الخليج المصالحة المستحيلة إلا بالحدث المفصلي
كمال خلف
تندلع معظم الأزمات بين الدول عادة على قاعدة تضارب المصالح بينها ، خاصة على مناطق النفوذ والتاثير ، وهذا في صلب الأزمة الخليجية طبعا ، ولكن في أزمة كتلك التي عصفت بدول الخليج الأربع السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر في الجهة المقابلة ،ثمة ما هو أعقد من كونها أزمة بين دول تحت عنوان تضارب المصالح ، إذ تدخل في هذه الأزمة عوامل إضافية تجعلها متفردة ، وتجعلنا غير متحمسين للاراء التي تفيد أن الأزمة ستنتهي بالحوار أو بواسطة الولايات المتحدة راعية هذه الدول .
قد يعتقد البعض أن المليارات التي ستدفعها قطر مقابل صفقة طائرات اف 15 للولايات المتحدة تنهي أزمتها وحصارها حسب التسمية الرائجة ، إلا أننا لا نجدها سوى ثمن قبضته إدارة ترامب كي لا تقف خلف الدول الثلاث ضد قطر ، وحتى ولو نجحت وساطة الأدارة الأمريكية فإننا مازلنا نعتقد أن الأزمة لن تنتهي ولو وصلت الوساطة إلى حد تبويس الشوارب واللحى.
نحن أمام أزمة لها أبعاد عدة متداخلة ، الجانب الشخصي واضح فيها ، إذ يبدو التنافر كبيرا بين الجيل الجديد للحكم في دول الخليج وتحديدا بين المحمدين في الرياض وأبو ظبي من ناحية وامير قطر تميم في الجهة المقابلة ، ليس هذا فحسب إذ يدخل البعد القبلي المتجذر في الجزيرة العربية ، وهذا البعد الذي ترى فيه الرياض نفسها الأخ الكبير ، كان سببا لتوتر العلاقة مع الدوحة على مدى العقود الماضية .
الأمر الآخر هو ما كشفته الأزمة من اتساع حجم الدسائس في الخفاء بين هذه الدول ، لعل التسريبات التي عرضتها القنوات السعودية للأمير القطري الأب تمثل جزءا ، ومضامين بريد السفير الإماراتي في واشنطن الذي تم اختراقه مثالا آخر . هذه التصرفات لم تكن وليدة الأزمة الراهنة ، إنما مسارات عميقه في سياسيات الأطراف حيال بعضها . هي تنم عن احقاد كامنه تتجاوز الخلاف السياسي وفق قاعدة تضارب المصالح .
هذا عوامل اذا ما أضيفت لتضارب المصالح السياسية و السباق للحضور والتاثير في أزمات المنطقة ، ومنهج السعودية الراهن في إمساك ناصية الأطراف بالكامل لقيادتها نحو استراتيجية خاصة بها ، تسعى لفتح مواجهة كبرى مع إيران . كل هذا يدفعنا إلى الاعتقاد أن الأزمة لن تنتهي بالمصالحة ، ولا ننكر أن مثل هذه المصالحة قد تحدث في أي وقت ، إلا أنها لن تكون إلا هدنة مؤقتة يستعد فيها كل طرف لمواجهة جديدة .
ما كشفته الأزمة أن لقطر امتداد كبير خارج حدودها الصغيرة ، هي جهزت لهذا المخزون الاستراتيجي من النخب الفكرية والاعلامية ، والأحزاب والتيارات والشخصيات الفاعلة وقادة الرأي في الفضاء السياسي العربي ، وحتى ما قبل ما سمي بالربيع العربي ، وزادت من وتيرة تنظيم هذا المخزون أثناء انخراطها في لعبة الدم في الدول العربية لتضيف له بعدا مسلحا عبر منظمات ومليشيات ، وهؤلاء ظهروا في الأيام الماضية كقوة متجانسة ، استطاعت أن تدير ماكينة التصدي للهجوم الإعلامي والدبلوماسي من السعودية والإمارات.
تحركوا كلا من موقعه ولكن كانت تحكمهم صيغ عمل وكأنهم تحت إدارة مايسترو واحد ونجحوا بتقديرنا .
في الحرب السورية والليبية كان هؤلاء يبدون ككتل وشخصيات مستقلة على امتداد جغرافي واسع ، حاولوا السيطرة على الرأي العام العربي وتوجيهه . وللاسف ضللوه . لكن الأزمة الخليجية وضحت الصورة وتبين أن هناك مخزون استراتيجي ومراكز قوة للدوحة وسياساتها و رؤيتها خارج حدودها .
نعتقد أن السعودية وحلفاءها في الخليج قد استفاقوا على هذا الواقع الجديد ، قطر لا تبتلع بسهولة، ، وهذا بحد ذاته سوف يشجع دولا صغيرة أخرى وتحديدا الكويت وسلطنة عمان على مقاومة النفوذ السعودي . والتخلص من عقدة الخوف تجاهها ، وهذا يضع قادة الرياض أمام امتحان قلب هذه الوقائع بأي ثمن .
انطلاقا من هذا التحليل ،فإن هذا النوع من الأزمات لا ينتهي إلا بحدث مفصلي يمس هذه الدول مباشرة في المنطقة ، حدث يعيد عداد الحسابات إلى الرقم صفر . ويمثل نقطة بداية ينطلق منها الجميع ، قد يكون هذا الحدث انقلابا في الحكم في إحدى الدول المعنية ، او اغتيالا أو حربا في المحيط المباشر تستدعي اصطفافا جديدا باندلاعها أو بنتائجها ، أما المصالحة بمعنى قلب الصفحة وفق الظرف الراهن فهي أمر مستبعد .
اعلامي وكاتب فلسطيني