رؤية إسرائيلية: حصار قطر.. حتمية البحث عن حلول وسطى

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2257
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
يعد الخلاف الأخير بين قطر وبعض جيرانها (المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين) هو النزاع الأخطر بينهم منذ أعوام، ولديه القدرة على زيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة المضطربة بالفعل. وكانت الأسباب الظاهرة للأزمة هي التصريحات الساخنة التي نسبت إلى أمير قطر، لكنّ القضايا الحقيقية تعود إلى الخلافات العميقة بين قطر والدول الأخرى حول كيفية التعامل مع إيران، والإسلام السياسي، والتنافس على القيادة الإقليمية.
ومع قيام السعودية وبعض حلفائها في مجلس التعاون الخليجي بإغلاق الطرق البرية والبحرية إلى قطر وإلغاء الرحلات الجوية وسحب الدبلوماسيين وطرد المواطنين القطريين، وإدراج 59 مواطنًا قطريًا في قائمة للإرهاب، وحظر مشاهدة قناة الجزيرة، يبدو الخلاف أكثر خطورة بكثيرٍ من المواجهات السابقة، بما في ذلك عام 2014، عندما استدعت المملكة ودولٌ أخرى سفراءها من الدوحة.
ويشكل هذا الخلاف بين الدول العربية ذات الأغلبية السنية سببًا رئيسيًا للقلق، لأنّه يعكس انقسامًا عميقًا بين حلفاء الولايات المتحدة التي تحاول الحفاظ على الاستقرار الإقليمي من خلال محاربة تنظيم الدولة الإسلامية واحتواء إيران. وقد تدفع السعودية وحلفاؤها قطر إلى الانضمام إلى إيران وتركيا علنًا، مما يزيد من تفاقم التوترات في المنطقة، ويؤدي إلى الجمود الدبلوماسي والاقتصادي الدائم، ويهدد استخدام قاعدة العديد العسكرية في قطر من قبل الولايات المتحدة والتحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية. وفي أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يؤدي النزاع إلى نزاعٍ عسكريٍ في الخليج.

أسباب النزاع
يعود السبب الرئيسي على المدى الطويل للأزمة بين المعسكر الذي تقوده السعودية وحكومة قطر إلى تمويل الدوحة ودعمها السياسي للجماعات الإسلامية الناشطة سياسيًا والمتنامية أحيانًا، والتي غالبًا ما تنتمي إلى منهج جماعة الإخوان المسلمين. ومن حيث التهديد الذي تشكله هذه الجماعات، يعتقد المعسكر الذي تقوده السعودية أنّه ليس هناك فارقٌ كبير بين الإخوان والجماعات المتطرفة العنيفة التي يواجهونها.
وعلى الرغم من الاعتراضات السعودية والمصرية والإماراتية، فقد واصلت قطر دعم حلفائها الإسلاميين، ولأسبابٍ عديدة، منها التقارب الأيديولوجي الحقيقي، والشعور، حتى وقتٍ قريبٍ على الأقل، بأنّ الإسلام السياسي قوةٌ صاعدة في المنطقة، ولأجل تعزيز نفوذها العالمي من خلال التعامل مع هذه الجماعات بالنيابة عن المجتمع الدولي، والرغبة في انتقاد الوضع الراهن، بما في ذلك نظام الحكم السعودي.
وقد أضعفت سياسة قطر الخارجية المستقلة ورغبتها في تحدي القيادة السعودي فكرة «المعسكر السني العربي». وبالإضافة إلى ذلك، فقد مثل استخدام قطر لقناة الجزيرة الإعلامية المملوكة للحكومة لتوسيع نفوذ الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي، بالنسبة للقادة في الرياض والقاهرة وأبوظبي، منذ فترة طويلة، شوكةً خطيرة في العلاقات الإقليمية. وبالفعل، في عام 2002، أدت التغطية الإعلامية المعادية للحكومة السعودية في الرياض إلى استدعاء سفيرها من الدوحة لمدة ستة أعوام. وفعلت المملكة ذلك مرةً أخرى عام 2014، جنبًا إلى جنب مع الإمارات والبحرين، ردًا على انتقاد الشيخ «يوسف القرضاوي» المنتسب إلى الإخوان المسلمين للحكومة المصرية والإماراتية.
ويعد المصدر الثاني للتوتر هو موقف الدوحة الراسخ تجاه إيران، الذي تعتبره معظم الدول الأخرى ذات الأغلبية السنية في الخليج تهديدًا متزايدًا لأمنها أو حتى لوجودها. وعلى مدى العقد الماضي، اتخذ القطريون خطواتٍ مثل التصويت ضد قرار في مجلس الأمن يدعو إيران إلى وقف برنامجها للتخصيب النووي، والتوقيع على اتفاقٍ ثنائي لمكافحة الإرهاب مع إيران.
