ترامب رئيساً.. ألم وأمل سعوديين!

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2830
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

محمد قستي
تحاول الرياض هذه الإيام جهدها التغلّب على معضلة وصول ترامب لكرسي الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن بعضاً من قلقها قد انزاح، بعيد اجراء ترامب مكالمة مع الملك سلمان، وبعد التصريحات النارية التي أطلقها هو ومسؤولو البيت الأبيض بشأن إيران، وصواريخها الباليستية، والاتفاق الغربي النووي معها. ومع هذا لازال القلق السعودي قائماً.
لم تكن الرياض وحدها قلقة من تبوّأ ترامب عرش الولايات المتحدة، كما لم تكن الدولة الوحيدة التي استقبلت حفل تنصيبه ببرود.. لكنها، واحدة من أكثر الدول قلقاً من هذا الرئيس الجديد.
لقد بنت الرياض سياساتها على أن أوباما راحل ليحل محله رئيس أكثر قرباً في سياساتها، ونقصد هيلاري كلينتون، التي موّلت السعودية خُمس تكاليف حملتها الإنتخابية حسب الأمير محمد بن سلمان نفسه. ولم يكن هنالك من شك لدى الأمراء بأن ترامب، القادم من خارج السيستم، لن يفوز في الإنتخابات، وأنه قد يكون أكثر سوءً بنظرها من سلفه الديمقراطي أوباما، الذي تعتقد الرياض أنه أضرّ بالعلاقات الأمريكية السعودية، كما أضرّ بالولايات المتحدة نفسها، كونه شخصاً متردداً في شنّ الحروب واستخدام القوة العسكرية (سوريا بشكل محدد)؛ ولأنه ايضاً ـ من وجهة النظر السعودية ـ أبرم الإتفاق النووي مع إيران، وبالتالي فكّ طوق العزلة عنها، بدلاً من تطوير الحصار الاقتصادي، الى خنق سياسي، ولو كان بالأدوات العسكرية.
والرياض التي ازعجتها تصريحات أوباما العلنية بشأن الإصلاحات الداخلية الواجب اتخاذها، ودور الرياض في توليد فكر العنف الداعشي والقاعدي الذي غزا العالم.. ما كانت لتؤمل سوى وصول رئيس جديد، يواجه ايران مجدداً، ويقوّي الدور الأمريكي في المنطقة، والذي على أساس موجه يطفو النفوذ السعودي الآفل بأفول النفوذ الأمريكي نفسه.
لكن كلينتون هُزمت.
وليس هذا مهماً كثيراً، لولا أن الرياض افتعلت معركة مبكّرة مع ترامب خاضها الوليد بن طلال. معركة تحقيرية لترامب، على موقع تويتر، وتابعها العالم على صفحات الجرائد الغربية أيضاً.
الرياض، كما كشفت تلك المعركة، أخرجت ما بداخلها من آمال لا تتزعزع بخسارة ترامب للانتخابات. وأخرجت ما بداخلها من كره له، وقد بادلها هو الآخر بشديد النقد والإستهزاء، وبحكم آل سعود، وبدعمهم للإرهاب، وضرورة الحجر عليهم والسيطرة على نفطهم، وأن لا بديل لهم عن الحماية الأمريكية.
الرياض قطعت خيوط التواصل مع ترامب مبكراً، أثناء الحملة الإنتخابية، في حين ان الدول الأخرى التي تربطها بالولايات المتحدة الأمريكية علاقات وثيقة ومصيرية، سواء كان في السياسة او الإقتصاد.. كانت تتقرّب منه ومن مستشاريه، للتعرّف عليه اكثر، ولم تكن في وارد مهاجمته في شأن داخلي، بل تفادت الصدام معه والتزمت الصمت، ووضعت احتمالاً بفوزه. فإذا ما حدث ذلك، كانت الخيوط الى الرئيس الجديد، سالكة، والتواصل ـ ولو كان محدوداً ـ يمكن تمديده وتقويته.
الرياض المغامرة والمقامرة، فعلت ما هي متعوّدة عليه ـ في العهد السلماني خصوصاً: المغامرة، بل المقامرة.
