قصة القنصلية الإيرانية في جدة كشاهد على غطرسة الشاه وتكبره على السعودية
صالح السيد باقر
ربما ما كان أحد يعرف أن مبنى القنصلية الايرانية الحالية في مدينة جدة السعودية كانت دارا لأحد أمراء السعودية وهو الأمير فيصل بن عبد العزيز، والتي تبلغ مساحتها 62 ألف متر، ما كان أحد يعرف ذلك قبل أن يميط عبد الله سهرابي مدير القنصلية الأسبق اللثام عنه.
فقد روى سهرابي في مقابلة صحفية قصة هذه القنصلية، وقال أن هذه القنصلية كانت الدية التي دفعتها السعودية لنظام الشاه مقابل اعدامها للحاج الايراني أبو طالب اليزدي عام 1943.
فقد اصدر القضاء السعودي آنذاك حكما باعدام أبوطالب بقطع رأسه بالسيف بتهمة شربه الخمر، حيث أن السلطات السعودية ألقت القبض على أبو طالب عندما كان يتقيأ في مكة المكرمة نتيجة تدهور صحته وارتفاع درجة الحرارة، وتصورت السلطات انه احتسى الخمر فقرر القضاء اعدامه.
وباعدامه توترت العلاقات بين البلدين، غير أن مصر توسطت في القضية وتم الاتفاق على أن يكون هذا الدار دية أبو طالب.
وبما أن تاريخ القنصلية الايرانية في جدة شاهد حي على هذه القضية لذلك فان الحكومة السعودية بذلت مساعي حثيثة من أجل شرائها، لكي لا يبقى أي دليل على هذا الموضوع.
ويضيف سهرابي، بأن وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل، عقد لقاءا خاصا مع وزير الخارجية الايراني الأسبق كمال خرازي وقدم له شيكا أبيضا وقال له، أكتب الرقم الذي تريده بلادك مقابل التخلي عن مبنى القنصلية الايرانية في جدة، الا أن طهران رفضت بيعها.
أوردت هذه القصة لاستغرابي الشديد من اللغة التي استخدمها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في المنامة الأسبوع الماضي مع نظرائه الاماراتي والبحريني والمصري، فعندما سأله أحد الصحفيين عن موقفه من لجوء قطر الى ايران وتوطيد علاقاتها معها، رد عليه بكلمات مليئة بالحقد والكراهية، وقال، (بما معناه) ان ايران لا يصدر منها الا الخراب، وأي بلد يرتبط بها سيصاب بالخراب.
ربما تفوه المسؤولون السعوديون بهذه الكلمات خلال عهد الشاه الذي أرغم السعودية على دفع ثمن باهظ مقابل اعدامهم لايراني، مبرر، ولكن ما هو مبرر العداء الذي يكنه المسؤولون السعوديون في الوقت الراهن لايران ويظهر على أفواههم عندما يتحدثون عنها؟
الجميع يعلم أن النظام الايراني الحالي أقيم على ركام نظام الشاه السابق، ومن المفترض أن ترحب السعودية بهذا التغيير وتوطد علاقاتها مع الجمهورية الاسلامية، خاصة أن كافة الحكومات الايرانية بما فيها الحكومة الحالية مدت يدها للسعودية ودعت الى توثيق العلاقات معها، الا أن السعودية لم تكتف برفض الدعوات الايرانية وحسب، بل طالما استخدمت سياسة كيدية ضد ايران، ومنذ انتصار الثورة الاسلامية وحتى اليوم تتآمر عليها وتسعى للاطاحة بها، إلا أن ذلك لا يزيدها الا قوة وعزة.
التآمر والكيد السعودي ضد ايران بلغ حدا حتى انني بدأت اشك أن الحكومة السعودية تتودد لكل من يذلها سواء كان الشاه أو ترامب أو غيره، بينما الذي يحترمها ترفضه وتسعى الى الانتقاص والانتقام منه.
على الرغم من أنني متشائم من تحسن العلاقات الايرانية – السعودية في المستقبل، وسأبرهن في مقال لاحق سبب تشاؤمي، ألا أنني أعتقد أن الوقت لم يفت وبامكان السعودية أن تعيد النظر في علاقاتها مع ايران وتقتح صفحة جديدة معها، خاصة أن الايرانيين اصروا على اداء مناسك الحج هذا العام، وبما اننا جميعا مسلمون، فلتكن مناسك الحج النافذة التي يطل من خلالها البلدان ايران والسعودية على بعضهما البعض الآخر لاعادة العلاقات بينهما وتمتينها.