تغير قواعد اللعبة الأمريكية في المنطقة العربية في عهد الرئيس ترامب

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2483
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. حسين سالم مرجين
طرحت زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى المملكة العربية السعودية، تساؤلات قديمة – جديدة عن : ماذا يريد النظام العربي من السياسة الأمريكية ؟ خاصة بعد قيامه بعقد سلسلة من الاجتماعات الخليجية – والعربية والإسلامية، كما طرحت أيضًا تساؤلات عن : ماذا تريد السياسة الأمريكية من النظام العربي ؟ وهل توجد أهداف وسياسات عربية محددة المعالم للمرحلة الحالية والمستقبلية؟
في الحقيقة قبل البحث عن تلك الإجابات، نود طرح عدد من المحددات، أهمها:
أن إستراتيجيات أي وطن لا تكفيها أهواء الزعماء والحكام، وإنما تفرضها ثوابت الجغرافيا أولاً، ثم تحركها دواعي التاريخ ثانياً.
أن بناء ووضع إستراتيجيات أي وطن بشكل متسارع، سيكون مصيرها الفشل.
أن المجتمعات في طلبها للحرية والتجديد لا تنمو داخل أوعية من حديد.
هناك حاجة دائمة إلى تجديد الزاد الروحي ، حيث لا تستطيع السلع وحدها أن توفره.
طول البقاء في السلطة مع وجود قهر واستبداد شديد سواء بدعاوى الأمن، أو دعاوى الاستقرار؛ سيقود إلى تعطيل تواصل الأجيال في كل مناحي الحياة.
أصبح الحراك المجتمعي العربي الذي بدأ أواخر 2010 وبدايات 2011م، يواجه حركة مراجعة من داخله، وقد بدأت أكثر من مراجعة فالإيمان بالأفكار السياسية باق، ولكن الممارسة تترك مجالاً كبيرًا للتمني.
وفي سياق البحث عن تلك الإجابات بدأت تتطور الأحداث على امتداد الفترة اللاحقة ما بعد قمة الرياض، حيث بدء تلمس تغيير السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، فالرغم من وجود عدد من المؤسسات والجماعات والتيارات تشارك الإدارة الأمريكية في صنع السياسة الخارجية، إلا أننا حاليًا أمام إدارة أمريكية مختلفة عن الإدارات الأمريكية السابقة، فآليات التفكير لهذه الإدارة مختلف عن غيرها من الإدارات الأخرى، فالرئيس الأمريكي ترامب في حد ذاته ذو طبيعة مختلفة عن الرؤساء السابقين، حيث إنه من المحتمل أن يقوم بتهميش كل تلك المؤسسات والجماعات والتيارات، بالتالي قد لا يؤخذ رأيها في المسائل والقضايا ذات البعد الخارجي، فسياسة ترامب الخارجية تحاول العمل على تغيير قواعد اللعبة في المنطقة، حيث يمكن تحديد عدد من قواعد التغيير تلك ، في التالي :
الدفع نحو تزايد الثقل السياسي والعسكري لكل من مصر، والسعودية؛ نظراً لمكانة الأولى العسكرية والإستراتيجية، ولتأثير الثانية على عدد من الدول العربية على ضوء تأثير البترودولار، حيث حظيت سياسة القاهرة والرياض بدعم وتأييد غير مسبوق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة.
المطالبة الأمريكية لدول المنطقة – دون استثناء- بضرورة القيام بدفع تكاليف الحماية، فالركون إلى المظلة الأمريكية لن يكون مجانًا في المرحلة القادمة، وبالتالي من الضرورة اعتماد دول المنطقة على حماية نفسها أو القيام بدفع فواتير الدفاع.
السماح الأمريكي بتصفير دور قطر في التدخل في شؤون العربية، بل ربما سيصل إلى السماح للسعودية باستبدال نظام الحكم فيها بنظام حكم آخر.