وحين ظهرت النتائج بعد ساعات من الإنتخابات الأمريكية، صُعق الأمراء، وبدا لهم أنه لم يعد هناك وقت كثير لإصلاح ما أفسده الأميران محمد بن سلمان والوليد بن طلال؛ كما اكتشفوا انهم لا يعرفون أكثر الطاقم المحيط بالرئيس المنتخب ترامب.
قُضي الأمرُ الذي فيه تستفتيان!
تحركت الماكنة السعودية باتجاه اللوبي الصهيوني الذي يقيم السعوديون معه علاقات تحالف، خاصة في عهد أوباما.
تحرك تركي الفيصل، وطاقمه، وآخرون، لتقريبهم من الرئيس الجديد، وفتح صفحة جديدة معه، ومحاولة ما فشل فيه الطرفان الإسرائيلي والسعودي، مع أوباما، من جهة دفعه باتجاه ان تخوض امريكا حروباً بالنيابة عنهما، خاصة في ايران.
طلب محمد بن سلمان من وزير الخارجية عادل الجبير، ان يغادر على وجه السرعة الى واشنطن، وأن يُرابط هناك بحثاً عن أمرين:
الأول ـ البحث عن خيوط توصله بترامب، فوجد صدوداً رغم توسط أعضاء كبار من الحزب الجمهوري. ولكن قناة تركي الفيصل فيما يبدو قد نجحت أكثر عبر اللوبي الصهيوني.
الثاني ـ تحريك اللوبي السعودي في واشنطن، للبحث عن حلول وسط لقانون (جاستا) المشؤوم! والذي تمّ تفصيله على المقاس السعودي، ويتضمن حق المواطن الأمريكي رفع دعوى على الرياض باعتبارها داعمة للإرهاب، ومسؤولة عن تفجيرات سبتمبر ٢٠٠١.
شركات العلاقات العامة، كما اعضاء في الكونغرس، طمأنوا الرياض الى أن المسألة لا تتعلق إلا بـ (الدفع المالي) كتعويضات، وأن الرياض تستطيع ان تستوعب غضب ترامب في المجالات الأخرى عبر بوابة التعويضات لعوائل ضحايا ١١ سبتمبر، حتى وإن كان ذلك يعني تثبيت التهمة على الرياض نفسها بأنها شريك في جريمة القاعدة.
الأمير محمد بن سلمان، الذي كان قلقاً من تداعيات وصول ترامب، عبّر عن سعادته بالأخبار الإيجابية التي حملها له وزير الخارجية عادل الجبير بشأن قانون جاستا، وأوصل تلك الآمال السعيدة الى الصحافة الأمريكية أيضاً.
كانت الرياض يوم فوز ترامب وكأنها أشبه ما تكون في مأتم حزن. وكان التقدير أنه قد جاء رئيس جديد لأمريكا، هو بنظرها أسوأ من أوباما، الذي عيّرته الصحافة السعودية، وجيش آل سعود الإلكتروني، بعنصرية لونه الأسود، وأنه ضعيف لا يقف مع حلفائه، وأنه سبب شرخاً في العلاقات السعودية الأمريكية. وكأن الأقدار تكافئ آل سعود برئيس أكثر سوءً، بحيث انها ليس فقط لا تؤمل خيراً كثيراً منه، بل تتمنّى أن لا تنزلق العلاقات الى ما هو أسوأ.
لكن الكثير من الرعب السعودي بدا مبالغٌ فيه، وأن ترامب (رجل الأعمال) يمكن التعامل معه من زاوية (بيع المواقف وشرائها)؛ وأن التقارب المتسارع بين اسرائيل والسعودية، يمكن ان يعدّل المواقف، كما توضح بعدئذ، وإن لم يكن الموقف الأميركي مستقراً بعداً تجاه السعودية. ما يعني ان قلق آل سعود، لازال كامناً، وإن لم يكن فاقعاً، كما كان عليه الأمر عشيّة فوز ترامب.
