هل ستتفوق الحكومة المصرية وقيادة المملكة على الزخم الشعبي إزاء مصرية “تيران وصنافير”؟!
عبدالخالق النقيب
انعكست الحساسية العالية التي يتمتع بها الشعب المصري وتمسكه بالأرض ، في اتساع دائرة الغضب والرفض الشعبي غداة مصادقة البرلمان المصري على اتفاقية الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي يتم بموجبها نقل تبعية جزيرتي “تيران وصنافير” للمملكة السعودية ، التي يقول معارضوها أن مصريتها تعود إلى1906 باتفاقية مع الدولة العثمانية ، وهو التاريخ الذي يسبق تأسيس المملكة السعودية ، ما جعل الحكومة المصرية تعيش معركة داخلية شرسة مع الرأي العام والقضاء والأحزاب ، وتناضل نضالاً مريراً لتأكيد سعودية “الجزيرتين” في سابقة نادرة ، إذ لم يشهد التاريخ أن تتولى حكومة “بلد ما” مواجهة شعبها وقضاءها لإثبات أن الأرض ليست لها ، فيما المملكة السعودية المعنية بالنزاع والمرافعة تنتظر أن يصلها ما تريد إلى حيث تكون ، بل وعليها مصادقة برلمانية ورئاسية .
تنازلت الحكومة المصرية عن جنسية “تيران وصنافير” ، وعملت على تكثيف وتسريع إجراءات نقل تبعيتها ، في سبيل إرضاء المملكة التي تمد مصر بمليارات الدولارات ، وتحويل الاتفاقية إلى أمر واقع يتحدى التهاب قطاع عريض من الشعب ، وهم الناس الذين لا يمكنهم التخلي عن مشاعر الارتباط بالأرض حتى وإن تطور الأمر إلى مواجهة مع السلطة ، ما ينذر بتداعيات لا يمكن التكهن بها ، سيما ونظام السيسي يفقد جانباً كبيراً من الشعبية بعد أن اعتبره الكثير من المصريين منقذاً للأمة عقب إطاحته بالإخوان المسلمين 2013.
حزب المصريين الأحرار ، وهو في العادة مقرب من السيسي ومؤيد لنظامه ، ندد بخطوة نقل تبعية الجزيرتين للسعودية ، ودعا لتنظيم مظاهرات في أنحاء مصر اليوم عقب صلاة الجمعة رفضاً لمصداقة البرلمان المصري على الاتفاقية ، مظاهرات مصر تأخذ في التمدد ومن المتوقع أن يشارك فيها” التيار الديمقراطي – التحالف الشعبي – حزب الكرامة – التيار الشعبي – حزب الدستور – المصري الديمقراطي – جبهة محمود العلايلي – العيش والكرامة – وجماعة الإخوان المسلمين المحضورة ” وجميعها دعت الشعب المصري إلى التعبير عن رفضه بوضوح للاتفاقية ، باعتبارها مساً بشأن وطني خالص ، وتصرفاً في قضايا مصرية لم يتم التفويض بشأنها لاعبر استفتاء ولا بواسطة التفاف شعبي حقيقي ، ما يعني أن تعامل الحكومة المصرية مع ملف “جزيرتي تيران وصنافير” نموذجاً صارخاً للفشل السياسي والاضطراب المؤسسي ، الذي امتد إلى إثارة الشارع عليها بشكل ربما لم تواجهه أي سلطة مصرية في العقود الماضية.
ويرى مراقبون أن مطالب السعودية المحمومة في الحصول على جزيرتي ” تيران وصنافير” تثير العديد من التساؤلات الخطيرة ، فنقل تبعية الجزيرتين للسعودية سيقدم لإسرائيل كنزاً استراتيجياً لا يضاهيه ثمن ، إذ سيضمن لها -بالقانون الدولي- حق الملاحة في خليج العقبه ، بعد أن يصبح ممراً بحرياً دولياً وليس خاصاً بالسيادة المصرية وفق اتفاقية كامب ديفيد، فعقب حرب أكتوبر التي حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الستة وأنهت أحلامها ، التي اندلعت بالمناسبة بسبب إغلاق جمال عبدالناصر مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية إلى اليوم ، وهو ما يدفع للإدراك أن نقل تبعية الجزيرتين سيعرض أمن العرب القومي للخطر لأن مثل هذه الخطوة ستحول ممر تيران إلى مياه دولية لا تستطيع مصر ولا السعودية غلقه أمام إسرائيل إذا ما جد جديد في تفاصيل عدوانها المتواصل على الأمن القومي للمنطقة العربية .
كما أن عودة الجزيرتين للسعودية يفرض عليها تحقيق “تفاهمات” إن لم يكن اتفاقيات أمنية مع إسرائيل ، وسيتبعها بالتأكيد خطوات سياسية أخرى ، قد تفتح كل أبواب الاحتمالات أمام تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع البلدين ، والتي ستفتح بدورها الباب أمام دول الخليج لتحذو حذو المملكة ، وهي عملية تبدو وكأنها توصيل الخدمات الاستراتيجية لإسرائيل حتى المنازل ..! ومثل هذا السيناريو سيكون بالطبع على حساب الحقوق الفلسطينية الاستراتيجية .
وسط محاولات الحكومة المصرية وإصرارها لإثبات سعودية “تيران وصنافير” ، حمل أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها :”رجعت للتاريخ عشان أثبت أن الجزر سعودية ما لقيتش السعودية نفسها ..!” ، وهتف آخرون “اللي يبيع صنافير وتيران بكره يبيع شبره وحلوان ” ، فـ كيف يمكن لنظام السيسي وقيادة المملكة الوقوف بوجه هذا الزخم الشعبي إزاء مصرية “تيران وصنافير” ؟