مستقبل العلاقات الايرانية – السعودية..ابتسامات في الوجه وطعنات بالظهر

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2252
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

صالح السيد باقر
هناك العشرات من الدلائل التي تؤشر على وجود تقارب ايراني- سعودي، مما تجعل المراقبون السياسيون يتكهنون بعودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، ويأتي استئناف الايرانيين لمناسك الحج في مقدمة وأبرز دلائل التقارب الايراني – السعودي.
هناك دلائل أخرى تؤشر على هذا التقارب، من بينها اطلاق السعودية سراح صيادين ايرانيين، وكذلك مصافحة ظريف والجبير على هامش الاجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الاسلامي في اسطنبول، ووساطة العراق بين البلدين وعدم نفي طهران والرياض للوساطة، وكذلك تغيير السعودية لموقفها تجاه الحكومة السورية وبالذات الرئيس بشار الأسد، مما يرجح كفة الموقف الايراني تجاه الأزمة السورية، وايضا تسوية أزمة منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في لبنان، وقبل ذلك التوصل الى اتفاق في منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك)، والذي أسهم في ارتفاع اسعار النفط واستقرارها، وقد لعب تراجع السعودية عن موقفها تجاه ايران دورا رئيسيا في هذا الاتفاق حيث كانت ترفض السعودية بخفض انتاجها ورفع انتاج ايران، بينما الاتفاق سمح لطهران برفع انتاجها وارغم الرياض على خفض انتاجها.
ربما لو أضفنا الملف اليمني ونسبة من المرونة أبدتها السعودية تجاه الأزمة اليمنية والتي تصب في المحصلة النهائية لصالح طهران حيث من المحتمل أن تثمر هذه المرونة عن توقف الحرب ضد اليمن وبقاء الحوثيين وبالتالي عدم تحقق الهدف المعلن من هذه الحرب وهو اجتثاث النفوذ الايراني في اليمن، فيمكن ضمه لسائر الدلائل التي تشير على التقارب الايراني- السعودي.
لا يهمني كثيرا ما ان كانت هذه الدلائل مؤشر حقيقي على اقتراب عودة العلاقات وما اذا كانت العلاقات بين طهران والرياض ستعود أم لا، وانما الذي يهمني في هذا الصدد، هو هل أن عودة العلاقات الرسمية سيكون بداية لعلاقات حقيقية ومتكافئة وقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في شأن أحدهما الآخر، أم أن العلاقات ستعود ويعود معها تبادل الاتهامات والتآمر والكيد؟
لا يمكن الاجابة على هذا السؤال من دون معرفة السبب الحقيقي وراء قطع العلاقات، فعلى الظاهر ان السعودية بادرت الى قطع علاقاتها مع ايران بعد هجوم مجموع من الايرانيين على سفارتها في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد وقامت المجموعة باحراقهما ونهب ممتلكاتهما، وعلى الرغم من ان الحكومة الايرانية ادانت ذلك واعتقلت سلطات طهران مجموعة من المتورطين في الهجومين الا أن الرياض أصرت على قطع العلاقات، مما يشير الى أن الهجوم ليس السبب الحقيقي وراء قطع العلاقات وانما هناك أسباب أخرى، والتي أختصرتها الرياض بتدخل ايران في شؤونها وشؤون دول المنطقة.
هذا هو ظاهر ما جرى ولكن حقيقة ما جرى تعود الى التغيير الجذري الذي طرأ على السياسة الخارجية للمملكة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس باراك أوباما وبالتحديد بعد الاتفاق النووي بين ايران والدول الست، فالمراقب السياسي يشعر بل يلمس تبني السياسة الخارجية السعودية لنهج علني وهو غير مألوف في تاريخ السعودية، فعلى سبيل المثال فان السعودية لم تتحدث يوما عن دعم ايران للارهاب بهذه الصراحة رغم الأزمات التي مرت بها علاقات البلدين، كما أن المراقب السياسي قلما سمع بموقف علني معادي لدولة عربية كما حدث تجاه الحكومة السورية حيث أصرت الرياض على مدى سنوات على ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد.
هذا لا يعني أن السعودية لم يكن لديها سياسة خارجية ومواقف تجاه هذه الدولة أو تلك، بل على العكس كانت تلعب دورا سياسيا نشطا في الكثير من الملفات، ولكن كل ذلك كان يجري وراء الستار وخلف الكواليس، ومن بين الأمثلة البارزة في هذا الصدد هو تحرير الكويت من احتلال نظام صدام لها، فكانت السعودية اللاعب الرئيسي في عملية التحرير ولذلك فان الكويت تشعر انها مدينة للسعودية في ذلك، ولكننا لم نسمع من المسؤولين السعوديين مواقف وتصريحات اطلقوها ضد صدام حسين آنذاك كما يطلقوها اليوم ضد بشار الأسد.
ربما السبب الرئيسي في عدم تبني الرياض لسياسة علنية هو الأثمان التي يتعين عليها دفعها في تبني هكذا سياسة، وأدنى ما يقال في هذا الصدد هو انه يكلفها سمعتها، لأن السياسة العلنية سيكون لها ردود فعل علنية أيضا من هذا الطرف أو ذاك، الأمر الذي يتعارض مع مشروع زعامة العالم الاسلامي والعربي الذي تتبناه الرياض.
السبب الرئيسي في هذا التغيير وانتقال السياسة الخارجية السعودية من السر الى العلن يعود بالدرجة الأولى الى التغيير الكبير الذي طرأ على السياسة الخارجية لحكومة اوباما، فقد تخلت حكومة أوباما عن الكثير من الملفات بعدما ما كان لديها دور مباشر فيها، فقد كانت الرياض تنسق مواقفها مع واشنطن في بعض الملفات، أو لنقل أن الرياض كانت تقنع واشنطن بوجهة نظرها تجاه بعض الملفات ومن بينها الملف الايراني، وبما أن حكومة اوباما تخلت عن هذه الملفات فان الرياض هي التي بدأت تلعب دورا مباشرا فيها، وهذا ما يفسر اعتراض الرياض الشديد ضد واشنطن في التوصل الى اتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي.
مع تسلم دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة واعلانه بأنه سيلعب دورا مباشرا في العديد من الملفات فان السعودية وجدت ضالتها فيه، ومع أن بعض الكتاب والمحللين السياسيين حاولوا أن يسخروا ويستهزئوا بالسعودية لابرامها اتفاقيات تتجاوز مبالغها 450 مليار دولار مع الولايات المتحدة، غير أن الحقيقة هي أن هذا هو الثمن الذي طلبه ترامب لمعالجة الملفات التي تقلق السعودية وفي مقدمتها الملف الايراني.
من هنا فان العلاقات السعودية – الايرانية حتى لو عادت الى سابق عهدها، فسوف لن تخرج عن اطار تبادل الابتسامات في الظاهر، ولكن سوف تستأنف السعودية سياسة توجيه الطعنات لايران من الخلف، ومن المؤكد أن هذه السياسة ستكون أخطر على ايران عما لو تبنت الرياض سياسة عدائية علنية ضد طهران.