مالذي يقلق الأمراء السعوديين من ترامب؟
ومالذي يؤملونه او يحلمون بأنه سيقوم به؟
لقد فجّر ترامب قنابل موقوته لدى كل الدول الحليفة لأمريكا، سواء في الشرق الأوسط، او جنوب شرق آسيا، أو في أوروبا أو أمريكا اللاتينية. الجميع قلق، والجميع ينتظر ما إذا كانت وعوده الإنتخابية سيطبقها أم لا.
الرياض قلقة من عدّة أمور:
أولاً/ هي قلقة من الملف القائم والمعنون بقانون (جاستا).
ثانياً/ هي قلقة من أن الرئيس الأمريكي الجديد، الذي رفع شعار (أمريكا أولاً)، قد يصبح أكثر حماسة من أوباما في عدم التدخل العسكري الخارجي؛ إذ لا يمكن بناء البيت الداخلي الأمريكي ـ اقتصادياً، من جهة، وشن حروب خارجية في نفس الوقت، من جهة اخرى.
وثالثاً/ الرياض قلقة من أن عليها أن توفّر بدائل حماية لنظامها السياسي؛ أو أن تدفع أكثر ثمناً لتلك الحماية، كما أعلن ذلك ترامب مراراً في حملته الإنتخابية. ولطالما أعلن ترامب بأن السعودية ودول الخليج عامة، لا تستطيع العيش بدون الحماية الأمريكية، وأنها ستجبر على دفع ثمنها مرغمة.
رابعاً/ ومع ان الرياض لا تبدو قلقة بشأن سياسة ترامب بشأن دعم اسرائيل ونقل السفارة الأمريكية الى القدس.. فإنها قلقة بشأن سياسته في محاربة داعش والراديكالية الإسلامية، التي تعني تحديداً ـ اذا ما طبقها ـ مواجهة الأيديولوجيا الوهابية التي تشرعن حكم آل سعود. وإن الإصرار على محاربة داعش والنصرة، سيزيد خصوم الرياض ومنافسيها قوة على الصعيد الإقليمي، ويقلّص من نفوذها اكثر فأكثر.
خامساً/ ان سياسة العزلة الأمريكية، في حال تمّ تطبيقها، ستزيد ـ من وجهة نظر آل سعود ـ من النفوذ الإيراني والروسي على حساب الدور والنفوذ السعوديين في المنطقة، في حين كانت النقمة السعودية على أوباما لهذا السبب، وكان الأمل يحدو الأمراء باستعادة نفوذهم المتراجع بقوة، إن لم يكن (الضائع) الى الأبد.
سادساً/ تخشى الرياض ان يشهد العصر الترامبي، تحوّلاً استراتيجياً مصرياً وتركيّاً تجاه التحالف الروسي ـ الإيراني، حيث تتقلّص الى حدّ كبير وشائج المصالح وتتباعد السياسات بين الرياض وانقره من جهة، وبين الرياض والقاهرة من جهة أخرى.
هناك مؤشرات أخرى لهذا التحوّل، بالنظر الى فشل الرياض في تثبيت علاقة استراتيجية مع البلدين، وبالنظر أيضاً الى تغليب الرياض لمصالحها التكتيكية ولضعفها الاستراتيجي، وتغليب التكتيك على المصالح بعيدة المدى، ما أدى الى إبعادها نسبياً عن تسوية الملف السوري، وخسارتها الكبيرة في الملفين العراقي واللبناني، وتجدد صراعها مع مصر بشأن جزيرتي تيران وصنافير.
لكن الأهم، هو ان سياسات ترامب لا يُتوقع لها أن تكون جاذبة لتركيا ومصر، حتى مع افتراض التقارب السياسي؛ ذلك أن العوامل الإقتصادية والأمنية بالتحديد هي التي تدفع بالبلدين الى التوجه نحو المحور الروسي الإيراني، مع ملاحظة ان دول الخليج وتركيا ـ كل لأسبابه الخاصة ـ تأمل في دقّ أسفين في التحالف الروسي الإيراني.