التأكيد على كون الصراع الحالي في المنطقة العربية هو صراع مذهبي، سني – وشيعي، والسعي إلى تأكيد أهمية وجود تحالف عربي إسلامي ” السني ” ضد التحالف الإسلامي ” الشيعي”، بالتالي اعتبار إيران هي العدو الأوحد للنظام العربي والإسلامي ” السني”.
التأكيد على أهمية التعاون والتضامن العربي الإسلامي ” السني” مع إسرائيل، من خلال القبول بدولة إسرائيل كخيار إستراتيجي، والتسليم بالأمر الواقع، والنظر إليها كحقيقة قائمة من جهة، واعتبار خيار المجابهة العسكرية معها في حكم الأمر المتعذر، بل والمستحيل في ظل موازين القوى الإستراتيجية والسياسية الراهنة من جهة أخرى، حيث أصبحت إسرائيل تشكل في المنطقة محورًا للتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي.
تقليص أهمية ودور الأمم المتحدة في حل نزاعات المنطقة لصالح دور بعض الدول المنطقة .
تراجع المسألة الفلسطينية لتصل إلى الحدود الدنيا، فبالرغم من السياسة العدوانية والتوسعية لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى المعاملة اللاإنسانية مع الأسرى الفلسطينيين، إلا أن كل ذلك لم يلقَ أي أهمية أو اهتمام أمريكي .
إقناع القيادات الفلسطينية بقبول أي حل واقعي للمسألة الفلسطينية.
تجميد الدعوة لحكام المنطقة نحو القيام بعمليات الإصلاح والتغيير، والحوكمة والحكم الرشيد والديمقراطية، واستبدالها بمكافحة الإرهاب، والمحافظة على أمن واستقرار المنطقة.
طرح أفكار تقسيم بعض الدول العربية خاصة في العراق، وسوريا، وربما ليبيا من خلال إثارة النعرات الطائفية، والعنصرية بين الأقليات، وتزويدها بالسلاح والمال بهدف “الحيلولة دون قيام وحدة وطنية، وبالتالي السعي نحو تقسيم تلك الدول.
استنفاذ الطاقات الاقتصادية العربية وهدرها، وتعطيل المشاريع التنموية وإجهاضها، وإرهاق ميزانيات الدول العربية، من خلال دفع الدول العربية نحو رصد مبالغ هائلة لشراء الأسلحة على حساب مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبشكل عام فإن ما يعنينا الإشارة إليه في هذا الخصوص هو أن هناك سلسلة من التغييرات الجديدة في السياسة الأمريكية المباشرة وغير مُبطنة، تدعو حكام المنطقة إلى السعي نحو القيام بأدوار جديدة، يكون فيها محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، على حساب الإصلاح والديمقراطية والحوكمة، إضافة إلى مطالبة دول المنطقة التي كانت تعتمد على الولايات المتحدة في تحقيق أمنها إلى ضرورة الاعتماد على نفسها ، والسماح لها بإقامة ناتو عربي إسلامي “سني” يكون موجه فقط إلى محاربة تحالف إسلامي شيعي بقيادة إيران.
إذن فالسؤال الجوهري الذي لا يزال يقفز إلى الذهن هنا :ألا تحتاج الدول العربية إلى عملية بحث عن : ماذا تريد من السياسة الامريكية ؟
إن الدول العربية أصبحت حاليًا مطالبة بالبحث عن إجابة للتساؤل السابق، فالتساؤل لم تتم الإجابة عنه في الاجتماعات العربية الامريكية في الرياض، سواء أكانت على المستوى الخليجي، أم على المستوى العربي والإسلامي، حيث لم نسمع عن مطالب عربية إسلامية موجهة إلى الإدارة الامريكية، فمثلًا لم يتم التطرق أو أية إشارة أو تلميح لموضوع فلسطين أو القضية الفلسطينية، وعملية التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي، حيث أصبحت إيران أو الإسلام الشيعي هو العدو الأول لدى دول المنطقة، بالتالي نريد وقفة للتدبر مع الذات بغية معرفة ماذا تريد الدول العربية من السياسة الأمريكية في المنطقة؟