الحاكم العربي المستبد وشعبه المستسلم لطغيانه وجهان لعملة تخلف واحدة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2330
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. كاظم ناصر
الوطن العربي يمتاز بقبوله للأنظمة التسلطيّة التي يقودها طغاة يتربّعون بارتياح على عروشهم وكراسي حكمهم حتي يرحلون عن هذا العالم، أو يرحّلون عنه، والشعب في كلتا الحالتين لا يأسف على فراقهم، ويتمنى لهم إقامة دائمة تليق بمقامهم في الدرك الأسفل من جهنم ! نحن أمة تعدادها 400 مليون، موزّعة في 22 دولة تسلطيّة، لا يوجد بينها ديموقراطية برلمانية أو رئاسية دستورية واحدة، منها ثمان دول ملكيّة وأميريّة وسلطانيّة وراثية، وجمهوريات يحكمها طغاة وعائلات وتكتّلات ولا علاقة لها بالديموقراطية الحقيقية !
منذ أن إنهار الإتحاد السوفييتي عام 1990، تحوّلت معظم دول العالم إلى ديموقراطيات أطلقت الحرّيات، وطبّقت التعدديّة السياسية وتبادل السلطة، وأصابت وأخطأت في ممارساتها ، لكنها حافظت على ديموقراطيّاتها وعملت على إستمرارها وتأصيلها في فكر وحياة الناس اليوميّة ، إلا وطننا العربي ، فإنه ما زال دكتاتوريّا، تسلطيّا، و قمعيّا رافضا للتغيير، ومصرا على حماية جهله وتخلّفه، ومحاربا للعقل والثقافة كما كان منذ قرون مضت !
العالم يفكّر ويعمل بلا توقّف لتطوير إنسانه، وعلومه، وآدابه، وفنونه، ونحن منغلقون، ومهزومون، ومشغولون في فلسفة العدم وتفسير الأحلام، وكتابة الشعر والنثرعن أوهام لا وجود لها. العالم يتقدّم ونحن نتراجع . كنا قبل 70 سنة ننتج معظم ما نأكله، وبعض ما نلبسه، ونصدّر القمح والبن والقطن والصوف والماشية لدول كثيرة، وأصبحنا الآن شعوبا مستهلة تعيش على المنتجات التي تستوردها من دول العالم، أو على الصدقات التي تقدّمها لنا المنظمات الخيريّة، أو المساعدات التي تدفعها دول معادية كرشوة لحكامنا لتساعدهم على البقاء في الحكم، والإستمرار في تدمير إنساننا ووطننا خدمة لمصالحها !
الحكّام العرب معروفون عالميا بهزائمهم أمام أعدائهم، وفشلهم في حماية أوطانهم، وبطشهم وفسادهم وظلمهم لشعوبهم واستهتارهم بحقوقها، وتبديدهم للمال العام . إنهم أساس الكوارث التي حلّت بنا جميعا من المحيط إلى الخليج، وفتحت أبواب أوطاننا لكل طامع بأرضنا وثرواتنا، واوصلتنا إلى هذا البؤس الذي نحن فيه !
الشعوب العربية التي تعاني من الجهل والفقر والتخلف رغم ثروات الوطن العربي الهائلة، أصيبت بالخمول، واصبحت لا مبالية لأنّها تعوّدت على قبول ثقافة القهر والعبوديّة التي تراكمت في نفوسها وعقولها، وحطّمت إرادتها خلال التسع قرون الماضية. إنها للأسف لم تجرّب الحريّة الحقيقيّة في تاريخها . ولهذا فإنها لا تعرف قيمتها وأهميّتها في الخلاص من الإستبداد والتسلّط ، وسلّمت مصيرها لقادة بعقليات قبليّة لا ينتمون إلى العصر، ولا يهمهم سوى حماية كراسي حكمهم وامتيازاتهم.
الحرية والديموقراطية لم تمنح لآي شعب بقرار من الحاكم طيلة التاريخ الإنساني .الشعوب هي التي تحرّكت وتمرّدت على الطغيان، وحصلت على حقوقها بتضحياتها، وأقامت أنظمة سياسيّة تخدم مصالحها، وتحميها من أعدائها، وتصون كرامتها، وتوفر لها الأمن والأمان والخدمات العامة التي تحتاجها .
الحكام العرب والشعوب العربية وجهان لعملة جهل وفشل وتخلّف واحدة ! لو كانت الشعوب العربية واعية، وتفهم قيم الحريّة والديموقراطية وأهميّتها في التقدّم الإجتماعي، وتدرك أن الوحدة العربية هي السبيل الوحيد الذي سينقذها ويمكّنها من بناء وطن عربيّ قويّ قادر على حمايتها، لما قبلت أبدا بهكذا حكّام، ولتحركت ضدّهم، وتخلّصت منهم، وأخذت زمام المبادرة في بناء وطن حرّ جديد يحميها، ويصون كرامتها، وتعتز بالإنتماء إليه كما تعتز الشعوب في الدول الإسكندنافية واليابان ونيزيلندا وغيرها من دول العدالة والتقدّم والإنسان بأوطنها،ّ وتشعر بالفخر بالإنتماء إليها.
لن يتغيّر الواقع العربي إلا إذا تغيّر الإنسان العربي . ولن يتغيّر الإنسان العربي في ظل الأنظمة الفاسدة التي تحكمه. ولهذا فإن فرصته الوحيدة للخلاص من واقعه المزري تكمن في تمرّده، وقيامه بثورات شعبية تقيم ديموقراطيات حقيقية تحمي الحريّات، وتخلّصه من الجهل، وتنهي عهود الإستبداد والتبعيّة، وتعيد له كرامته وإنسانيّته.
كاتب فلسطيني