من جهة أخرى، فإن ما تؤمله الرياض من الرئيس الجديد ترامب، يقع في مجمله تحت عنوان: ما هي سياسته تجاه إيران؟
تأمل الرياض ابتداءً أن تنجح وحليفها الإسرائيلي بتغيير سياسة ترامب تجاهها، مقابل أثمان ماليّة، ومقابل استعلان العلاقة مع اسرائيل، كمكافأة لها على دورها في توطيد العلاقة الاستراتيجية الأمريكية السعودية. ولكن، وفي أسوأ الأحوال، فإنه من وجهة النظر السعودية: إن لم تكن الرياض قادرة على تغيير سياسة ترامب السلبية تجاهها، والتي يعتقد الأمراء انه يمكن تخفيفها كثيراً في حال أقاموا علاقات متميزة مع اسرائيل، وهو ما يجهدون لفعله.. فهل يمكن التعويل على سياسة أمريكية جديدة أكثر شدّة وحزماً مع المنافس اللدود (إيران)؟
لسان الحال السعودي يقول: إن كنّا خاسرين من سياسة ترامب، فعلى الأقل ان لا يكون الإيرانيون رابحين.
تؤمل الرياض من ترامب أمرين، وعد بهما:
أحدهما: احتواء التوسّع الإيراني في المنطقة ـ ولو من زاوية حماية اسرائيل؛
والثاني: اعادة مراجعة الاتفاق النووي مع ايران ـ كما وعد، بعد أن كان الهدف تمزيق الإتفاق كليّة كما أعلن.
في فترة الحملات الإنتخابية، كان الإيرانيون قلقين نسبياً من ترامب، ثم بدا لهم ـ أو لفريق داخل السلطة ـ أن ترامب لا يمثل أي قلق على المصالح الإيرانية، حتى لو عمد الى الغاء الاتفاق النووي الذي صادقت عليه الدول الكبرى جميعاً بما فيها مجلس الأمن الدولي. بل ان هناك بين الساسة الإيرانيين من يتمنّى ان يعمد ترامب الى الغاء الإتفاق من أساسه.
لكن الامراء السعوديين لاحظوا ان ترامب يمكن أن يتراجع تحت ضغط التهديد الايراني، وتحت ضغط الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا التي وقعت على الإتفاق. كان ترامب يريد تمزيق الاتفاق النووي؛ ثم قال بمراجعته؛ ثم قال ان ما سيقوم به مجرد مراقبة السلوك الإيراني؛ وهذا ما أزعج السعوديين الرسميين، والاعلاميين، وعبروا عن ذلك في مقالاتهم. لكن التصريحات الملتهبة الأخيرة تجاه ايران من ترامب ووزير دفاعه، بل تهديداتهم العلنية لإيران، أطربت ال سعود حدّ الثمالة. وانتعش الأمل بصراع عسكري مباشر بين ايران وأمريكا.
الأرجح ان محصلة سياسات ترامب، لا تقرّب حلم السعودية بصراع مسلح بين واشنطن وطهران، تخرج هي ـ اي السعودية ـ من خلاله لترفع شارة النصر.
على صعيد آخر، وفي الوقت الذي تبدو فيه الرياض سعيدة من أن الرئيس الجديد (ترامب) غير مهتم وغير معني بموضوع حقوق الإنسان او الديمقراطية وضرورة الإصلاح في البيت السعودي، ما يعني ان بإمكان الأمراء زيادة جرعة القمع لتصل الى أقصى مدياتها.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه الأمراء السعوديون بأن ترامب قد لا يكون معنياً كثيراً بحرب اليمن، وقد لا يمارس اية ضغوط عليهم لإيقافها.. كما أن أوروبا ستكون مشغولة بنفسها من تداعيات مواقف اوباما بشأن حلف الناتو ووحدة الاتحاد الأوروبي.. ما يعني أن هنالك متسع من الوقت للرياض لمواصلة الحرب..
مع هذا، فإن الرياض تشعر بأنها ستكون أكثر عزلة في السنوات القادمة سواء في محيطها الإقليمي او الاسلامي او الدولي، وأن عليها الانكباب على ذاتها داخلياً، خاصة مع احتمالية تصاعد العنف الداعشي داخلياً كنتيجة لهزيمة السياسة السعودية اقليمياً، وخسارة داعش والقاعدة المعركة على المستويين الإقليمي والدولي.
لكل هذه الأسباب.. أليس من حق الرياض أن تقلق من الحليف الأمريكي؟!