ويعد هذا النهج الأكثر تصالحية مع طهران نتيجةً للضعف العسكري النسبي لدولة قطر مقارنةً بإيران، وكذلك مصلحتها الاقتصادية في الحفاظ على التعاون مع البلد الذي تشترك مع في أكبر حقلٍ للغاز في العالم. وفي الآونة الأخيرة، هنأ أمير قطر الرئيس الإيراني «حسن روحاني» على إعادة انتخابه (هي البلد الخليجي الوحيد مع عمان التي قامت بذلك).
ثالثًا، أدت التوجهات المختلفة بالنسبة للربيع العربي، إلى منافسة بين معظم الدول الملكية السنية وإيران والإسلاميين. وفي بعض الحالات، مثل سوريا، كانت إيران هي المستفيد الرئيسي. وبدلًا من توطيد الجهود بين من يعارضون «نظام الأسد» وتنظيم الدولة وإيجاد قوةٍ معارضة معتدلة متماسكة، أدت المنافسة بين السعودية وقطر إلى دعم مختلف المجموعات المتنافسة في سوريا. وعلى سبيل المثال، في المنطقة المحيطة بدمشق، دفعت الرياض المال والأسلحة إلى جيش الإسلام، بينما دعمت قطر منافستها كتائب الرحمن.
وخدم ذلك «نظام الأسد» المدعوم من إيران، والذي كان سعيدًا جدًا لرؤية الجماعات المتمردة تسفك دم بعضها البعض وتغير على بعضها البعض وليس على النظام. وفي حالاتٍ أخرى، حيث كان تأثير إيران ضئيلًا، أدى الصراع بين الدوحة والرياض إلى زيادة عدم الاستقرار والعنف. وعلى سبيل المثال، في مصر، دعم السعوديون المؤسسة العسكرية والسياسية التقليدية، في حين دعم القطريون الإخوان المسلمين وحزبها السياسي، حزب الحرية والعدالة.
وفي ليبيا، دعم السعوديون والإماراتيون القادة العسكريين العلمانيين مثل الجنرال «خليفة حفتر»، في حين أيد القطريون (وتركيا) الجماعات الإسلامية التي تتخذ من مصراتة مقرًا لها.
ورابعًا، تم اعتبار زيارة الرئيس «ترامب» للسعودية، في أول زيارةٍ خارجيةٍ كرئيس، في الرياض وأبو ظبي والقاهرة، كضوءٍ أخضر لمعاقبة قطر على دعمها للجماعات الإسلامية. وأعرب «ترامب» عن التزامه المطلق بأجندة الرياض وحلفائها في المنطقة، مع التركيز على احتواء إيران ومكافحة الإسلام الراديكالي، مشيرًا إلى أنّه لن يكون هناك تدخلاتٍ من الولايات المتحدة إذا اتخذت تلك الدول خطواتٍ ضد قطر. وقد اعترف «ترامب» حتى على تويتر بانحيازه إلى فرض الحصار الإقليمي على قطر، على الرغم من أنّ وزير خارجيته قد ناشد دول الحصار لتخفيف إجراءاتها العقابية.

السيناريوهات والتوصيات
يأمل السعوديون وحلفاؤهم بوضوحٍ في التوصل إلى حلٍ سريعٍ تدرك فيه قطر مدى خطورة وضعها، وأن تحترم موازين القوى التي يظنون أنها الطرف الأضعف فيه، وأن تخضع سريعًا لقائمة مطالبهم. وتشمل هذه المطالب إغلاق قناة الجزيرة، والحد من التعاون مع إيران في القضايا المتعلقة بالمجال المشترك للغاز، وطرد قيادة الإخوان المسلمين وحماس، والتزام الحكومة بعدم دعم الجماعات المتطرفة.
ومع ذلك، من الواضح أن قطر رفضت الخضوع لهذه المطالب. ومن الناحية الاقتصادية، يضمن صندوق الثروة السيادية لدولة قطر، والذي يزيد على 300 مليار دولار، ألا تشعر البلاد بألمٍ ماليٍ خطير في المستقبل القريب. ولأنّ جميع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي متشابهة في طبيعتها (تعتمد على صادرات الطاقة)، ​​فإنّ النشاط الاقتصادي بين قطر والدول البترولية الأخرى في المنطقة ليس مهمًا بالقدر الكبير.
وبالإضافة إلى ذلك، تعلم الدوحة أنّ الولايات المتحدة لديها مصلحة في ضمان أمنها طالما بقيت القاعدة الجوية الأمريكية عنصرًا حاسمًا في حملاتها في المنطقة، بما في ذلك أفغانستان والعراق وسوريا واليمن. وكان ذلك واضحًا في التعليقات الأمريكية الأخيرة الموجهة إلى قطر، والتي أشادت بها «لالتزامها الدائم بالأمن الإقليمي». وأخيرًا، لا يرغب قادة قطر، الذين يتمسكون بالكبرياء، في تقديم تنازلات، وتعهدوا بعدم الاستسلام لما وصفوه بـ «الوصاية» المفترضة للرياض على الدوحة، والتي تقوض استقلال سياستها الخارجية.
