مستقبل التحولات الخارجية والداخلية في السياسات السعودية
عمر الردّاد
بالتوازي بين تغييرات داخلية عميقة وأخرى خارجية أكثر عمقا ،تشهد المملكة العربية السعودية تحولات،ربما تعيد إنتاج السعودية ، في إطار مفاهيم الدولة المدنية الحديثة،من خلال دسترة الدولة وقوننتها ، بالانسحاب الممنهج والمدروس من مربع الدولة الدينية والقبلية ، ذي الجدران الصلبة ،هذا المربع بركنيه ( الدين والقبيلة )الذي شكل أسس الدولة منذ أكثر من مائة عام ، وهو ما يعني ترجمة للمفهوم الماركسي في التغيير والمعروف بالهدم وإعادة البناء، بالتزامن مع تغييرات في السياسة الخارجية وإعادة بناء التحالفات بعناوين براغماتية ، تستهدف بالنهاية تحقيق مصالح الدولة السعودية . ويبد واضحا أن هذه التحولات تتجاوز احتمالات تداولها في اطر التاكتيك وحملات العلاقات العامة، قصيرة النظر، التي تظهر بالعادة في ظل تغييرات في رأس السلطة ومؤسسات الحكم، مصحوبة بخطابات تجديد ووعود بالانفتاح والمصالحات سرعان ما تختفي، وتتوقف مراكبها عند أرصفة القوى المضادة للتغيير.
ملامح التغيير ” داخليا وخارجيا” متداخلة ومتشابكة،غير أنها على صعيد السياسة الخارجية أكثر وضوحا ، وتحديدا في ساحات: سوريا ،العراق ،اليمن وفلسطين ، فرغم النفي السعودي لطلب وزير الخارجية السعودي من المعارضة المقيمة بالرياض ان تتهيأ للتعاطي مع الأزمة السورية على أساس بقاء الرئيس بشار الأسد ،الا ان تطورات الموقف السعودي، حتى دون تصريحات الجبير تؤكد ان هذا هو الموقف السعودي الجديد منذ أشهر ، ومؤكد انه بتوافق مع أمريكا وروسيا ، وعلى وقع تداعيات الأزمة مع قطر ،ومن المرجح ان اجتماع منصات المعارضة السورية الثلاث في الرياض القادم ستكون نتائجه متوافقة مع الموقف السعودي الجديد ،وبالتزامن استقبلت الرياض قيادات عراقية من بينها رئيس الوزراء ووزير الخارجية ومؤخرا السيد مقتدى الصدر، ثم وزير النفط العراقي ،وهو ما اثأر جدلا في ترويكا الحكم في العراق (المكون الشيعي) ذي التبعية الأكثر ولاءا لإيران، ومن الواضح إن التحرك السعودي فُهم على انه اختراق لقوى موالية لإيران ، ظهر جليا بالتصريحات والتصريحات المضادة للتيار الصدري ، والتي وصلت لدرجة توجيه اتهامات لإيران من قبل رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي لإيران ووقوفها وراء تفجيرات في العراق ، تم اتهام القاعدة بالمسؤولية عنها.وهو ما يعطي إشارات حول مستقبل النزاع في العراق واتخاذه شكلا جديدا بين مؤيدين ومعارضين لإيران ،واحتمالات تحقيق السعودية نجاحات في إستراتيجيتها الجديدة بالعراق ،والتي ربما تكون نجاحاتها اقل مما هي عليه في سوريا، إما في اليمن فيبدو أن السعودية أصبحت تمسك بخيوط اللعبة بالانفتاح على كافة القوى ، فالرئيس الشرعي(منصور هادي) مقيم بالرياض،وتتصاعد كما يتردد اتصالات ، ومفاوضات سرية تجري في سلطنة عمان ،بين السعودية مع كل من على صالح والحوثيين، على وقع خلافات بين الجانبين، تتزامن مع تسريبات حول عودة احمد ابن علي عبدا لله صالح لتسلم منصب قيادي ،وتقييمات حول الحرب السعودية في اليمن، وتسريبات غربية تشير الى رغبة سعودية بوقف الحرب في اليمن.
غيران الأهم في السياسة الخارجية السعودية هذا التحول بالموقف من إسرائيل ،والذي بدا منذ اعتبار توقيع السعودية على اتفاقية جزيرتي تيران وصنا فير مع مصر، أنها أصبحت جزءا من اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ، وترسخ هذا التحول لاحقا خلال “هبة الأقصى” وما تردد عن نجاح اتصالات سعودية مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل ،في إنهاء الأزمة ، رافقها جدالات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي حول ” جواز وشرعية” أن يكون للسعودية علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل.
التحولات الداخلية تتجلى في كافة القطاعات وبخطى متسارعة وخاصة الاقتصادية وتحت عنوان مغادرة مربع الاعتماد على النفط ، , بتخفيض إسهامه بالموازنة العامة للدولة إلى النصف ، وحزمة الضرائب الجديدة على المواطنين والمقيمين ، ودسترة الدولة وتحجيم المؤسسة الدينية ممثلة بهيئة الأمر بالمعروف وتحويل مهامها للشرطة ، فيما أثار المشروع السياحي الضخم على البحر الأحمر بمنتجعات واسعة ومسابح، أصبح يشار إليها بالبكيني على شواطئ البحر الأحمر صدمة في أوساط داخلية وخارجية ، لاتقل عن امتناع السعودية (رسميا)عن التعليق على تصريحات منسوبة لسفير الإمارات في واشنطن ، حول إستراتيجية دول الخليج للوصول إلى حكومات علمانية خلال عشر سنوات.
السعوديون ليسوا معنيين كثيرا بالتغييرات الخارجية لبلدهم ومتابعتها ، خلافا للتغييرات الداخلية التي يرجح ان تكون مفتوحة على احتمالات متعددة ، مالم يتم تقديمها للشارع السعودي بحملة جبارة وصعبة ، خاصة انها سترتبط بتغيير في أسس الدولة السعودية ، اقتصاديا واجتماعيا وعلى مستوى الدين، ويخشى من ردات الفعل على خلفية الإجراءات الاقتصادية ، في دولة اعتاد مواطنوها على الرفاه،في ظل نظام رعاية شمولي ،تتم ترجمته بمكارم ودعم مالي سخي للمواطنين ، رغم ان مخرجات التغيير ستنتقل بالسعودية الى ما هو قائم في دول الخليج الأخرى فقط، وفق مضامين خطة 2030 ، اي ان هذا الانتقال سيكون متدرجا ، وهو ما سيعزز احتمالات نجاحه، رغم حملات التشكيك والنقد، ورغم صعوبة وليس استحالة مغادرة السعودية لمربع الدولة الدينية .
كاتب أردني