هذا التحول، وليس كل من في الحزب مستعد للانحناء إلى السعوديين.

ورد وزير الداخلية اللبناني، «نهاد المشنوق»، وهو عضو بارز فى حزب تيار المستقبل، على التقارير الخاصة باعتزام تعيين «بهاء» رئيسا للوزراء، بقوله: «نحن لسنا قطيعا من الأغنام يمكن نقل ملكيته من شخص لآخر». لكن «المشنوق»، الذي كان مستشارا رفيع المستوى لرفيق الحريري، يعرف أن تحدي القرار السعودي قد يكلف لبنان غاليا.

وكانت السعودية قد فرضت عقوبات اقتصادية على لبنان قبل عام ونصف العام، حين جمدت مساعدات بقيمة 3 مليار دولار للقوات المسلحة اللبنانية، وأوقفت الصفقات التجارية بين البلدين. واليوم، يمكن للسعودية فرض عقوبات أكثر إيلاما على لبنان. ويعمل أكثر من 400 ألف مواطن لبناني في دول الخليج، ويحولون نحو 2.5 مليار دولار سنويا إلى وطنهم. وإذا قررت المملكة تجنيد جيرانها في الخليج للانضمام إلى هذه العقوبات، فإنها قد تكون ضربة قاضية للاقتصاد اللبناني.

لكن الضغوط الاقتصادية وحدها قد لا تكون كافية لفرض تغيير الحكومة. ووفقا للدستور اللبناني، فإن تعيين رئيس الوزراء في يد الرئيس، والرئيس الحالي «ميشال عون» حليف لحزب الله. وقد فرضت التقاليد دائما أن تعيين رئيس الوزراء يتطلب التشاور مع جميع الأطراف والاتفاق عليه. وحتى لو وافقت أسرة الحريري وتيار المستقبل على الاستجابة لضغوط السعودية، فإن حزب الله وحلفائه في الحكومة والبرلمان لا يزالون يعرقلون تعيين «بهاء الحريري»، ويضع هذا كله لبنان في طريق مسدود سياسيا واقتصاديا.

وليس من الواضح العائد على المملكة من هذا الجمود، خاصة وأن الرأي العام اللبناني قد بدأ يتحول إلى الغضب من التدخل غير المسبوق من المملكة في الشؤون الداخلية للبلاد. فمن الممكن أن تراهن السعودية على أن الضغط الاقتصادي قد يجبر حزب الله على التخلي عن معاقله السياسية، مما يضر بالمصالح الإيرانية في هذه العملية، ولكن في الوقت نفسه، يمكن لإيران أن تستغل الوضع لتحل محل السعودية كراع اقتصادي للبنان، بأن تعوض بيروت عن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن سلوك السعوديين.

وتشير تلميحات السعودية إلى خيار عسكري ضد لبنان إلى احتمالية صدق مزاعم زعيم حزب الله، «السيدحسن نصر الله»، التي سبق وأعلنها حول وجود تحالف عسكري بين (إسرائيل) والسعودية، وأن (إسرائيل) هي التي ستهاجم لبنان، ولا يمكن للمملكة أن تربح من وراء ذلك أي شيء. ويعد فتح جبهة أخرى في لبنان، بالإضافة إلى الحرب الفاشلة التي تعاني منها السعودية في اليمن، كابوسا للمجتمع الدولي أيضا.

فهل لدى المملكة أي نهاية في الاعتبار للعملية التي بدأتها في لبنان؟ إذا كانت موجودة، فقد نجحت في إخفائها جيدا.

 

المصدر | تسفي برئيل - هآرتس