وفي الوقت نفسه، يبدو أنّ السيناريو المعاكس، الذي يتخلى فيه السعوديون والإماراتيون والمصريون عن مطالبهم، مستبعدًا بنفس القدر. وفي حين يمكن مناقشة التنافس على قيادة مجلس التعاون الخليجي، كجزء من هذه الأزمة، بدلًا من القضايا الأمنية الحقيقية، لا ينبغي لأحدٍ أن يشكك في مدى قوة شعور قادة الخليج تجاه إيران والإسلاميين وكيف يشعرون تجاه نهج قطر كذلك. وفي حين تعني المواجهة المستمرة التأثير على اقتصاداتها، فإنّ هذا التأثير سيكون هامشيًا، ويعني هذا أنّها يمكن أن تبقي على عقوباتها لفترة طويلة. ومثل الحملة العسكرية السعودية في اليمن التي تدخل عامها الثالث، لن يعني الفشل الأولي في تحقيق الأهداف الاستراتيجية بالضرورة التخلي عن الهدف، ويعتبر الصراع اليمني أكثر تكلفة بكثير بالنسبة للرياض من أي مواجهة متوقعة مع قطر.
وهناك نتيجة محتملة أكثر إثارة للقلق مع استمرار المواجهة، وهو أنّ مقاومة دولة قطر لمطالب جيرانها وتقاربها المحتمل مع تركيا وإيران قد يؤدي إلى تصعيدٍ دبلوماسيٍ أو اقتصاديٍ أو حتى عسكري. وتنشغل المملكة والإمارات تمامًا في حرب اليمن، وسوف تكون مترددة في دخول صراعٍ إقليميٍ آخر، لكن لا يمكن استبعاد مثل هذا التطور إذا شعرت أنّ أعمال قطر تعرض مصالحها الأمنية الحيوية حقًا للخطر. ومثلما شعرت السعودية بأنّه ليس أمامها خيارٌ سوى اتخاذ خطوة محفوفة بالمخاطر بإطلاق حملة عسكرية في اليمن عام 2015، فإذا استمرت القيادة القطرية الحالية في العمل بالطرق التي تجد الرياض فيها تهديدًا لها، قد تنظر السعودية في ضرورة الحل العسكري.
ولأنّ استمرار هذا النزاع قد يكون ضارًا للغاية لجميع الأطراف، فعلى الجهات الفاعلة الخارجية، التي لها مصلحة في الاستقرار الإقليمي، المساعدة في الحل. ونظرًا للعلاقة الوثيقة للولايات المتحدة بالجانبين، فهي في وضع فريد يمكّنها من القيام بذلك. وفي الواقع، تؤكد الأزمة الحالية أنّ الولايات المتحدة، مهما كانت إحباطاتها في الشرق الأوسط والتحديات التي تواجهها في الداخل، لا تستطيع أن تنسحب ببساطة من المنطقة.
ولن يقتضي الحل بالتفاوض من قطر أن تتوقف تمامًا عن سياستها، وأن تقطع جميع الروابط مع الجماعات الإسلامية وإيران، وأن تسمح للرياض بأن تملي سياستها الخارجية عليها. ومن ثم فإن الولايات المتحدة قد تُذكر أصدقاءها في الرياض وأبوظبي والقاهرة بأنّه من الصعب جدًا تحقيق جميع مطالبهم، وأنّ نتيجة الضغط في هذا الاتجاه قد يدفعها للتنسيق الصريح مع تركيا وإيران، وهو ما يتعارض ليس فقط مع مصالح الأمريكيين، بل مع مصالح أقرب شركائها العرب. وللتأكيد على هذه الرسالة، يمكن أن تؤكد واشنطن أنّ وعد الرئيس «ترامب» باستعادة التحالفات التقليدية لم يكن «شيكا على بياض» لمعاقبة قطر، كما بين الوزير تيلرسون ضمنيًا في بيانه.
وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة أن توضح للدوحة أنّ عليها تغيير سياساتها إذا أرادت الخروج من الوضع الذي تعاني منه الآن، وأنّ تحول قطر إلى مدار إيران وتركيا سيضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة. ويمكن للولايات المتحدة تطبيق ضغوطٍ سياسية على حكومة قطر لإنهاء لضمان توقف الجزيرة عن انتقاد السعودية والإماراتي ومصر وإيقاف الدعم السياسي أو المالي أو غيره من أشكال الدعم لجماعة الإخوان المسلمين المصرية. وبعبارةٍ أخرى، على الولايات المتحدة الضغط بشكلٍ متوازن على طرفي الأزمة وتحذيرهما من الدخول في معركةٍ دبلوماسية طويلة قد تكلف كل الجهات ذات الصلة خسارة كبيرة.
المصدر | معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي